الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٦ صباحاً

قطعت جهيزة قول كل خطيب

إحسان الفقيه
الخميس ، ٢٣ ابريل ٢٠١٥ الساعة ٠٥:٤٧ مساءً
قديما، اجتمع قوم للتشاور في الصلح بين حيّين، أصاب أحدهما من الآخر دمًا، فحاولوا إقناع أهل القتيل بقبول الدّية حقنا للدماء.

وبينما هم على ذلك، جاءت امرأة يقال لها "جهيزة"، فحسمت النقاش والجدال بنبأ أسكبته على أسماع الحضور: (أولياء المقتول ظفروا بالقاتل...وقتلوه..)..

حينئذ قال الناس: "قطعت جهيزة قول كل خطيب". فصار مثلا يُضرب لمن يقطع على الناس ما هم عليه بأمر هام يأتي به.



قالوها هم في زمن بعيد مضى .. وقلتُ أنا: "غدا تقطع جهيزة الحزم تكهّنات كلّ خطيب"، وذلك في ذيل مقالة لي نُشرت صباح الأربعاء، حول وقف عمليات عاصفة الحزم، والذي أثار جدلا واسعا، وتباينت فيه الآراء.

وكنتُ ممن رأوا أن قرار وقف العمليات العسكرية من قِبَل تحالف عاصفة الحزم، ليس إلا محطة أو مرحلة في المعركة، وواجهتُ على إثرها سيلا من الانتقادات اللاذعة- التي أحترم منها ما كان في إطار الأدب- واتُّهمت بمحاولة تجميل تحالف العاصفة بصورة متعسّفة ومتكلّفة، حيث يرى هؤلاء أن العاصفة كانت وهمًا، أو إجراء تكتيكيا لتحقيق مصلحة خاصة تستبعد الشعب اليمني من حسابات دول تحالف العاصفة ..

ومنهم من قال أن انطلاق العاصفة ووقفها إنما صدر بقرار أمريكي، وأن واشنطن استخدمت العرب في مُلاعبة إيران، إلى غير ذلك من التكهّنات التي نحترم القائلين بها.

ورأيتُ –ولا زلت-( أن تحالف العاصفة يهدف إلى العمل تحت غطاء دولي رسمي، حتى يتناغم موقفها مع الهدف الرسمي المعلن وهو إعادة الشرعية في اليمن والحفاظ على أمن الخليج، حيث أن الزيادة على ذلك والقفز على الحواجز الدولية قد يصنع لها أزمات عديدة.



كما أكدتُ على أن التحالف يضع الشعب اليمني في بؤرة اهتمامه، حيث أن وقف القتال وإعادة الإعمار أمر لا يسع دول الخليج تجاهله، وهو ما لا يتأتّى إلا في ظل وقف القتال بعد تحقيق أهداف المرحلة.

كما أنني رأيت – ولا أزال- أن المسار السياسي لا يمكن فصله عن المسار العسكري في الحروب، فكلاهما يكمل الآخر.



وكانت النقطة الأهم التي اعتمدتّ عليها في تقرير رؤيتي:

أولا : أن التحالف ما زالت حشوده على أهبة الاستعداد..

ثانيا : أن القيادات أكدت على أن نهاية عاصفة الحزم وبدء عملية إعادة الأمل، لا تعني وقف العمليات العسكرية، وأن الضربات العسكرية سوف تكون بحسب الحاجة وخاصة عند استخدام الحوثيين للأسلحة والذخائر.

*وأنا أعلنها اليوم أنني لا زلت على ثقتي بتحالف العاصفة، بل ازددتّ قناعة بأن العملية كانت بداية تحركات عربية سنية قوية في المنطقة، لها ما بعدها في التعاطي مع الأزمات الأخرى وخاصة الملف السوري ثم العراقي ..



وحتى يعرف القارئ علام بنيتُ تفاؤلي هذا، لنقرأ معا هذين المشهدين اللذين أعقبا الاعلان الشكليّ لإنهاء عملية عاصفة الحزم :



المشهد الأول:

نشرت وكالة الأنباء الفرنسية وغيرها من الوكالات والصحف نبأ قيام طيران التحالف الذي تقوده السعودية، بشن هجمات صباح الخميس الموافق للـ ٢٣ من ابريل ، على مواقع للحوثيين.

استهدف الهجوم مقر اللواء 35 التابع للجيش، والذي سيطر عليه ميليشيات الحوثيين يوم أمس، غربي مدينة تعز.

كما استهدفت الغارات الجوية تجمعًا لميليشيات الحوثيين في منطقة السحول ومدينة يريم بمحافظة إب المجاورة لمحافظة تعز.

هذا الخبر الذي زفّته وسائل الإعلام يأتي بعد أقل من يومين على قرار إنهاء عاصفة الحزم، فما دلالته؟



هذه العملية العسكرية تضعنا أمام حقيقة أعتقد أنها باتت واضحة للعيان، وهي أن التحالف سوف يكون بالمرصاد لأيّ تحركاتٍ عسكرية للحوثيين، وإجبارهم على التعايش السلمي في اليمن، لتكون القاعدة (وإن عدتم عدنا).



كما أنها تدعم ثقتنا في التصريحات الصادرة عن قيادة التحالف، والتي أكدت فيها على أن وقف العاصفة لا يعني انتهاء العمليات العسكرية، غير أنها ستكون وفقا للحاجة، وهو ما يؤكد على أن القرار لم يعنِ أن التحالف تخلى عن اليمن.



المشهد الثاني:

التصريح القوي لعبدالله المعلمي، سفير السعودية في الأمم المتحدة، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الليلة قبل الماضية، والذي أثار انفعال الجعفري مندوب الطاغية بشار في الأمم المتحدة.

وكان مما قاله المعلمي: "إن المملكة العربية السعودية التي أثبتت قدرتها على الحسم والحزم، ونصرة الأشقاء، لن تألوا جهدا في سبيل مساعدة الشعب السوري، على تحقيق تطلعاته وطموحاته في الحرية والكرامة، وبما يحافظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها وحقوق أبنائها".



هذا التصريح أيضا له دلالاته:

فجاء متزامنا مع وقف عملية عاصفة الحزم، والتي كانت ضربة موجعة وجهتها السعودية لإيران الراعي الرسمي للانقلاب الحوثي، حيث استطاع التحالف الذي تقوده المملكة شلّ القدرات العسكرية الحوثية والهيمنة على المجال الجوي في المنطقة.



فكانت هذه العملية جولة ربحتها السعودية أمام إيران حليف سوريا بل الحاكم الفعلي لها.

*كما يلاحظ أن المندوب السعودي قد أعاد جملة "إن السعودية التي أثبتت قدرتها على الحسم والحزم" مرتين، لينطلق منها إلى التأكيد على مساندة الشعب السوري في نيل حريته.



هذا المشهد في توقيته ومضمونه يحمل رسالة واضحة من السعودية، مفادها أن اليمن لن تكون الجولة الأخيرة في نشاطها في المنطقة، وأن هذه القوة الجديدة التي تحركت على أرض الواقع بفاعلية، لن تترك الملفات الأخرى العالقة.



*السعودية تدرك جيدا أن سوريا هي جسر النفوذ الإيراني إلى المنطقة، وأن إيران تسعى لإتمام الهيمنة على الممرات البحرية، لذلك لا أرى أنها ستقف عند الملف اليمني، وأتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة حراكا سعوديا وخليجيا قويا تجاه أزمة الشعب السوري.

ومن وجهة نظري، فهناك عدة أوراق يمكن للسعودية أن تستفيد منها في المرحلة المقبلة:



أولا: التحالف مع تركيا والرؤية الموحدة تجاه القضية السورية والنفوذ الإيراني في المنطقة.

ثانيا: أن دول مجلس التعاون الخليجي في طريقها من التعاون إلى الاتحاد بعد عاصفة الحزم، وهو ما يمكن من خلاله توحيد الرؤية الخليجية للعلاقات مع إيران وحلفائها.



ثالثا: يمكن للسعودية الاستفادة من التيارات الجهادية السنية ودعمها في مواجهة الميلشيات الشيعية في العراق وسوريا فضلا عن اليمن بعد فتح قنوات للحوار معها، دون أن تعرض نفسها للوقوع في مصيدة دعم الإرهاب.


رابعا: استثمار الانتفاضة الأحوازية، والتوجه بالدعم إلى الأحواز، حيث أنه عامل حيوي يسهم في وقف المشروع الإيراني.


خامسا: محاربة الفكر الرافضي الذي يرتكز عليه المشروع الإيراني، بنشر الوعي داخل وخارج المملكة عن طريق دعم العلماء والدعاة والمؤسسات السنية.

وكما قلت سابقا ولطالما كرّرت وسأكرر :

كفّاي متحفّزان للتصفيق لكل من ينتصر لفكرتي الإسلامية كليا أو جزئيا، وسأظل أصفق لعاصفة الحزم مهما تغير مُسماها ما لم يتغيّر مسارها ومسعاها..

فإما نكون وإما نكون .. ولا خيارات أخرى ..

"شؤون خليجية"