الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٢٧ مساءً

ماذا بعد العاصفة؟

محمد العميسي
الأحد ، ٠٤ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٤:١٦ مساءً
في أحد الأيام قلت لمقاول سعودي كنت أقوم بأعمال الاشراف على عمله بعد أن حصرت له الأخطاء في التنفيذ والتي تخالف مستند المواصفات المعدة من قبل جهة سيادية في الحكومة. سوف أتغاضى عن هذه الأخطاء لكن هذه بلدك أنت ويفترض أن تكون أكثر حرص مني على خدمتها. المقاول أبدى اندفاع وتصنع نوع كبير من الحرص واستمر بالتلاعب فتم رفض الأعمال وإيقاف المستخلص الخاص بها لأن النظام يقتضي هذا. القوانين تنظم هذا العمل ومصلحتي تقتضي أن أقوم بعملي على أكمل وجه دون التفكير بالجهة التي أخدمها هل هي وطني أم لا.

كان باستطاعة إن البلد أن يتلاعب ولم يكن باستطاعتي ذلك لأن مصلحتي في تطبيق النظام للحفاظ على عملي الذي قد اتعرض لفقدانه وربما للعقوبات أن خالفتها. فلا يمكنني رشوة القاضي حتى لو كان فاسداً كما قد يعمل ذلك ابن البلد.

هذا حين ننظر للموضوع مجرداً من الضمير والمبادئ ومراقبة الله.

ماذا تحتاج اليمن بعد العاصفة.

إن صلحت النوايا لإخراج اليمن من وضعها السيء لتكون يد قوية ضمن مجلس التعاون وحائط صد لأي محاولة مساس بأمن الجزيرة والعرب فسنحتاج لمحاربة الفساد وللحيادية في مؤسسة الدولة واقصد بالحياد أن يتولى مناصب الحكومة اشخاص محايدون وأن تكون الجهة الرقابية جهة محايدة أيضا حتى بناء مؤسسات قادرة على إدارة نفسها وبناء أجهزة رقابية قادرة على محاربة الفساد وضبط العمل الإداري.

واقترح حلاً وهو وجهة نظر تحتمل أوجه.

المقترح: أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بتشكيل هيئة لإعداد دراسة شاملة لتأهيل اليمن للانضمام لدول مجلس التعاون. ثم يتم إنجاز الدستور على أن يتضمن مواداً مؤقته تنظم المرحلة الانتقالية بالإضافة إلى المواد الأساسية ويوضع للاستفتاء. تتحول هيئة إعداد الدراسة إلى هيئة رقابية ويمكن توسعتها أيضاً. ثم تشكل حكومة كفاءات ويفضل أن تكون محايدة حتى لا يغرق الوزراء في هذه الحكومة "بالمناكفات" ومحاولات الإفشال بسبب توجهاتهم السياسية.

ولكي نحصل على كفاءات حيادية فليكن الوزراء كفاءات غير يمنية وسنضمن في ذلك التزامهم الحرفي بالدستور والقوانين ذات الصلة وستضبط هيئة الرقابة ذلك بتقييم دوري ومساءلة مستمرة. قد يعتبر البعض ذلك أمراً سيءً لكن إن كنا فعلا نعتبر المناصب الوزارية وظيفة يتم من خلالها تطبيق القانون وخدمة الشعب ولسد فرصة للفيد والنفوذ والمحسوبة. فسوف نستوعب أن خدمة الشعب يمكن أن يقوم بها ابن البلد أو حتى الأجنبي بمقابل مادي.

وهناك دول كثيرة تعين وزراء ومناصب كبرى في الدولة لأشخاص من جنسيات مختلفة. والمعيار هو الكفاءة بالدرجة الأولى ومادام كفؤ وهناك قانون ينظم عمله وهيئة تراقب سير العمل فسيقوم بعمله على أكمل وجه ولن يتهم بتجيير الأعمال لصالح حزبه أو جماعته او قبيلته. ومن جانب أخر ستكون دول الخليج أيضا مطمئنة ولن تقع في الشكوك والتخوفات التي وقعت فيها سابقاً ولن تحتار في البحث عن حليف داخلي يحمي لها أمنها ومصالحها بعد الكلفة المالية الكبيرة والتضحيات البشرية التي تنفقها لإعادة الشرعية في اليمن. فبمجرد أن تُبنى مؤسسات الدولةِ بالشكل العلمي الصَحيح وتؤسس أجهزة رقابة قادرة على ضبط العمل الإداري ومنع الفساد ستُصبح هذه المؤسسات هي الحلف الأنسب أيا كان بعد ذلك من يتولى إدارتها.

وهذا سيحقق استقرار للبلد ونماء وفي ذات الوقت سيجعل من اليمن عضواٌ فاعل -بمخزونه البشري الكبير وموقعه الهام-في مجلس التعاون الخليجي الذي يوشك أن يتحول إلى "اتحاد كونفدرالي" كما أن المؤسسات ستحمي الدولة من السقوط مجدداً أو حصول انتكاسة لاحقاً بسبب التجيير الخاطئ لمؤسسات الدولة طائفياً أو جهوياً أو سياسياً.

تحتاج دول الخليج إلى حديقة خلفية أمنةٌ ومستقرة إذا لم نقول حليفاً قوياً ووفياً. ويحتاج اليمنيون إلى دولةِ قانون تُرعى مصالحهم وتوفر لهم الأمن والرفاه.
الشعب الذي يتحاور لعام كامل فيما أطراف تعمل على إفشال أطراف أخرى وهو صامت ومنتظر نافذة أمل للتحول إلى دولة القانون لا يهمه في الواقع من يجلس على كرسي الوزارة بقدر ما يهمه ما يقدمه هذا الجالس من خدمة للشعب وتطبيقاً للعدالة. ودول الخليج قطعت شوطاً كبيرا ولها تجارب ناجحة وفيها كفاءات رائعة في جانب مكافحة الفساد ومأسسة الدولة وتنمية أنظمتها.

في الواقع أيضا ان الشعب إلى حد كبير قد تربى على الفساد وقد أصبح لديه كعادة يمارسها دون وازع في كل المجالات ولو عَملِت استطلاعات رأي حول موضوع كهذا لوجدنا غالبية تؤيد فكرة الكفاءة المحايدة وأياً كان من سيتم اختياره من أبناء البلد خلال الفترة الانتقالية سيتم تصنيفه مهما كان حيادياً.

حين تصبح الدولة قادرة على حماية نفسها كمؤسسات تحتكم بالقانون والقانون فقط بعدها يتم العودة لتشارك القوى السياسية في إدارة هذه المؤسسات وستصبح المنافسة في تقديم أفضل ما يمكن لخدمة الشعب والخوف من الوقوع في شباك دوائر الرقابة هي هم كل مسؤول بل ستتحول الأحزاب نفسها إلى مؤسسات رقابية على ممثليها في الحكومة ودوائرها خوفاً من السمعة السيئة وفقدان الشعبية ووصمها بالفساد.

وهذا هو جل ما نسعى إليه وجل ما يريده كل مواطن يمني. وهو بناء دولة يتنافس فيها الموظفين على خدمة المواطن لا أن يتنافسوا على سرقته والتلاعب به.