الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٧ مساءً

تحت رحمة القناصة!

أنيس البارق
الثلاثاء ، ١٣ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٢٦ صباحاً
عصراً قبل ساعة من مغيب الشمس.. وساعتين من بدء حظر التجول الذي أعلنته لجان المقاومة الشعبية الجنوبية في مدينة عدن.. أنا وصديقي واقفان في شارع البنوك بمدينة كريتر، واكتشفنا بعد دقائق من الانتظار، أن الشارع خالٍ تماماً ولا وجود لأي وسيلة نقل عامة أو خاصة، وأن هذا يعود لخشية الجميع من استهدافهم بأعمال القنص الانتقامية، وكانت آليات عسكرية لجنود صالح ومليشيات الحوثي قد تعرضت للاستهداف من عناصر المقاومة الشعبية الجنوبية بعد أن توغلت عشية ذلك اليوم، ثم اكتشفنا أننا نقف أسفل كنيسة سانت ماري الخالية والتي اتخذها قناصة نظام الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح وكراً لهم في كل موجات الاحتجاج خلال السنوات الماضية.

بدأت مع صديقي في تخيل حوار افتراضي بين قناصين اثنين يتراهنان على قنصنا، قلت له إن الرهان ربما يكون "حزمة قات"، لكنه كان متشائماً وأيضاً متعاطياً للقات بشراهة، فقال إنني رفعت من قيمتنا كثيراً عند اثنين لا يجدان شربة ماء، ونزل أحد القناصة بالفعل بعد ذلك بساعات بحثاً عن شربة ماء، وقبض عليه فتية وشبان في الحارات القريبة، وانتشر كالنار في الهشيم شريط فيديو يظهر فيه جندي يتحدث بلهجة شمالية بينما يجرجره مجموعة من الفتية وهو يحاول جاهداً أن يبرئ نفسه، ولم يقطع حبل تخيلاتنا سوى وقوف حافلة صغيرة أمامنا ومزدحمة بالركاب، وتوجهنا إلى مدينة المعلا.

الطريق بين كريتر والمعلا محفوف برصاصات القناصة الذين اعتلوا المرتفعات والتحصينات الجبلية واخترقت أصوات الرصاص آذاننا ونحن محشورون داخل الحافلة التي بدت وكأنها الكائن الوحيد الذي ينبض بالحياة في صحراء قاحلة، وعلمت من صديق يسكن في مرماهم، أن أحد القناصة الذين اعتلوا إحدى القلاع الأثرية في البلدة القديمة، كان يردد أثناء إحكامه الخناق على تحركات السكان هتاف الصرخة الذي اشتهرت به جماعة الحوثي، وهذا يعود ربما إلى اعتقاد القناص أن هذه الصرخة يمكن أن تؤثر نفسياً في المقاومين وسكان المدينة، بعد أن انهارت محافظات شمالية قبلية خلال الأشهر الماضية أمام هذه الصرخات وفتحت مناطق قبلية كل طرقاتها للمركبات التي تحمل ملصقات عليها شعار الصرخة.

وكان بعض مقاتلي الجماعة، الذين تمكنوا من النفاذ من الضربات الجوية في المدخل الشرقي لمدينة عدن، قد تسللوا إلى البلدة القديمة "كريتر" عبر الخط الساحلي الواصل بين المدينة الجنوبية الساحلية ومحافظة أبين شرقاً، ومن هناك تسللوا إلى جبل حديد الذي يقع في مديرية خورمكسر ويفصل بينها وبين مديريتي كريتر والمعلا، لعلمهم أن من يسيطر على المعسكر الهام في هذا الجبل يضع المديريات الثلاث الأكثر أهمية في مرماه، وهذا ما حدث فعلاً.

ويحتوي الجبل على صراط حجري قديم يمتد من قاع الجبل إلى سفحه، ومن هناك يرتبط بالتحصينات الدفاعية والقلاع الأثرية التي تحيط بمرتفعات البلدة القديمة، شرق شبه جزيرة عدن، وقد استغل مقاتلو الجماعة الذين يتحالفون مع كتائب وألوية موالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، هذه المنظومة الدفاعية لشن هجمات متتالية على المديريات الثلاث، بالقصف العشوائي بقذائف الهاون تارة، وبالقنص المنظم للمقاومين والمدنيين تارة أخرى، وسقط الكثير قنصاً في كريتر تحديداً وفي المعلا وحافون والقلوعة.

* هنا صوتك .. إذاعة هولندا العالمية