السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٨ صباحاً

القاعدة تفسد فرحة النصر في عدن

نُهى البدوي
الأحد ، ٣٠ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ١٢:٥٤ صباحاً
لا يمكن لأي مراقب للأوضاع في اليمن خاصة الجنوب، إن يفصل بين ما تناولته وسائل الإعلام مؤخراً عن ظهور علني لعناصر تنظيم القاعدة في مدينة عدن، واستقدام بعض دول التحالف لجنود امارتيين وسعوديين لتولي مهام حفظ الأمن في المدينة، والذي يؤكد ما تناولته وسائل الإعلام حقيقة الظهور العلني لعناصر القاعدة في مدينة عدن، وأفساده فرحة أهالي المدينة واحتفالهم بالنصر، بعد إن كانت عناصره تتحاشى علنية تواجدها جنباً الى جنب مع بقية مليشيات وتيارات المقاومة الموالية للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في قتالهم ضد مليشيات جماعة الحوثي وقوات الرئيس السابق علي صالح.

ما يدور في عدن يكشف جانباً من غياب التخطيط الاستراتيجي للسيطرة على نتائج الحرب عند القوات الموالية للحكومة الشرعية في اليمن، وعدم إتخاذها خطوات جدية ملموسة لتطبيع الأوضاع في عدن والمحافظات الجنوبية التي تم استعادتها من قبضة الحوثيين وقوات صالح، وعجزها الواضح في التعامل مع الأوضاع الأمنية وكيفية فرض سيطرتها لملئ الفراغ الذي خلفته الحرب، وهو ما استغله "تنظيم القاعدة" في اليمن لإحكام وجوده كقوة على الأرض يصعب التعامل معها عسكرياً في الوقت الراهن، الأمر الذي جعل عناصره تجاهر بوجودها علنياً كشريك أساسي في تحقيق النصر وتطهير محافظات الجنوب اليمني من مليشيات الحوثيين وصالح، بحسب ما أكد عليه القيادي في تنظيم القاعدة جلال بالعيدي تسجيل مصور له ، بثه موقع التنظيم على شبكة الانترنت "الملاحم" قبل نحو أسبوعين تحدث فيه عن "انتصارات المجاهدين" وتواجد تنظيم القاعدة في جبهات القتال في مختلف المناطق وصولاً إلى جبهة تعز" وان "عناصر التنظيم قامت بتدريب الآلف من المقاومة منذ بدء المعارك، وتسليحهم حتى استطاعوا أن يغيروا في واقع الجبهات.

إن مؤشرات التخبط الأمني التي بدأت تظهر في عدن هي واحدة من النتائج المتوقعة سلفاً، وقد تناولتها في مقالات سابقة وحذرت من خطورة نتائج ومآلات هذه التحالفات التي تشكلت بين تنظيم القاعدة في اليمن وبعض التيارات والمليشيات الموالية للرئيس هادي مع بداية الحرب في اليمن، وتمدد مليشيات الحوثيين وصالح الى المدن الجنوبية، بل أنها تؤكد التعامل اللامسؤول الذي اظهرته الحكومة الشرعية والقيادات العسكرية في إدارة الحرب والسيطرة على مستقبل هذه العلاقة المشبوهة التي فرضتها ضرورات الحرب والدوافع المذهبية على سكان مناطق الجنوب، وموقفهم من تمدد جماعة الحوثيين وصالح " الشيعة " في الاراضي السنية الشافعية الجنوبية لتبرز في شكل تحالفات غير معلنة لهدف صد هذا التمدد إلى مناطقهم ،التي قد تنسجم مع ما يسعى اليه أبنائها لتوفير الحماية لمناطقهم من خطر التمدد الشيعي، لكن هذه التحالفات ذات خطورة مستقبلية على استقرار البلد والمجتمع، لما توفره لتنظيم القاعدة من عوامل مساعدة لتعزيز قدراته وافساحها المجال أمامه لحرية تحركاته واستقطابة لعناصر ودماء جديدة في صفوفه.

قد يتسأل المرء مع نفسة أين تكمن الاشكالية التي تسببت في إفساد فرحة النصر لدى المواطن في عدن والجنوب لطالما معظم القوى المؤثرة في هذه المناطق بمختلف شرائحها ومكوناتها القبلية والمجتمعية رضخت لهذه التحالفات التي فرضتها ضرورات الحرب كما يصورها البعض، وهنا لا بد إن نضع بين يدي القارئ الكريم جوهر هذه الاشكالية التي تكمن في إظهار تنظيم القاعدة حقيقة تحالفاته المشبوهة مع بقية الاطراف والقبلية والسياسية التي يفضل فيها وضع مصلحته فوق مصالح القوى الأخرى المتحالفه معه ، قبائل وتيارات دينية ومليشيات مسلحة " السلفيين" والتي لا تستقر مع طرف محدد كتحالف أبدي ، و إنما تحالف مرحلي متغير بتغيير الظروف وتبدل أشكال الصراع وأهدافه، وقد ربما تؤدي نتائج هذا التكتيك إلى خدمة الطرف الأخر، في إطار حرص "تنظيم القاعدة في شبة جزيرة العرب" على إبقاء الوضع في حالة "الفوضى الأمنية" خدمة لبقائه واستمرار حرية تحركاته وتعويض خسائرة البشرية التي الحقتها به ضربات الطائرات بدون طيار في محافظات شبوة ومارب وحضرموت شرق اليمن خلال فترة المعارك، التي قتلت كثير من قياداته القديمة من الصف الأول مثل ناصر النسي والربيش وآخرهم مقتل زعيم تنظيم القاعدة في شبة جزيرة العرب ناصر الوحيشي في منتصف يونيو العام الجاري، فالمتغيرات التي لم يتوقعها بعض المتحالفين معه من القبائل هي عدم توقعهم بنكوصه للعهود واختلاف العلاقة والتحالف مع هذا التنظيم الإرهابي بعد المعركة عن ما كان قبلها.ليثبت مجدداً للمجتمع اليمني من خلال انشطته الحديثة على الأرض إن مراهناته تتمحور حول سعية الدؤوب لإنتاج وضع غير مستقر بصرف النظر عن علاقته المذهبية مع الأطراف التي يتحالف معها، ومن تلك الأنشطة ظهورة العلني في عدن كقوة مسيطرة على الأرض، والذي لا شك من أنه يخدم الطرف الآخر مليشيات (الحوثيين وصالح) الذي وجد نفسة مستفيداً من هذا الوضع وتوظيف نتائجه السلبية التي خلفتها الحرب لصالحة لتحقيق مكاسب سياسية أكبر في ظل الصراع والاحتراب في اليمن على حساب أمن اليمنيين والمنطقة، بل كان ظهور التنظيم بمثابة الضربة الموجعه التي وجهها لبعض القوى المتحالفة معه في المناطق الجنوبية.

ما افسدة تنظيم القاعدة في عدن وتعكيرة أجواء الافراح والابتهاج با أنتصار الجنوبيين في الحرب، كان متوقعاً لدى الكثيرين من أصحاب الرأي والنخب التي حذرت من خطورة مآلات الصراع والحرب في اليمن، واستفادة تنظيم القاعدة في شبة جزيرة العرب منها، ويضع دول التحالف من جهة والحكومة الشرعية من جهة ثانية ، أمام اختبار صعب، لتحديد مسار الحرب الدائرة بين أطراف الصراع في اليمن، والموقف الذي ينبغي إتخاذه من هذا الخطر الذي تتصدر محاربته أولوية قصوى لخدمة الاستقرار الدائم في اليمن والمنطقة،وكيفية الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه لتحصين المواطنين وتقويض نشاط تنظيم القاعدة في الجنوب ومحاربته.