الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١٥ صباحاً

ثالوث الموت في اليمن

نُهى البدوي
السبت ، ١٠ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠١:٠٥ صباحاً
إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن "داعش" في بيان منسوبله، تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعربية المسؤولية عن التفجيرات التي ضربت مقر الحكومة اليمنية ومعسكرات التحالف في مدينة عدن الجنوبية على البحر العربي، صباح الثلاثاء 6 أكتوبر الجاري والتي اسفرت عن مقتل أكثر من 15جندي من دولة الإمارات والسعودية واليمن، إلى جانب حالة الرضاء التي أبدتها شخصيات سياسية محسوبة على جماعة أنصار الله لتنفيذ هذه العمليات الإرهابية في عدن، هاذين الموقفين أظهرا (داعش، و"جماعة أنصار الله وصالح" ) في نظر كثير من اليمنيين كطرفان مسؤلان عن تنفيذ تلك العمليات، وذلك بالنظر للتسابق في تناول خبر العمليات الإنتحارية في وسائلهما الإعلامية وتجييره كإنتصار لهما، وكذا تصريحات صحفية لقيادات مقربة من صالح طالبت الأشقاء من دولة الإمارات بمغادرة اليمن، هذا التزاوج في المواقف يضع اليمنيين أمام تحدي أمني كبير، أخطر من التحديات الأمنية القائمة، تكمن خطورته في استهدافه للإنسان اليمني باستهدافة الدولة، ولامتلاك "تنظيم الدولة الإسلامية" داعش القوة، والقدرة على ضرب الدولة في عقر دارها، ليثير ظهوره بهذه القوة مخاوف اليمنيين كبديل موجود على الأرض في ظل المستجدات السياسية والأمنية البالغة التعقيد التي تمر بها المنطقة، وتأثير التدخل العسكري الروسي على الوضع في اليمن ودول الجوار.

إذا نظرنا لإماكن وتوقيت هذه العمليات الانتحارية وكيفية تنفيذها،سنجد أنها تؤكد قوة الحضور لتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن وسيطرته على الأرض، وقدرته على العمل بمستوى قد يتوازي مع قدرات القوى الأخرى الموجودة على الأرض، من حيث التخطيط والتنفيذ وتفصح أيضاً أنها تحمل رسائل متعددة، بعضها واضحة المعنى أراد التنظيم توجيهها إلى الحكومة اليمنية وإلى دول التحالف لخلط الأوراق، والبعض الأخر يكشف عن تزامن تنفيذها مع تقديم عبدالملك الحوثي وصالح التزاماتهما الخطية بالقرار الأممي (2216) الأمر الذي يكشف عن هدف أنتقال تنظيم"داعش" في اليمن، من مستوى السيطرة البشرية على الأرض إلى إلظهور بالصورة المكتملة تنظيماً، وإدارة، وتخطيطا، ككيان قادر على فرض أجندته بالقوة، وتقديم نفسه كبديل لهما موجود على الأرض في ظل الفراغ الأمني والعجز الاداري الذي خلفته الحرب في اليمن، ويفضح إن ظهوره بهذه القوة هو امتداد لسيناريو الإرهاب الذي يقوده صالح منذُ عقود وتحالفاته بالثالوث الإرهابي "داعش ، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ، وأنصار الشريعة الإسلامية" لليتحكم بالقوة المسيطرة على الأرض حتى وان كان خارج السلطة.

قد يتسأل القارئ عن الظهور المفاجئ لتنظيم الدولة الإسلامية بهذه القوة، لكن حين نعود بذاكرتنا إلى الخلف سيتبّين إن معظم العمليات الإرهابية السابقة التي نفذها "تنظيم الدولة الاسلامية" في اليمن كانت تحمل أهدافاً مختلفة كمحطات تمهيدية لبنائه، ليفاجئ المراقبين بهذا التحول والظهور بهذه القوة، وبالذات عندما نتذكر العمليات التي أستهدفت تفجير المساجد التابعة لجماعة الحوثي في صنعاء، بإبعادها المذهبية والدينية لبلورة وصياغة طرق داعمة للحشد الشعبي، لمساندة جماعة أنصار اللة وصالح في الحرب، وبالطبع سبقتها عمليات مماثلة له لبث روح "التوحش" بين عناصره والتأثير النفسي على المواطن بقتل الجنود في شبوة، وتصوير الرهبة للتنظيم لإرهاب المجتمع، بالإضافة إلى تسلسلها الزمني، وتراتيب أهدافها والنتائج العكسية المراد تحقيقها للتأثيرها على المجتمع، مروراً بإستثمار بعض الوقائع في الحرب، كإستغلال حماسة وسذاجة الشباب، والتحول السلوكي الخطر الذي ظهر عند الكثيرين منهم والدفع بهم للالتحاق بالتنظيم، الذي أستفاد كثيراً من الحرب في المحافظات الجنوبية لفرض حضوره الإعلامي على مشهد الحرب، بتوظيفه المنفرد بعض وقائع الهزائم التي الحقتها المقاومة بجماعة الحوثي وصالح، والاستغلال الإعلامي لجثث قتلاهم لعرضها على العامة على متن سيارات جابت شوارع بعض مدن الجنوب رافعة رآية التنظيم بحسب مقاطع الفيديو التي تداولتها وسائل الإعلام في يونيو وأغسطس الماضي دون رضاء أو دراية المقاومة الحقيقية، لتضعنا تلك الأحداث المتتالية أمام مراحل بناء مر بها هذا التنظيم الإرهابي في اليمن ، والذي يضع اليمنيين بظهوره المكتمل، وبهذه القوة أمام خيار وحيد هو محاربته وتنظيف المجتمع من وجوده إينما وجد، وبمختلف صوره التي توغل عبرها في حياة أفراده.

لا يمكن عزل مراحل هذا التحول الدراماتيكي لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" في اليمن وانتقاله إلى هذا المستوى الذي أظهره بتبنيه العمليات الأنتحارية في عدن، عن الأحداث والمستجدات الدولية التي تعصف بدول المنطقة والشرق الأوسط منذُ إعلانه في 24 أبريل الماضي عن تأسيس خلافه له في اليمن ، في مقطع فيديو مدته 9 دقائق بثته وسائل الإعلام، بعد شهر من تفجر الحرب فيه، والخطوات المماثلة لإنتقالة من مرحلة إلى أخرى، والمتوازية مع خطوات ومراحل المد الفارسي في المنطقة عبر وكلاء إيران في اليمن، وليواكب إكتمال ظهوره كقوة مسيطرة على الأرض في اليمن قادر على تنفيذ عمليات إرهابية ضد الحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي في عدن، خطوة التدخل الروسي في سوريا التي جاءت كذريعة لمحاربته "داعش" في سوريا، وهي في الأصل غطاء وأضح لإنقاذ بشار الأسد، وشل قدرات المعارضة السورية، وما يؤكد هذه الترابط الزيارات المشبوهة التي قامت بها شخصيات سياسية محسوبة على جماعة أنصار الله إلى سوريا للاجتماع بالأسد في نفس توقيت الظهور.

لا زال أبناء اليمن الذي وصفه المؤرخون في ستينات القرن الماضي ببلد يحاصره ثالوث الفقر والجهل والمرض، يرثون عن آبائهم مواجهة تلك الأخطار المتجددة في الوقت الراهن في صورة أكثر عنف وخطورة على الإنسان اليمني من سابقاتها والتي للأسف يصنعها أبناء جلدتهم أو يرسخون تواجدها، والعمل بها كوكلاء لصانعيها في بلدهم، لهدف إبقائهم في السلطة والتحكم في مصير اليمنيين البسطاء، وكما ناضل اليمنيون للتغلب على ثالوث المرض والجهل والفقر وأنتصروا، فأن عليهم في هذه المرحلة مواجهة هذا الثالوث الإرهابي الجديد (داعش تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وأنصار الشريعةالإسلامية) الذي أصبح يضرب كل حياتهم، ويتربص لمستقبل أبنائهم، ويعيق سعيهم للتخلص من مخلفات الأنظمة الدكتاتورية، التي تُصر على إن يخلفها هذا الثالوث المميت للأرض والإنسان اليمني، لإبقاء تأثيرها قائم على الوضع، والتحكم به بصورة غير مباشرة عبر أدواتها الإرهابية التي تفتك بحياة اليمنيين، وعلينا جميعاً العمل بإخلاص لنتغلب وننتصر بإرادتنا على هذا الثالوث الإرهابي "المعاصر"، كما أنتصر آبائنا واجدادنا على الثالوث القديم، وعلينا عدم التفريط بدور الأشقاء والحلفاء والعمل معهم جنباً إلى جنب والوقوف في وجه التطرف القادم من موسكو وإيران.