الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٣٦ مساءً

الحرب العالمية الأولى والثانية ..ما أشبه الليلة بالبارحة

ياسر عبد المجيد المقطري
الخميس ، ٢٧ اكتوبر ٢٠١٦ الساعة ٠٨:٣١ مساءً
قبل الحرب العالمية الأولى 1914 شهدت منطقة البلقان صراعاً سياسياً وعسكرياً مريراً بين دول الإقليم من جهة وبينها وبين الدولة العثمانية آنذاك من جهة أخرى،وتسبب تلك الصراع باحتقان سياسي بين القوى العالمية الكبرى وتشكيل تحالفات مختلفة لتنتهي الأحداث حينها بنشوب حرب عالمية ذاق مرارتها الجميع،واليوم الصراع السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط يتعاظم يوماً بعد يوم وتتعدد أشكاله ومسمياته من سوريا إلى اليمن إلى العراق والبحرين وليبيا ومصر.

وتتجاذب هذا الصراع الإقليمي القوى العالمية الكبرى والتي دأبت منذ سنوات بسباق تسلح غير معلن،ونشر قواعد عسكرية وتشكيل تحالفات مختلفة الأمر الذي خلف أزمات متعددة وبمناطق مختلفة في العالم ما ينذر بقدوم حرب عالمية ثالثة.

لقد بدا القلق واضحاً في خطابات كثير من زعماء دول العالم أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد في سبتمبر الماضي 2016 بأن الوضع العالمي يشهد تأزيماً وتعقيداً في شتى المناحي السياسية والعسكرية والاقتصادية ،والاجتماعية وأن السلام والأمن العالميين باتا في خطر مع انتشار رقعة الصراعات الدموية في أكثر من منطقة، وتحديداً في الشرق الأوسط.وشرق أوروبا، وشبه الجزيرة الكورية وأفريقيا وتطرق الكثير منهم إلى فشل الأمم المتحدة بالقيام بأدوار إيجابية حيال تلك الصراعات وأبدوا استياءهم من استغلال أعضاء مجلس الأمن الدولي صلاحياتهم للمصالح الشخصية والضيقة لبلدانهم.

فالخلاف الحاد بين أمريكا وحلفائها وروسيا وحلفائها حول كثير من ملفات الصراع المفتوحة وتحديداً في سوريا بدا أكثر وضوحاً مما مضى ونلحظ ذلك من خلال الاتهامات المباشرة أثناء اجتماعات مجلس الأمن الدولي الأخيرة بخصوص سوريا،وفي مختلف المنابر والمحافل الدولية والتي كان آخرها التصويت من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بفتح تحقيق مستقل بشأن جرائم الحرب في حلب،وفي لقاء قادة الإتحاد الأوربي الشهر الماضي بدا التصعيد في تصريحاتهم تجاه روسيا وتحركاتها العسكرية أكثر وضوحاً.

كما شهدت الأسابيع الماضية تطوراً لافتاً فقد أعلنت المعارضة السورية دولتي إيران وروسيا محتلتين للأراضي السورية ودعت جمعية الأمم المتحدة للتدخل ،وهذه الخطوة من قبل المعارضة توحي بخطوات بعدها قد تكون أبرزها تشكيل تحالف دولي تحت غطاء أممي للتدخل العسكري المباشر من قبل الطرف الأمريكي وحلفاؤه في سوريا بغرض حماية المدنيين، وهذا الخيار سيقابل بمثله في اليمن خاصة بعد تشكل مجلس سياسي وحكومة مؤقتة من قبل صالح والحوثي،ومايعزز حدوث ذلك مطالبة الروس في مجلس الأمن قبل أيام بحضر جوي في اليمن مقابل إيقاف القصف في سوريا فالربط بين القضيتين يؤكد حتمية الدخول في الصراع المباشر إذا لم يكن هناك حلول سياسية.

وغير بعيد عن أزمة الشرق الأوسط الأزمة في شبه الجزيرة الكورية –القنبلة الموقوتة -التي تشهد نزاعات وتهديدات متبادلة بين الكوريتين آخرها إجراء كوريا الشمالية في سبتمبر 2016 تجربتها النووية الخامسة والتي وصفت بأنها الأقوى عن سابقاتها.

أما بحر جنوب الصين الذي يعد بمثابة كيس البارود القابل للاشتعال بأي لحظة فيعتبر منطقة الصراع الأخطر حال أمدت إليه ألسنة اللهب المتأججة في الشرق الأوسط فقد أقدمت الصين العام الماضي بمشروع استصلاح أراضي الجزر المتنازع عليه هناك استعداداً لجعلها منطقة عسكرية وهذه الخطوة زادت من حدة الأزمة بين الصين وأمريكا الحليف الاستراتيجي للفلبين التي تدعي أحقيتها في استغلال موارد تلك المنطقة علاوة على جزر مختلفة تتنازع الصين عليها مع كوريا الجنوبية وتايوان واليابان،ويذكر أن هذا المسطح المائي المتنازع عليه يعتبر شرياناً حيوياً للتجارة العالمية إذ يمر عبره قرابة نصف السفن التجارية في العالم وتقدر قيمة البضائع التي تقلها تلك السفن بأكثر من خمسة ترليونات دولار في السنة.

وقبل عامين تقريباً اشتعل الصراع في القارة العجوز بين الروس والأوربيين والأمريكان في أوكرانيا ومازال إلى اليوم بين شد وجذب تلك الأطراف،وهي منطقة الصدام الساخنة والحساسة.

أما من الناحية العسكرية فقد فعَل حلف الناتو منظومة الدفاع الصاروخي الأوربي في رومانيا مع مطلع العام الجاري بهدف ردع التهديد النووي الإيراني ودول محور الشر كما سموها ولاقى ذلك امتعاض روسي وصيني كبيرين تجلى ذلك من خلال تصريح ناري حينها لميدفيديف رئيس الوزراء الروسي بقوله إن أي اعتداء على دول ذات سيادة- مشيراً إلى سوريا وإيران وكوريا الشمالية – سيؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة ولا يستبعد فيها استخدام السلاح النووي،وعملياً تحرك الروس في سوريا وتدخلوا بشكل مباشر في المعركة بل تعدى الأمر إلى تركيب منظومة صواريخ–أس 300 في القاعدة الروسية البحرية في طرطوس السورية قبل أسابيع قليلة كرد على خطوة الناتو في قاعدة رومانيا.

كما شهدت الفترة الماضية حركة دءوبة للقطع البحرية وحاملات الطائرات لجميع الأطراف في المياه الإقليمية للمنطقة وتحت مبررات مختلفة في محاولة لإعادة التموضع استعداداً لما هو قادم،وقبل شهور تصدر المشهد العسكري مناورات بحرية وبرية لمختلف الأطراف كان آخرها المناورة البحرية التي قامت بها القوات السعودية تحت اسم درع الخليج -1 في مضيق هرمز والخليج العربي وبحر عمان والتي قوبلت بتهديد إيراني من خلال بيان الحرس الثوري الذي وصف المناورة بأنها استفزازية وتثير التوتر وزعزعة الأمن في الخليج وأن الرد سيكون سيد الموقف في حال تعدت المناورات المياه الإقليمية الإيرانية وتزامنت مع استهداف الباخرة الإماراتية من قبل قوات الحوثي صالح المدعومة من إيران،ثم تلا ذلك استهداف البارجة الأمريكية أيضاً في البحر الأحمر ورد الأمريكان بقصف مواقع رادارات قرابة السواحل اليمنية.

وما يجعلنا نذهب أكثر نحو فكرة الحرب الشاملة هو أن حرب الوكالات والتحالفات الثلاثة في سوريا والعراق واليمن وصلت إلى طريق مسدود فلم تحسم تلك الحرب ولن تحسم أيضاً الصراع الدائر ما سيضطر البعض إلى استخدام أسلحة نوعية وعندها ستتغير موازين القوى،ومعها ستتحول مجريات المعركة وستخرج الأحداث عن السيطرة ليبدأ الاقتتال المباشر.

لكن يبقى أهم المؤشرات وراء كل تلك الأحداث (الاقتصاد )فقد سبق الحرب العالمية الثانية 1938 أزمة مالية واقتصادية خانقة أو ماسمي بالكساد الكبير في عام 1929 فكانت أسباب ومظاهر تلك الأزمة متشابهة إلى حد كبير مع أسباب ومظاهر الأزمة المالية العالمية التي حدث في العام 2008 فقد كان الرخاء في الاقتصاد الأمريكي وازدياد المضاربات باسهم الشركات بشكل غير حقيقي لقيمة السهم الواحد هو السبب وراء حدوث انهيار مفاجئ لقيمة الأسهم في بورصة وول ستريت في نيويورك ومنها تأثرت كل الأسواق المالية والعالمية فتلقى الاقتصاد العالمي حينها ضربة موجعة وخسائر فادحة وتراجعت التجارة العالمية بأكثر من 50% غير أن نتائج تلك الأزمة وتداعياتها وجهود الإصلاح في مختلف البلدان انعكست على الأجندة السياسية للدول المتأثرة فضاعفت الاحتقانات السياسية والعسكرية التي كانت قائمة أصلاً من بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ،فاندلعت الحرب العالمية الثانية.

فنتائج الأزمة المالية العالمية 2008 وتداعيات الحلول الاقتصادية لها والصراع على الثروة وحرب النفط والعملات وتجميد الأرصدة ومصادرة الأموال تحت ذريعة الإرهاب واضطرابات الأسواق المالية ،والهيمنة على خطوط الملاحة العالمية، وتراجع معدلات الدخل وزيادة نسب البطالة،مع انكماش أداء الأسواق،وتباطؤ معدلات النمو ،هي ما ستعجل بنشوب حرب عالمية ثالثة،فما أشبه الليلة بالبارحة!!