الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٦ مساءً

"فوبيا صالح"!

علي البخيتي
الاثنين ، ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٣٩ صباحاً
ما يزال الرئيس السابق صالح فاعلاً رئيساً في الأحداث السياسية على مستوى اليمن، بل والمنطقة، سواء عندما كان في السلطة أو بعد خروجه منها، صالح حاضر بذكائه ودهائه السياسي، نعم، لكنه حاضر أكثر بغباء خصومه.
"فوبيا صالح" مرض أصيب به الكثيرون، وذلك ما يصنع نجوميته، فكل الفاشلين والأغبياء، ابتداءً من الرئيس السابق هادي مروراً بأغلب قادة الأحزاب السياسية والمعارضين لصالح عجزوا عن ملئ الفراغ الذي أحدثه خروجه من السلطة، بعد أن تهيئت لهم كل الظروف لإحداث تغيير حقيقي، عقب إزاحة كل أقرباء صالح والمحسوبين عليه من مواقهم الأمنية والعسكرية حتى على مستوى قادة الألوية والكتائب، ولم يكن لوزراء صالح في الحكومة لا حول ولا قوة وتم استقطاب أهمهم من قبل خصومه وعلى رأسهم وزير الدفاع في حينه محمد ناصر أحمد، وأصبحت أهم مفاصل الحُكم في يد الإخوان وهادي، الرئاسة ورئاسة الوزراء وأهم الوزارات وعلى رأسها المالية والداخلية والدفاع، ومع كل ذلك جعلوا منه شماعة علقوا عليها كل أخطائهم وكوارثهم وضعفهم وعجزهم.

صالح زعيم شعبي على الأقل عند شريحة واسعة من محبيه، تَغلب على خصومه بدهائه، وببساطته كذلك وقربه من الناس وتحدثه بلهجتهم التي يفهموها، وبمعرفته العميقة بالمجتمع اليمني ونمط علاقاته ومراكز النفوذ فيه، ما مكنه من إدارة البلد بكل تناقضاته وصراعاته لـ33 سنة.
التقيت بالأمس 2 أغسطس 2015م بالرئيس السابق، تحدثنا عن المشهد السياسي وتفاعلاته وتعقيداته بالأخص مع دخول عامل جديد وهو العدوان العسكري الذي تقوده السعودية، إضافة الى إمكانية إعادة فتح أبواب السياسة، سواء بين الأطراف السياسية اليمنية، أو بين أنصار الله وصالح من ناحية وبين السعودية من ناحية أخرى، على اعتبار الأطراف الذين في الرياض مجرد دمى بيدها.

لا يزال صالح يملك المبادرة، وله تواصل مع مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، حتى مع بعض السياسيين اليمنيين الذين في الرياض، فالكثير منهم على تواصل معه حتى اللحظة دون علم الرياض، ويبدوا أنهم يفتحون لهم خطوط رجعة.

نَفَس صالح طويل في المواجهة، فلم يعد لديه ما يخسره، كما أنه يشعر بالفخر كثيراً لأن منازله دمرت بغارات العدوان السعودي، مثلها مثل المئات من مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية ومنازل ومصالح مواطنين، قال صالح: كم كنت سأشعر بالعار لو بقت منازلي بدون قصف.
معنوياته مرتفعة، وصحته جيدة، ولديه ثقة عجيبة بالنصر، تذكرني بثقة من يؤمنون بالله ويثقون بنصره لهم، لا يزال يضحك، ويطلق النكات ويسخر من خصومه ويرسم لهم نهاياتهم عبر توقعات أشبه بالقدر الذي سيلاحقهم.
بالتأكيد لصالح سلبيات كثيرة وأخطاء سياسية جسيمة، لا أحد يمكن أن ينكرها، حتى هو بادر للاعتراف ببعضها أثناء أحداث 2011م وما بعدها، لكن خصومه السياسيين وبالأخص من في الرياض ومن أيد العاصفة أظهروا أنهم أعجز وأضعف من أن يملئوا الفراغ الذي أحدثه خروجه من السلطة، وكأن صالح هو من صنعهم وفصلهم لهذه اللحظة على مقاس أقل بكثير من إمكاناته وقدراته، لكي يقول المواطن العادي بعد تجربته لهم: سلام الله على صالح وأيامه، فبينه وبين خصومه الذين في الرياض مسافة كبيرة، فمع كل الدعم الدولي والإقليمي والمحلي الذي حظوا به بعد خروجه من السلطة وتسلمهم لها وتغييرهم لكل المحسوبين عليه في مؤسستي الجيش والأمن فشلوا في الحفاظ على السلطة لبضع سنين فقط، بل وساهموا بشكل أو بآخر في اسقاط الدولة ومؤسساتها بشكل كبير، وبالتالي لم يقتصر فشلهم في عدم قدرتهم على حفظ سلطتهم بل فشلوا في الحفاظ على الدولة ومؤسساتها أيضاً.

فوبيا صالح مرض أصاب الجميع، ابتداء من خصومه السياسيين المحليين، إضافة الى السعودية وبعض دول الخليج، مروراً بالولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وصولاً الى مجلس الأمن والأمم المتحدة ومبعوثها السابق بن عمر، حيث علق الجميع فشلهم في اخراج اليمن من مأزقه على صالح، وأصبح اسم "صالح" هو الإجابة السحرية والنمطية المكررة التي تفسر كل الكوارث والأخطاء التي ارتكبها الجميع، وأعتقد أنه لو توفى الله صالح سيبقى خصومه المحليين يحملونه المسؤولية، لأنهم يعيشون خارج سياق العصر، فهم كذلك من انتاج صالح ونظامه.