الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٣ مساءً

الدور السعودي تجاه اليمن

منصور الذيابي
السبت ، ٢٥ يوليو ٢٠١٥ الساعة ٠٣:٠٤ مساءً
كانت المملكة العربية السعودية، ومنذ عقود طويلة، تسعى دائماً ولا تزال تبذل جهوداً كبيرة لضمان استقرار اليمن على الصعيدين السياسي والاقتصادي لتحقيق ما يتطلع إليه الشعب اليمني الشقيق من الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة في جميع نواحي الحياة. إلا أن السياسة التي كان ينتهجها الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح لم تكن بالمستوى الذي يحقق طموحات وتطلعات شعبه من ناحية ويثمن مساعدات ومبادرات دول الجوار من ناحية أخرى. ومن هنا اندلعت الثورة اليمنية لتغيير واقع الحياة السياسية من خلال إيجاد سلطة سياسية جديدة تكون قادرة على ضبط الشأن اليمني وتعزيز مفهوم حسن الجوار في العلاقات الثنائية مع دول الخليج ووضع استراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية تحظى بقبول جميع الأحزاب والمكونات الاجتماعية في البلاد.

وبعد أن نجحت الدبلوماسية السعودية وتمخضت عن اتفاق المبادرة الخليجية في 3 ابريل من عام 2011 حيث نصت على تنحي الرئيس صالح في غضون شهر واحد، ونقل السلطة سلمياً إلى نائبه عبدربه منصور هادي. وتشكيل حكومة وحدة وطنية في الفترة التي تسبق الانتخابات، تم بذلك تهدئة الثورة الشبابية وإنهاء الأزمة في اليمن. وبالرغم من قبول المعارضة بالاتفاقية التي نصت أيضا على منحه حصانة من الملاحقة القضائية إلا أن الرئيس المخلوع حاول التراجع عن التوقيع ومن ثم علقت المعارضة مشاركتها في التوصل إلى اتفاق ثنائي متهمة صالح بسوء النية. فتصاعدت الاحتجاجات وأعمال العنف في البلاد بعد تراجع صالح للمرة الثانية.

وفي نهاية عام 2011 جرى في الرياض توقيع صالح والمعارضة على اتفاق المبادرة الخليجية لانتقال السلطة السياسية في اليمن ليتم نقل سلطاته إلى عبدربه منصور هادي في غضون ثلاثين يوما، وتجري الانتخابات رسميا في 21 فبراير 2012 مقابل منح صالح الحصانة من الملاحقة القضائية له ولأسرته.

وبذلك تمكنت المملكة العربية السعودية من تهدئة الثورة الشبابية وإنهاء الأزمة السياسية في اليمن بإنهاء فترة حكم صالح التي تميزت بافتعال الحروب الداخلية الخاسرة والتحالفات السرية مع الحركات الإرهابية والغموض والتناقض السياسي في علاقاته مع دول الجوار والدول الأخرى. لقد أدت سياسته إلى تدهور الحالة الاقتصادية والأمنية في اليمن مما مهد الطريق أمام خروج حركة التمرد الحوثية مرة أخرى مستغلة الفراغ السياسي والأمني هناك حيث استفادت من التحالف مع إيران أولا ثم مع علي عبدالله صالح ونجله للمساعدة في الانقلاب على الشرعية والإطاحة بالرئيس المنتخب وحكومته.

هنا برز دور الرئيس المخلوع على عبدالله صالح في دعم التمرد الحوثي مقابل أن يصل ابنه أحمد الى سدة الحكم في اليمن. وبدعمه للحوثيين ماليا وعسكريا تمكن المتمردون من فرض سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومحاصرة الرئيس الشرعي داخل القصر الرئاسي مما اضطره الى اعلان استقالته ثم التراجع عنها بطلب من الحكومة، ومن ثم طلب المساعدة من المملكة العربية السعودية لإنقاذ اليمن من الحركة الإرهابية الحوثية التي سعت الى تنفيذ أجندة إيران في جنوب الجزيرة العربية لأجل زعزعة أمن المنطقة والهيمنة على الممرات المائية عبر التحكم بمضيق باب المندب في البحر الأحمر وتهديد الملاحة البحرية.

وبعد فشل الجهود السياسية لمندوب الأمم المتحدة في صنعاء ورفض الحوثيين وصالح دعوة المملكة للحوار في الرياض، لذلك استجابت المملكة العربية السعودية لنداء الشعب اليمني والرئيس الشرعي في التدخل العسكري من خلال قيام دول التحالف بعملية (عاصفة الحزم) حيث شنت ضربات جوية محددة لمنع تقدم الحوثيين باتجاه مدينة عدن التي انتقل اليها الرئيس هادي منصور وحكومته ومن ثم مغادرتهم لها في ظروف أمنية، ولوضع حد للمناورات العسكرية الحوثية بالقرب من حدود المملكة العربية السعودية، ووئد مشروع ايران التوسعي في مهده.

تعلم جميع الدول ان سياسة المملكة العربية السعودية ومنذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز رحمه الله، تقوم على مبدأ الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما ان مبادئ سياسة المملكة في العلاقات الدولية تنص على حسن الجوار وتقديم المساعدات الانسانية العاجلة للدول الشقيقة والصديقة في حال حدوث الكوارث الطبيعية والحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية ولا سيما في الدول الاسلامية الشقيقة

ولهذا تدرك جميع دول العالم ان المملكة العربية السعودية تعد من الدول المحبة للسلام والداعمة لجهود تحقيق الأمن والاستقرار في كثير من دول العالم. والجمهورية العربية اليمنية هي واحدة من تلك الدول التي حظيت باستمرار الدعم السعودي السخي وتقديم التسهيلات لأبناء اليمن وفتح المجال امام الراغبين منهم في العمل داخل المملكة. ولا يزال اخواننا اليمنيون يعملون في المملكة وينعمون فيها بالعيش الكريم والأمن والسلام.

تلك هي المملكة العربية السعودية. الدولة التي لا تفرق بين المواطن والمقيم فيما يتعلق بمزاولة العمل التجاري وفقا لإجراءات وتنظيمات وزارة العمل السعودية في هذا الشأن. ومما لا شك فيه ان اليمنيين العاملين في المملكة العربية السعودية يثمنون للمملكة هذا الدور الإنساني بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي قدم ويقدم ولا يزال يقدم بسخاء من المساعدات والمعونات للشعب اليمني وغيره من الشعوب الإسلامية الاخرى.

وبالرغم من حرص المملكة في الوقوف الى جانب اليمن عبر العقود الماضية الا ان القيادة السياسية في اليمن لم تنظر بعين الاعتبار لهذا التاريخ الطويل من العلاقات القوية بين الحكومتين والشعبين الشقيقين كما لم يثمن الرئيس المخلوع دور المملكة العربية السعودية في دعم مشروع الوحدة بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي. لكننا نعلم بأن الشعب اليمني يثمن ويقدر الدور السعودي في خدمة قضايا اليمن عامة ولا سيما ما يتعلق بالنواحي الاقتصادية والمساعدات. وقد بلغت المساعدات السعودية لليمن خلال السنوات الخمس الماضية فقط أكثر من ثلاثة مليارات دولار اميركي وذلك لتمويل مشروعات إنمائية واقتصادية وصحية وأكاديمية.

وفي نهاية شهر ربيع الآخر من العام المنصرم كانت قد بدأت حملة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله – للشعب اليمني الشقيق لمساعدة الفقراء والمحتاجين والتي بلغت نحو 54 مليون ريال لتلبية الاحتياجات من المواد الغذائية، حيث تولت هيئة الإغاثة الإسلامية التابعة لرابطة العالم الإسلامي الإشراف والتنفيذ في إيصال هذه المساعدات للأسر الفقيرة والمحتاجة في كل محافظات اليمن.

وما ان أدركت القيادة السعودية خطورة هذا المخطط على الشعب اليمني ودول الجوار حتى سارعت باتخاذ القرار التاريخي للوقوف بحزم ضد المشروع الإيراني في اليمن ودحر المعتدين والطامعين في الوصول الى جزيرة العرب عبر عملائها الحوثيين وتعريض امنها السياسي والإقليمي للخطر. ومن هنا تجلت الحنكة السياسية والنظرة الثاقبة للملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وحكومته الرشيدة في التعامل مع هذا الخطر المتزايد بما يقتضيه الموقف للدفاع عن الشعب اليمني وضمان أمن الحدود السعودية والنأي بأمن الخليج عما يشبه صور الوجود والتمدد العسكري والسياسي لإيران في سورية ولبنان والعراق وما نتج عن هذا الوجود والتوغل من قلاقل سياسية وحروب أهلية طائفية أوهنت جسد الأمة العربية وصرفت أنظارها عن قضاياها العربية ونهضتها العلمية والاقتصادية.

* الرياض