الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٥٠ مساءً

فيدراليون... نعم!

مراد هاشم
الجمعة ، ٣١ يوليو ٢٠١٥ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
من وجهة نظر كثيرين في اليمن النظام الفيدرالي صار مطلوباً أكثر من أي وقت مضى خصوصاً بعد انقلاب جماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي صالح على المسار السياسي الانتقالي وتحالفهما لوأد المشروع الذي توافق عليه اليمنيون بل ثار أغلبهم في ١١ فبراير ٢٠١١ من أجل تحقيقه والمتمثل بإقامة دولة مدنية اتحادية ذات نظام فيدرالي متعدد الأقاليم وهو مشروع يبدو الآن أكثر إلحاحاً لوضع حد للهيمنة الفئوية والمركزية على مؤسسات الدولة ولكبح جماح التغول المتكرر من المركز على بقية أنحاء البلاد.

الحرب التي يشنها تحالف الانقلاب منذ أشهر على وسط البلاد وجنوبها وآطرافها تجعل من المشروع الفيدرالي ضرورة إن أُريد لليمن أن يبقى واحداً موحداً بالخيار والاختيار وليس بالقوة والقمع والقهر المولد لمزيد من الأزمات.

حرب الحوثي والمخلوع ترفع شعارات مخادعة عديدة من قبيل الحرب على داعش لكن أصدق هذه الشعارات هو رفض الفيدرالية.

الحوثيون والرئيس المخلوع وافقوا في البدء في خطوة مراوغة على النظام الفيدرالي بتوقيعهم على وثيقة مخرجات الحوار الوطني في يناير ٢٠١٤ لكنهم في الواقع وفي الظلام ومنذ منتصف العام ٢٠١٢ كانوا يتآمرون للانقضاض على المسار الانتقالي برمته وفي تقارير المبعوث الأممي السابق الى اليمن جمال بن عمر إلى مجلس الأمن الكثير من الحقائق التي تثبت ذلك وبموجبها فرضت عقوبات على كبار المتآمرين.

شُنت الحرب ليس فقط في محاولة لبسط سلطة الانقلاب في وسط البلاد وجنوبها والأطراف شرقاً وغرباً بل أيضاً لإجهاض المشروع الفيدرالي ووأد الفكرة وهي لاتزال في المهد ولاسيما أن المؤشرات كانت تظهر قبولاً شعبياً كبيراً للنظام الفيدرالي.

تحرص آلة الدعاية التابعة للحوثي والرئيس المخلوع على إظهار الفيدرالية كمشروع للتقسيم والتفتيت وعلى اتهام المطالبين بها بالخيانة وهو وصف أحق به من انقلب على سلطة منتخبة واستولى على الدولة ومؤسساتها وأشعل الحرب واجتاح المناطق ودمر المدن وقتل وجرح وشرد الآف اليمنيين وأحدث فوق ذلك فتنة مذهبية توشك آن تمزق وتفتت البلاد وإلى الدرجة التي يظهر للبعض معها أن الفيدرالية ذاتها باتت سقفاً أدنى لمطالب المتضررين من الهجمة الحوثية.

أحدثت الحرب شروخاً جديدة في النسيج الاجتماعي وعمقت ما كان قائماً منها، نكأت جراحاً وفتحت أخرى، ويُخشى أنها بالفعل قد كرست أكثر فكرة انفصال الجنوب الذي كان إلى ما قبل عقدين ونصف دولة بل كان واحدة وعشرين سلطنة ومشيخة مستقلة حتى الستينيات من القرن الماضي.

يخشى أيضاً أن الحرب قد هيأت البلاد لانقسامات أكثر، فاليمن في مجمل تاريخه وحتى وقت قريب لم يعرف ديمومة أو استقراراً لحكم مركزي وتقلبت عواصم الحكم فيه وانتقلت بين مدن البلاد شرقاً وغرباً ووسطاً وشمالاً وجنوباً وتوالى على الحكم فيها بالتزامن وبالتعاقب على كل البلاد أو أجزاء منها الأتراك العثمانيون والإنجليز وممالك وسلطنات وإمارات ودول ودويلات كثيرة وما يقال بمبالغة عن حكم الألف عام للأئمة الزيديين الذي تحاول الحركة الحوثية استعادته ينطبق على صنعاء ومناطق شمال الشمال فقط التي حُكمت بدورها مركزيا في مراحل مختلفة انطلاقا من عواصم أخرى مثل عدن وتعز وغيرهما.

نخب قليلة معارضة لجماعة الحوثي والرئيس المخلوع وقفت أيضاً ضد تطبيق الفيدرالية في الأغلب بسبب التفاصيل التي " يكمن فيها الشيطان " مثل عدد الأقاليم وطريقة تقسيمها والصلاحيات الممنوحة للحكومات المحلية لكن البعض عارض الفكرة من حيث المبدأ، منهم من اعتبر أن النظام الفيدرالي غير مناسب لليمن الذي يراه متجانسا عرقيا "وذلك صحيح الى حد كبير!" ومنسجما اجتماعياً وهوتجاهل واضح للواقع ولكل الحروب والصراعات التي شهدتها البلاد ولاتزال، كما أن من المعارضين من يرى أن اليمن غير مؤهل بعد سياسياً واقتصادياً وادارياً لنظام فيدرالي متعدد الأقاليم وهؤلاء يرون في الحرية والاستقلالية التي ستتمتع بها الأقاليم لإدارة شؤونها المحلية في التنمية والتعليم والصحة والأمن والقضاء مقدمة للانفصال! وهؤلاء يتجاهلون أن الشؤون السيادية ستبقى في المركز حيث ستحكم سلطة ومؤسسات تمثل جميع اليمنيين ويتجاهلون آيضا أن الفيدرالية في الاساس نظام ديمقراطي يكفل حرية ومشاركة أوسع للناس في إدارة حياتهم ويربطهم باختيارهم وبحكم المصالح المشتركة بوحدة طوعية يحميها ويدافع عنها ويصونها الجميع .

غالبية معارضي الفيدرالية لا يقدمون حلا بديلا... بل ربما لا يجرؤون في الواقع وبسبب المعارضة المتوقعة من غالب اليمنيين على القول أن الحل هو بقاء مركزية صنعاء وعلى نموذج دولة الرئيس المخلوع علي صالح وبعض من أسلافه السابقين.

قبل عقدين ونصف وفي خضم الجدل الذي احتدم بشأن اعتماد نظام سياسي تعددي قيل وقتها أن اليمن ليس مؤهلاً لنظام ديمقراطي!... مع أن المطلوب كان أن يبدأ السير في الطريق كي يتأهل... وهو لحسن الحظ ما تم... اليوم يحمل اليمنيون السلاح في وجه الحوثي والمخلوع دفاعاً عن أنفسهم ومناطقهم وأيضا دفاعاً عن حقوق ديمقراطية مكتسبة وعن شرعية منتخبة كما فعلت سابقاً كثير من الشعوب الحرة.

والواقع أن ما حدث في صنعاء في سبتمبر ٢٠١٤ حينما سلمت الدولة وبغمضة عين، بقضها وقضيضها، بمؤسساتها وعسسها وعسكرها، إلى مليشيا الحوثي برهن أكثر "وفي الذاكرة وقائع تاريخية مشابهة!" أن اليمن المتنوع والثري والمتعدد اجتماعياً والمثخن بجراح الماضي والحاضر ونزاعاته ليس مكاناً مثالياً لدولة مركزية مركزها صنعاء، وأن الفيدرالية من شأنها إن طُبقت أن تضمن مركزاً عادلاً ومحايداً يمثل اليمنيين جميعاً وأن تحقق أيضا التوازن بين مركز نقطة ضعفه "وقوته ايضا!" الحزام القبلي المحيط وبين أطراف وأقاليم من شأنها أن تكون بصلاحياتها ووضعها ضامناً رادعاً لعدم تكرار ما حدث ولايزال على يد تحالف الحوثي والمخلوع منذ نهاية الصيف الماضي.

*عن هافنغتون بوست عربي.