الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٧ صباحاً

الحركة الحوثية!! مصادر القوة وحدودها

عبدالناصر المودع
الأحد ، ٣١ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ١١:٥٦ صباحاً
حين اندلعت المواجهات المسلحة بين الجيش اليمني والحوثيين في عام 2004 لم يكن أحد يتوقع حينها بأن هذه الحركة ذات الخطاب القروسطي ستصبح بعد عشر سنوات أحد اللاعبين الأساسيين في المشهد السياسي اليمني. ففي الأسبوع الماضي قامت الحركة بنشر مسلحيها ونصبت خيامها على مداخل العاصمة اليمنية، فيما يشبه تطويق العاصمة وحصارها الرمزي، الذي قد يتحول إلى حصار فعلي في حال قررت الحركة ذلك. وترافق ذلك الحصار مع إعلان الحركة عن تدشينها لإحتجاجات «مزعجة» كما أسمتها، لتحقيق عدد من المطالب يأتي على رأسها إقالة الحكومة الحالية (حكومة الوفاق الوطني الناتجة عن المبادرة الخليجية التي تم بموجبها استقالة الرئيس السابق صالح) وتراجع الحكومة عن قرارها القاضي برفع الدعم عن أسعار المشتقات البترولية، والذي اتخذته نهاية الشهر الماضي خلال إجازة عيد الفطر، إضافة إلى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.

وتنفيذا لبرنامج الاحتجاجات التي قال زعيم الحركة عبدالملك الحوثي بأنه سيتم تصعيده وفق خطة مدروسة، قامت الحركة بتسيير مظاهرات وسط العاصمة، اتبعتها بنصب خيام وإقامة إعتصامات في مراكز حيوية من العاصمة ( طريق المطار، جوار ثلاث وزارات الداخلية، والاتصالات، والكهرباء).

في مقابل ذلك؛ أعلنت السلطات رفضها لخطوات الحركة الحوثية ورفعت درجة الاستعدادات العسكرية والأمنية في العاصمة ومحيطها، إلا أنها بادرت بإرسال وفد رئاسي عالي المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء، وممثلين عن أكبر الأحزاب السياسية إلى زعيم الحركة الحوثية المقيم في محافظة صعدة للتفاوض معه، والتوصل لحل للأزمة. وقد ذهب هذا الوفد بمبادرة تضمنت تحقيق اثنين من مطالب الحركة الحوثية – إقالة الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار – أما المطلب الثالث فقد تم اقتراح تشكيل لجنة اقتصادية من الخبراء والحوثيين لبحث مقترحات وحلول له.

ورغم أن مبادرة السلطات قد نظر لها البعض وكأنها نصر للحوثيين؛ إلا أن الحوثيين رفضوا عرض الحكومة وأصروا على تنفيذ المطالب الثلاثة بشكل كامل، الأمر الذي أدى إلى فشل المفاوضات وعودة الوفد الرئاسي دون التوصل إلى أي حل. وعلى أثر ذلك؛ أرتفع منسوب التوتر في العاصمة صنعاء خشية الانزلاق إلى صدامات عسكرية.

في خضم هذا الصراع بين الدولة والحركة الحوثية؛ لا يتم التطرق إلى جوهر المشكلة والمتعلقة بطبيعة الحركة وشرعية قيامها بمحاصرة العاصمة والاحتشاد داخلها وتهديد المراكز السيادية فيها. فالحركة لا تحمل إي صفة واضحة، ويتهرب مسؤولوها وأنصارها من الإجابة عن السؤال المتعلق بماهيتها. فهي ليست بحزب سياسي، ولا جمعية خيرية، أو مؤسسة دعوية، كما أنها لا تشكل قيادة تقليدية لفئة اجتماعية أو مذهب ديني. والتعريف الإجرائي لها من قبل خصومها، يشير إلى أنها حركة مسلحة ذات منطلقات مذهبية معينة، تبسط سيطرتها الشمولية بقوة السلاح، وتنازع الدولة في سيادتها وتسيطر على أجزاء مهمة من الأراضي اليمنية.

ولكون الحركة بالصفات التي ذكرنا؛ فإنها لا تحمل أي أساس شرعي أو قانوني يشرع وجودها؛ الأمر الذي يجعل من تعامل السلطات معها على ذلك النحو مثار دهشة ومناقض للأسس التي تقوم عليها الدول. فأي دولة طبيعية لا يمكنها أن تقبل بالتفاوض مع حركة مسلحة حاربتها ومازالت في أكثر من منطقة، وقامت بالسيطرة الفعلية على أكثر من محافظتين، وأصبحت على مرمى حجر من السيطرة على العاصمة.

وقبل الدخول في بحث أسباب صعود الحركة الحوثية ومصادر قوتها ينبغي التوقف قليلا للتعرف على ماهيتها بعيون المراقب الخارجي. وأول ما يثير الانتباه في هذا الشأن كثرة الصفات والوجوه التي تحملها، وهو ما يجعلها تحمل الكثير من الصفات. فالحركة في تجلياتها الفكرية، والتي يمكن التعرف عليها من خلال من يسمى بملازم حسين بدر الدين الحوثي – مؤسس الحركة – تبدو احيائية للمذهب الزيدي بصيغته التقليدية مع بعض التأثيرات القادمة من المذهب الأثني عشري بحكم العلاقات التي نسجتها مع إيران والقوى الشيعية الأخرى. وأهم قضية مركزية في الجانب الفكري لها يتعلق بقضية الإمامة وشروطها التي تحصرها في «البطنيين» (ذرية الحسن والحسين).

وفي الجانب السياسي العام تبدو الحركة بصفتها الوجه الشيعي لحركات الإسلام السياسي، والتي تهدف إلى إقامة دولة بمرجعية دينية.
وعلى مستوى السلوك السياسي الفعلي تتخذ الحركة عدة مظاهر تبعا للمكان والزمان، ففي المناطق التي تسيطر عليها بشكل فعلي (محافظتي صعدة وعمران) تقدم نفسها بصفتها حركة شمولية كاملة الأركان، حيث تمارس السلطة باحتكار كامل وترفض التعدد السياسي، وتمارس القمع ضد مخالفيها، وإن لم يصل – حتى الآن على الأقل – حد إبادة الخصوم وإلغاء وجودهم، كما تعمل الحركات الشمولية، والذي يمكن تفسيره بأنها لم تستفرد بالسلطة، ولم تعلن بشكل رسمي سيطرتها على المناطق التي تخضع لها، فحتى الآن فإن هذه المناطق لا تزال من الناحية النظرية تتبع الحكومة المركزية، والتي تتولى تمويل مؤسسات الدولة داخلها، فيما تستحوذ الحركة على معظم مصادر دخل وموارد هذه المناطق. ومع ذلك؛ فإن التوجه العام في هذه المناطق يشير إلى أنها حركة شمولية، ويتجلى أحد مظاهر شموليتها في هذه المناطق من خلال فرضها لواقع ثقافي/اجتماعي يحمل في طياته نزعة شمولية بلمسات طالبانية – نسبة لحركة طالبان الأفغانية – حيث تمنع الغناء، وتضع قيودا صارمة على السلوك الشخصي للأفراد وتحديدا النساء، بهدف السيطرة على الفضاء الثقافي وتوجيهه الوجهة التي تخدم توجهاتها ومصالحها.

في مقابل ذلك الوجه الشمولي الصارم القروسطي الذي تمارسه في مناطق نفوذها؛ يتخذ أعضاء الحركة المعنيين بالتواصل مع القوى السياسية الأخرى والسلطات اليمنية، والقوى الأجنبية تحديدا، مظهرا مختلفا تماما عن تلك الصفات، حيث يُبدي هؤلاء قدرا عاليا من الانفتاح السياسي والقبول بالتعددية السياسية والمذهبية، وتحفل خطاباتهم بترديد شعارات مطالبة بتأسيس دولة مدنية حديثة، وغيرها من مفردات الحداثة والديمقراطية. ولا يقتصر هذا الأمر على الجانب النظري فقط ولكنه يتعداه للسلوك العملي، والرمزي تحديدا، فحين أعلنت عن ممثليها في مؤتمر الحوار، تعمدت الحركة أن يكون هؤلاء من خلفيات سياسية ومذهبية وجغرافية متنوعة، فقد شمل ممثليها في هذا المؤتمر أشخاص من خلفيات يسارية وليبرالية ومن مناطق سنية.

وخلال حركة الاحتجاجات الحالية حرصت على إبعاد الطابع المناطقي والمذهبي عن حركة الاحتجاجات، وكانت الصورة الرمزية التي حرص الحوثيون على إبرازها؛ صورة خطيب وإمام الصلاة التي أقاموها في أول صلاة جمعة احتجاجية في صنعاء، حيث تعمد الحوثيون أن يكون ذلك الخطيب مفتي محافظة تعز – المعقل الرئيسي لسنة اليمن – وقد اختزلت هذه الرمزية في صورة الإمام وهو يضم يديه في الصلاة – الطريقة السنية في الصلاة – فيما كان جميع من يقف في الصف الأول خلفه؛ مسربلين أيديهم – الطريقة الشيعية في الصلاة – وقد أرادوا من خلال هذه الصورة التسويق لأنفسهم بأنهم حركة منفتحة على المذاهب الأخرى.

وبالإضافة إلى ذلك؛ يدعي الحوثيون بأن معاركهم التي يخوضونها ليست إلا دفاعا عن النفس، وأنها لا تستهدف إلا تيارا سياسيا واحدا والذي تصفه الحركة بتيار التكفيريين – من يعتبر الحركة الشيعية كفارا – ورغم أن من تقاتل مع الحركة خلال حروبها المتعددة كانوا خليطا من القوات النظامية، وبعض رجال القبائل غير العقائديين، والقوى السلفية، وأعضاء من حزب الإصلاح؛ إلا أنها تصر على أن تضع كل هؤلاء في خانة الجماعات التكفيرية، لتمنح نفسها شرعية ممارستها العنيفة.

عوامل صعود وقوة الحركة الحوثية:
في بداية الصراع الذي احتدم فيما يسمى بالحرب الأولى عام 2004 كان الرئيس صالح مصمم على تحجيم الحركة أو القضاء عليها. وكان الدافع في ذلك شعوره بخطورة الحركة على نظامه كونها تحمل مشروعا سياسيا يستلهم مرجعيته من الدولة الزيدية التي حكمت أجزاء من اليمن خلال الألف سنة الماضية. ووفقا لذلك؛ تمكن صالح بعد معارك – أصعب مما كان مخططا لها – من قتل زعيم الحركة ومؤسسها حسين بدر الدين الحوثي، وسيطرة القوات الحكومية على جميع المناطق التي كانت تحت سيطرته. ومع اندلاع الحروب اللاحقة (الثانية ….. حتى السادسة) أتخذ الصراع بين صالح والحوثيين منحى جديدا حين تم توظيفه لمآرب خاصة بتقوية نظام صالح وتثبيت أركانه. وفي هذا الشأن؛ تم استخدام الحروب مع الحوثي كأداة لإضعاف نفوذ اللواء علي محسن، والذي كان يعد الرجل الثاني في نظام صالح حتى صعود نجم نجل الرئيس صالح، الذي كان يهيئه لخلافته، وهي الخلافة التي كانت ستتم على حساب سلطة اللواء علي محسن ونفوذه. ولكون الحرب مع الحوثيين تتم في المناطق الخاضعة للإشراف المباشر للواء محسن فقد حاول صالح تحريك القوات العسكرية التابعة لمحسن والمتمركزة في العاصمة ومحيطها، وإبعادها باتجاه محافظة صعدة وجوارها، وإحلال قوات الحرس الجمهوري التابعة لنجل صالح مكانها، وهو ما كان سيجعل العاصمة ومحيطها تحت السيطرة العسكرية المباشرة لصالح وأسرته الصغيرة. ولإدراك اللواء محسن لمرامي صالح فإنه لم يشرك إلا جزءا بسيطا من قواته المتمركزة في صنعاء ومحيطها، وهو ما ساهم في فشل القوات التابعة له من حسم الصراع مع الحوثيين في تلك الحروب.

يضاف إلى ذلك؛ أن صالح، ونجله تحديدا، لم يكونا راغبين في تمكين اللواء محسن من هزيمة الحوثيين، والذي كان سيُجير لصالح اللواء محسن ويعزز من نفوذه، وفي نفس الوقت يبقي قوات محسن على حالها وفي مناطقها. وقد استفاد الحوثيون من هذا الصراع والتنافس، وتفادوا الهزيمة العسكرية وعززوا من وجودهم خلال تلك الحروب واكتسبوا خبرات قتالية.

إلى جانب ذلك؛ أستثمر الرئيس صالح الحركة الحوثية لتعزيز مكانته لدى دول الجوار، حين أصبح صراعه معهم جانبا من الصراع الإيراني السعودي/الخليجي في المنطقة، فبفضل الحركة أصبح لصالح دور يؤديه لهذه الدول، بعد أن انتهى دوره السابق المتمثل في مواجهة الشيوعيين الذين كانوا يحكمون اليمن الجنوبي قبل الوحدة. ومن أجل استمرار قيامه بهذا الدور فإنه لم يكن يريد القضاء نهائيا على الحركة الحوثية، حيث أصبح بقائها يخدم الرئيس صالح، حيث يمنحه الدور، ويوفر له الموارد والدعم السعودي/الخليجي خاصة في المجالات العسكرية والأمنية. وكل ذلك السلوك من صالح؛ أدى إلى تعزيز قوة الحركة الحوثية ونموها حتى انتهاء حكمه.

وحين اندلعت الانتفاضة ضد الرئيس صالح استثمر الحوثيون ذلك الوضع بالانضمام للقوى المنتفضة عليه، والذين رحبوا بانضمام الحوثيين إلى خندقهم، رغم خلافهم الإيديولوجي وحروبهم السابقة معهم. وقد عزز الحوثيون من مواقعهم العسكرية والسياسية خلال تلك الانتفاضة، بالاتفاق الفعلي أو الضمني مع خصوم صالح. وما أن استقال الرئيس صالح حتى كان الحوثيون قد أحكموا سيطرتهم العسكرية والسياسية على كل محافظة صعدة (باستثناء جيب صغير في منطقة دماج كان تحت سيطرة قوة سلفية) وبعض المناطق من محافظتي عمران والجوف.

وفي المرحلة الانتقالية التي أعقبت حكم صالح تمدد الحوثيون سياسيا وفكريا إلى مناطق جديدة، وقد أتى هذا التمدد على خلفية ظروف هذه المرحلة، وتغير المناخ السياسي، وضعف وتشتت خصومهم، وحسن استثمارهم لهذا الوضع، وتوفر الكثير من مصادر القوة الذاتية للحركة، وفي ما يلي شرح موجز لكل ما ذكر:

استغلت الحركة الحوثية الضعف العام للدولة اليمنية وانقسام مؤسساتها خلال الانتفاضة وبعدها لتوسيع وجودها السياسي والعسكري، خاصة وأنها أصبحت تمارس نشاطها العلني في جميع مناطق الدولة، بعد أن توقفت الدولة عن استهدافها وحضر نشاطها.

بما أن الحركة هي امتداد للحكم الزيدي الذي حكم أجزاء من اليمن خلال الألف سنة الماضية؛ فإنها تستلهم تراث وخبرة الحكم الزيدي، وفي هذا المجال نشاهد الحركة تُـعيد استخدام أسلوب الأئمة في الحكم خاصة في المناطق القبلية، عبر استخدام الصراعات القبلية وتغذيتها، وتوظيفها لمصلحتها. وقد كان واضحا هذا الأسلوب خلال سيطرتها على مناطق قبائل حاشد وبكيل، والذي حققت النصر فيها من خلال اللعب على وتر التنافس بين القبائل وفيما بين الأسر المتنافسة على الزعامة.

حتى الوقت الحالي؛ فإن تمدد الحركة قد تم داخل المناطق التي تقع ضمن المجال الحيوي للأئمة الزيديين، وهو ما يعني بأنها نجحت في التمدد داخل حواضنها الاجتماعية/التاريخية. ومن المتوقع أن الحركة لن تتمدد بنفس السهولة في المناطق التي تقع خارج هذا المجال. ويؤكد الصراع الدائر حاليا في محافظة الجوف ذلك؛ حيث أن الحركة لم تتمكن من التمدد داخل هذه المحافظة، كونها تقع خارج مجالها الحيوي، فمعظم سكان المحافظة هم من أتباع المذهب السني.

بعد انهيار نظام الرئيس صالح أصبحت الحركة هي الطرف السياسي الوحيد تقريبا الذي يمتلك قيادة مركزية، وتنظيما شموليا صارما؛ فيما القوى السياسية الأخرى إما أنها منقسمة وفي حالة تراجع وانحسار مثل حزب المؤتمر الشعبي (الحزب الحاكم السابق) أو أنها محكومة بقيادة جماعية بطيئة الحركة تفتقد لروح المبادرة كحالة حزب الإصلاح، أو أنها ظاهرة صوتية مثل الحراك الجنوبي الذي يفتقد للقيادة وللجسم التنظيمي. ونتيجة لذلك كانت الحركة الحوثية هي الطرف الأكثر حيوية ومبادرة خلال المرحلة الانتقالية مما مكنها من تحقيق انتصارات ملحوظة.

رغم أن الحركة الحوثية قد نبعت من أكثر مناطق اليمن جهلا وتخلفا؛ إلا أنها تحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من قبل جزء كبير من فئة الهاشميين، والتي تمتلك نفوذا واسعا في جميع مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية، وتحديدا داخل الأحزاب السياسية. ورغم أن ليس كل الهاشميين يؤيدون الحركة؛ إلا الانطباع العام هنا يشير إلى أن جزءا كبيرا من هؤلاء يساندون الحركة بشكل أو آخر. ونتيجة لذلك؛ نجد أن الحركة تمتلك حلفاء مهمين في جميع مناطق اليمن سهلوا لها تمددها، وانتصاراتها.

بموجب المبادرة الخليجية التي تم من خلالها نقل السلطة في اليمن، تضمنت بندا نص على إجراء الحوار الوطني وحل مشكلة صعدة، ووفقا لذلك تم قبول الحركة كطرف سياسي، ومنحها حصة معتبرة ضمن أعضاء مؤتمر الحوار. وقد أدى ذلك إلى إسباغ الشرعية على الحركة رغم أنها لا تمتلك أي صفة شرعية ولم تتخل عن سلاحها أو استخدامه. وقد وظفت هذا التطور باتجاه توسيع أنشطتها وتمددها على الأرض.

أسفر الصراع على السلطة في 2011 عن تفكيك الطبقة السياسية التي كانت تحكم اليمن حينها، ودخولها في صراع وجودي فيما بينها، وقد وفر هذا الصراع الفرصة للحركة بأن تتمدد وتسدد ضربات قوية لبعض أطراف هذه الطبقة، وبالتحديد حزب الإصلاح وحلفائه القبليين والعسكريين. وقد تم لها بالتحالف الضمني وربما الفعلي مع فريق الرئيس السابق صالح، والذي يُـتهم من قبل خصومه بأنه قد أمد الحركة الحوثية بالكثير من الدعم المادي والإعلامي والسياسي بهدف ضرب خصمهم المشترك (الإصلاح وحلفائه).

أدت المرحلة الانتقالية إلى تغيير الخارطة السياسية وتبدل التحالفات التي كانت سائدة قبلها، فتحالف المعارضة للرئيس صالح والذي يعرف باللقاء المشترك تصدع فعليا عقب خروج صالح وتقلص نفوذه، فيما برز الرئيس هادي كقوة جديدة لم تكن موجودة من قبل. وقد استغلت الحركة هذا المناخ لتصبح أكثر المستفيدين منه، وقد تم لها ذلك حين وجدت أن الكثير من الأطراف أصبحت متخندقة معها ضد البعض الآخر. فعلى سبيل المثال؛ بدا وكأن هناك تحالفا يتشكل حول فكرة رئيسية وأجندة غير معلنة لأطراف كثيرة؛ مضمونها تفكيك وإضعاف الطبقة التي كانت تحكم اليمن حتى 2011، فهذه الفكرة يلتقي حولها الرئيس هادي وفريقه والحزب الاشتراكي والناصري، وبعض القوى المنتمية للتيار الليبرالي، فهؤلاء ولأهداف مختلفة، وتحت دعاوي الإصلاح والتغيير، قد اتفقوا بشكل ضمني على أن التغيير والإصلاح لن يتم في اليمن إلا في حال تم تفكيك تلك الطبقة. ويبدو من سياق الأحداث أن بعض الدول الراعية للتسوية السياسية في اليمن، وتحديدا الغربية منها، وكذلك المبعوث الدولي لليمن جمال بن عمر قد تماهوا مع هذه الفكرة، وعملوا على تنفيذها. وعلى ذلك الأساس؛ تمت هندسة المرحلة الانتقالية لتنفيذ فكرة تفكيك تلك الطبقة، وقد تم استخدام الحركة الحوثية كأحد أدوات تنفيذ هذه الفكرة، حيث تم استخدامها كهراوة في ضرب حزب الإصلاح وحلفائه، وبعض القوى الدينية. وعلى هذا الأساس تم غض الطرف، وربما تسهيل العمل للحوثيين ليتمددوا في محافظتي صعدة وعمران من قبل الرئيس هادي وبعض القوى الأخرى. وهذا الأمر يفسر إلى حد كبير موقف الدولة، والمبعوث الدولي وبعض الدول الغربية من تمدد الحركة الحوثية.

تعتبر المملكة العربية السعودية أهم قوة لديها نفوذ داخل اليمن؛ غير أن نفوذها هذا تعرض لنكسات خلال السنوات الثلاث الماضية لأسباب تتعلق بالتغيرات التي حدثت في بنية السلطة السعودية وفي المشهد اليمني والمنطقة بكل عام. ويمكن القول أن ملف اليمن في السعودية يعاني من إرباك وسوء إدارة منذ بعض الوقت، وقد كان لغياب الأمير سلطان بن عبدالعزيز والأمير نايف دور في ذلك، فالأمير سلطان ظل ممسكا بالملف اليمني لفترة طويلة، وحين غاب لم يعد هناك من يحل محله. إضافة إلى ذلك؛ تعاني الأسرة السعودية من صراع سياسي داخلها وهو ما يجعلها غير مهتمة بشؤون اليمن. إلى جانب ذلك؛ انشغلت الدولة السعودية بملفات ساخنة في المنطقة، من قبيل الملف المصري والسوري والعراقي، وهو ما جعلها تُـهمل الملف اليمني. وقد استفاد الحوثيون وحلفاؤهم الايرانيون من تراجع الدور السعودي في اليمن، وعززوا من نفوذهم فيه. فلم يكن من المتصور أن تبقى الحكومة السعودية دون حراك خلال تمدد الحوثية وتعزيز مراكزها في خاصرتها الجنوبية لولا إهمال الملف اليمني وغياب إستراتيجية واضحة في التعامل مع ما يحدث في هذا البلد.

ترافق مع تراجع الدور السعودي في اليمن والمنطقة بشكل عام صعود الدور الإيراني وزيادة اهتمامه باليمن، ومنذ فترة طويلة استثمرت إيران في الحركة الحوثية واعتبرتها أحد أذرعتها الرئيسية في صراعها مع خصومها الإقليميين والدوليين. وقد استغلت إيران الفوضى في اليمن وضخت المزيد من الدعم المادي والسياسي والإعلامي وربما العسكري للحركة الحوثية مما ساعد على تمددها وصعودها.

كان من سوء طالع حزب الإصلاح وحلفائه، أنهم دخلوا في صراع مع الحركة الحوثية في المرحلة التي شهدت تراجع نفوذ الأخوان المسلمين في المنطقة، وزيادة الضغوط عليهم في أكثر من دولة ومن قبل أكثر من طرف، وقد استغل الحوثيون هذا المناخ بتقديم أنفسهم كرأس حربة في ضرب حزب الإصلاح، ورغم أن الحوثيين لا يبدو أنهم تلقوا مساعدات من الدول التي دخلت في صراع علني مع حركة الأخوان المسلمين في المنطقة، وأخص بالذكر هنا السعودية والإمارات، إلا أن الحركة استفادت من حالة غياب الحليف الإقليمي للإصلاح لتوجه له الضربات، وهي الضربات الذي لم يصدها حزب الإصلاح بكامل طاقته خوفا من أن يتم استغلالها من قبل خصومه الكثيرين، داخليا وخارجيا، فعلى مدى الشهور الماضية ظل حزب الإصلاح يؤكد على أن الحرب التي تدور في محافظة عمران هي بين الحوثيين والدولة، وأنه لا يمتلك ميليشيات أو قوات عسكرية تشتبك مع الحوثيين. ورغم أن هناك شواهد على صحة ما يقوله الإصلاح؛ ألا أن أعضاء الإصلاح شاركوا بشكل أو آخر في تلك المعارك. ومع ذلك؛ فإن مشاركة الإصلاح تمت بشكل غير مباشر؛ وتمت ضمن الحدود الدنيا لإمكانات الحزب، وهو ما سهل للحوثيين تحقيق انتصاراتهم على الأرض.

حدود قوة الحوثي:
على الرغم مما تبدو عليه الحركة الحوثية من صعود صاروخي إلا أن هناك الكثير من العوامل الذي تجعل هذا الصعود يتحول إلى فقاعة في حال حدث تغير في الظروف التي ساعدت على صعودها وتمددها. فكما لاحظنا ونحن نستعرض عوامل الصعود يتضح أن معظمها أتى نتيجة لأسباب خارجية لم يكن للحركة يد فيها، فمصادر القوة الذاتية محدودة وهو ما يجعلها عرضة لفقدان مكانتها أو توقفها عند هذا الحجم. ولإيضاح ذلك نسرد في النقاط التالية عوامل ضعف الحركة، التي قد تجعلنا نتنبأ بحدود قوتها وسقفه.

نقطة الضعف الرئيسية للحركة هو مشروعها السياسي، فهي تفتقد إلى المشروع السياسي القادر على حشد أعداد مهمة من اليمنيين حوله، فالمشروع يتصف بالغموض، وما يظهر منه لا يمكن اعتباره مشروعا سياسيا قادرا على الاستجابة لرغبات ومصالح شريحة مهمة من اليمنيين. وغموض مشروع الحركة أمر متعمد من قبل قادتها؛ فمشروعهم الحقيقي يصعب الإفصاح عنه، على الأقل في هذه المرحلة وأمام الجميع.

ومع ذلك يمكن تبيان الملامح العامة له عبر تحليل الخطاب العام للحركة والسياق التاريخي والسياسي الذي تسير فيه. والفكرة الجوهرية التي يقوم عليها مشروع الحركة هي الرغبة في الحكم، وهي رغبة بحاجة إلى تبرير ما كي يجعل الحكم شرعيا، على الأقل من وجهة نظرهم وأنصارهم. والمدخل الشرعي المتوفر للحركة هو المذهب الزيدي، والذي يحدد الولاية في الذكور البالغين من سلالة الحسن والحسين فيما يسمى (البطنيين) ووفقا لهذا المذهب فإن أي رجل من هذه السلالة يجد في نفسه القدرة على الحكم، وتنطبق عليه شروط الولاية، يمكنه الخروج على الحاكم، حتى لو كان الحاكم إماما زيديا، وإعلان نفسه إماما. ولكون هذا الأمر لا يمكن القيام به في ظروف اليمن الحالية؛ فإن حسين الحوثي – مؤسس الحركة – وخليفته عبدالملك الحوثي –الزعيم الحالي للحركة – قد اضطرا إلى وسائل أخرى، ضمن أفكار غير واضحة، للوصول إلى السلطة. ومن هذا المنطلق؛ فإن جوهر مشروع الحركة الحوثية هو حصر الحكم في الأسر الهاشمية «البطنيين». وتحقيق هذا الأمر لن يتم عبر استعادة نظام الإمامة، الذي يبدو أن الحركة الحوثية تدرك استحالة عودته بالطريقة الذي كان عليها، الأمر الذي يعني بأن الحركة ربما تكون لديها صيغة جاهزة أخرى، أو أنها بصدد بلورة هذه الصيغة. وملامح هذه الصيغة لا تتطلب إلغاء النظام الجمهوري وعودة الملكية؛ إذ أن بالإمكان ابتكار صيغة ما مستمدة من نظرية الولي الفقية في إيران، أو نموذج حزب الله في لبنان، وبما يتناسب وظروف اليمن.

وأي صيغة لحصر الحكم في سلالة الهاشميين، أو حتى منح هذه السلالة امتيازات خاصة في الوظيفة العامة؛ سيؤدي إلى استفزاز الغالبية العظمى من اليمنيين ورفضهم لها، بمن فيهم جزء معتبر من الهاشميين الذين يرفضون هذه الفكرة العنصرية.

ونتيجة لصعوبة تسويق هذا المشروع أو الدفاع عنه؛ فإن الحركة تتعمد إخفاء مشروعها الحقيقي، وتقوم بتغطيته بخطاب شعبوي فضفاف من قبل الإدعاء بأن مشروعها هو مشروع النهوض بالأمة الإسلامية في مواجهة أمريكا وإسرائيل، والذي تختصره في شعارها المقتبس من الثورة الإيرانية (الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام) والحركة هنا تلتقي وكل الحركات الشمولية الإسلامية وغير الإسلامية التي تبني سلطتها من خلال الإدعاء بامتلاكها مشروع عالمي يتجاوز الدولة التي تعيش فيها، وكل ذلك راجع إلى عجزها عن تقديم مشروع محلي للحكم قادر على الإقناع والديمومة. ولنا أن نتخيل في حال سيطرت الحركة على الحكم كيف ستقوم بترجمة شعارها على الواقع، وكيف سيتعامل العالم الخارجي مع حركة بهذه العنصرية والفاشية. فمن المحتمل أن يكون مصير اليمن شبيها بمصير أفغانستان أيام طالبان أو كوريا الشمالية في أحسن الأحوال. فمشروع الحوثي لن يصل باليمن إلى مصير دولة الملالي في إيران لاختلاف الظروف التاريخية والإمكانات الاقتصادية. فإيران ذات الموقع الاستراتيجي الهام والموارد الاقتصادي الكبيرة، وتحديدا النفط والغاز، لم يكن مصيرها كطالبان أو الشباب الصومالي، أو داعش، بسبب حجمها ومواردها النفطية التي غذت حكومة الملالي ووفرت لها سبل العيش.

في المقابل؛ فإن اليمن الذي لا يجد 60% من سكانه القدرة على توفير غذائهم اليومي، ويعتمد في بقائه على موارد متناقضة ومساعدات خارجية، سيتحول إلى نموذج لأفغانستان تحت حكم طالبان، في حال أصبح تحت حكم الحركة الحوثية حين تبدأ بتطبيق شعارها على الأرض. ولكون الأمر على ذلك النحو فإن مشروع الحوثي يبقى مشروع صغير لا يمتلك القدرة على الديمومة.

يتضح من سياق الأحداث أن صعود الحركة الحوثية قد أتى نتيجة لحالة الإرباك وسوء الإدارة التي تصرف فيها خصومهم، فهؤلاء لم يواجهوا الحركة بكامل جهدهم وطاقتهم الحقيقية، فحزب الإصلاح وحلفائه، والذين استهدفتهم الحركة وتمددت على حسابهم، افتقدوا لحس المبادرة واكتفوا بالتعامل معها من خلال ردود الفعل، وعولوا كثيرا على الدولة التي لم يكونوا من الذكاء والفطنة ليكتشفوا الموقف الحقيقي لرئيس الجمهورية، والذي أتضح أن أجندته السياسية تنسجم مع ما قامت وتقوم به الحركة الحوثية، حتى الآن على الأقل، حيث أنه يستخدم الحركة لتقوية مركزه السياسي. ولهذا كله؛ فإن قيام خصوم الحوثي بمراجعة سياساتهم وأساليبهم من شأنه أن يغير المعادلة، وربما يحولها بشكل جذري، ويرجع ذلك إلى الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها خصوم الحوثيين الحاليين (الإصلاح وحلفاؤه والحركة السلفية) والخصوم المحتملين (معظم القوى السياسية)، فهؤلاء يمتلكون موارد سياسية وعسكرية ضخمة، كما أنهم يمثلون كتلة سكانية كبيرة، مقارنة بالكتلة السكانية المحسوبة على الحركة الحوثية.

والمنطق السياسي البسيط يشير إلى أن الحركة الحوثية في طريقها لأن تحشد ضدها أطرافا واسعة من المجتمع اليمني، مع كل نصر تحققه، ويرجع ذلك إلى أن معظم الشعب اليمني لا يمكنه أن يقبل بالمشروع السياسي الحقيقي للحوثيين، بما في ذلك الأطراف التي أيدت أو غضت الطرف أو تواطأت مع تمدد الحوثي، فهذه الأطراف في تناقض إيديولوجي ومصلحي مع المشروع الحوثي، والذي هو نقيض لجميع المشاريع السياسية في اليمن، وتصادم هذه المشاريع مع المشروع الحوثي أمر حتمي في المستقبل. وعليه؛ فإن أي اصطفاف أو حشد حقيقي لجزء معتبر من القوى السياسية في مواجهة الحركة الحوثية – وهو أمر محتمل حدوثه قريبا – سيؤدي إلى تحجيم الحركة، وربما هزيمتها وإنهائها.

ولا يقتصر هذا الحشد على القوى الداخلية فقط؛ فانتصارات الحركة وتمددها يستفز ويخيف قوى خارجية عديدة على رأسها المملكة السعودية، والتي في حال سخرت إمكانياتها الضخمة في اليمن، أن تخلط الأوراق وتحجم الحركة من خلال دعم خصومها المتزايدين.

أحد مصادر نقاط الضعف الرئيسية للحركة صغر حجم الكتلة السكانية التي تمثلها، فبالنظر للخارطة السكانية/المذهبية في اليمن اليوم، نجد أن أقل من 20% من السكان يتبعون المذهب الزيدي، وأن نصف هؤلاء – على أكثر تقدير – مقتنعين بالمشروع الحوثي، ويعتقدون انه يمثل مصالحهم. وعلى ذلك؛ فإن الحركة لا تمثل إلا أقلية صغيرة من المجتمع، الأمر الذي لا يؤهلها لحكم اليمن أو حتى أجزاء منه، كما أنه لا يؤهلها لأن تستنسخ دور ونموذج حزب الله في اليمن، فحزب الله في لبنان يلتف حوله معظم أفراد الطائفة الشيعية، والتي تقدرها بعض المصادر بأنها الطائفة السكانية الأكبر في لبنان (أخر تعداد سكاني جرى في لبنان كان عام 1932). ونتيجة لذلك فإن حدود قوة الحركة الحوثية محدود جدا في اليمن، حتى وأن تمكنت من أحراز نصر هنا أو هناك، فهذه الانتصارات ستبقى مؤقتة، ولن تستطيع الاحتفاظ بها.

تمددت الحركة نتيجة صراع القوى التي كانت تحكم اليمن حتى 2011، وفي حال حدوث مصالحة أو تنسيق أو تحالف بين هذه القوى أو أجزاء منها، كما بدأ يُـطرح بعد سيطرة الحوثيين على مدينة عمران، سيؤدي إلى تراجع نفوذهم. إضافة إلى ذلك؛ فإن خروج الرئيس هادي لسبب أو آخر من السلطة ووصول شخص محله، سيكون على حساب الحوثيين، حسب ما هو متوقع. فالرئيس هادي يظل هو الخيار المثالي للحركة، ووصول شخص أخر محله سيؤدي إلى تعامل مختلف معهم.

إلى جانب ذلك؛ فإن حدوث تغير في خارطة التوازنات الإقليمية باتجاه تحجيم النفوذ الإيراني، أو تغيير التوجهات داخل القيادة الإيرانية بالانكفاء نحو الداخل والتخلي عن النزعات الامبريالية، التي تغلف سياستها الخارجية، من شأن كل ذلك أن يضعف الحركة ويكشف ظهرها، فإيران والقوى التي تدور في فلكها هي الظهير الرئيسي الذي يسند الحركة الحوثية، ويبقيها في هذه الحالة.

كما يظهر من كل ما ذكرنا فإن الحركة الحوثية ليست إلا علامة من علامات مرض الدولة وانهيارها، فصعودها أتى نتيجة استثمارها لحالة استثنائية ناتجة عن الخواء السياسي للطبقة السياسية التي تحكم اليوم. وهو الخواء الذي يتمظهر في تفاهة ذلك الجزء من الطبقة السياسية، الذي يستخدم حركة شمولية رجعية لضرب خصومه، والذي سيؤدي إلى ابتلاعه هو وخصومه في حال تمكن من الحكم. ويعود أيضا إلى عجز وبلادة الطبقة السياسية التي تحاربها الحركة، والتي لم تستطع حتى الآن مواجهة الحركة بمشروع سياسي قوي، وخطوات إجرائية فعالة.

«القدس العربي»