الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٧ مساءً

ثورة داخل "الإخوان"

سامح راشد
الاثنين ، ١٥ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٤ صباحاً
عامان وشهران مرّا منذ تصدر "الإخوان المسلمون" واجهة السلطة في مصر، ممثلين في محمد مرسي. طوال تلك الفترة، والأخطاء ذاتها يعاد تكرارها. حتى يكاد المرء يجزم أن المرونة والبراغماتية التي طالما اشتهر "الإخوان" بها ليست سوى واجهة شكلية، تخفي وراءها جموداً في الفكر، وتكلساً في التنظيم. وهنا، يكمن سر الفشل الذريع للإخوان في أول احتكاك حقيقي لهم مع السياسة من موقع المسؤولية، لا المعارضة. فالخلل لم يكن فقط في افتقاد الكوادر القادرة على الحكم، ولا فقر التصورات والسياسات الصالحة لإدارة الدولة، ولا غياب الحنكة والدهاء في التعامل مع مؤسسات الدولة. فكل هذه النواقص تخفي وراءها نقيصةً كبرى، ربما هي سر انتكاس الإخوان، هي "النرجسية التنظيمية"، أو ذلك الاغترار المطلق بالتنظيم كياناً وأعضاءً. ما يجعل الجماعة تنظيماً منغلقاً على نفسه، لا يسمع سوى صوت أعضائه، تحديداً قياداته. بل لا تصل الكوادر، أصلاً، إلى مراتب قيادية سوى بتماهيها مع عقليات القيادات الأعلى وتوجهاتها. وهكذا صار التسلسل القيادي داخل الجماعة استنساخاً حرفياً للقيادات والأفكار والعقليات نفسها، وبالتالي، السياسات والتحركات. بدليل أنه بعد أكثر من عام على "3 يوليو"، لا تزال طريقة إدارة الأزمة لم تتغير، على الرغم من الشتات الذي يعاني منه "الإخوان" بين الداخل والخارج، وفقدان التنظيم كثيراً من تماسكه، وتقطع التواصل والتنسيق بين صفوفه رأسياً وأفقياً. صحيح أن شقاً كبيراً من عدم الفعالية يعود إلى محدودية الخيارات المتاحة. لكن، يظل التمسك بالمواقف نفسها، على الرغم من تغير المعطيات وتطورها، إشارة واضحة إلى جمود العقليات بتجمد الشخصيات، وفاقد الشيء لا يعطيه.

يكفي للتدليل على ذلك الوضع المزري، أن نصائح كثيرة، وتحذيرات أكثر، وجهت للإخوان، قبل رئاسة مرسي وفي أثنائها وبعدها. وقلما استمع الإخوان، وإن هم سمعوا فنادراً ما يتقبلون، وإن قبلوا فهم لا يعملون، وإن عملوا بما سمعوا يأتي العمل "مؤخوناً"، فتفقد النصيحة جدواها، كأن أحداً لم يقل شيئاً. وعندئذٍ، يكون أيُّ تحرك متأخراً، ولا محل له. فحديث مرسي عن الثورة المضادة تأخر عاماً، حتى أزيح من الحكم قبل أن يفكر في مواجهتها. وبيان الاعتذار الضمني الذي أعلنه "الإخوان" قبل أشهر جاء ملتبساً وملتوياً، وحاول جذب الخصوم من دون استثارة الحلفاء والقواعد الإخوانية، فلا استرضى أولئك ولا أرضى هؤلاء.

حديث المراجعة يجري تدويره في أروقة "الإخوان" من دون خطوة واحدة عملية باتجاه المراجعة. أو تعديل جوهري في طريقة معالجة الموقف. باختصار، لم يعترف "الإخوان" بأنهم هزموا هزيمة نكراء. هم يعترفون على مضض بأن ثمة أخطاء ارتكبت، غير أن التآمر عليهم هو الأساس، في نظرهم، في ما تعرضوا له ولا يزالون، من توريط ثم تنكيل. التآمر موجود دائماً، والسياسة، في جوهرها، مؤامرات وصفقات ومناورات وتوافقات. لكن التآمر وحده لا يبرر الوقوف من دون حراك، أو في أقصى الأحوال الحركة وقوفاً.

مأزق "الإخوان" حالياً، أنهم محشورون بين هاجسين، مواجهة القواعد والصفوف الخلفية من أعضاء الجماعة الشباب المتحمس بعضهم، والمستاء بعضهم أصلاً من إدارة الشيوخ وشيخوختهم. والانسياق مجدداً وراء طرف من خارج الجماعة، سواء السلطة أو الغرب أو أي طرف يريد إقناعهم بالتراجع والانخراط في الواقع الجديد. وبين الهاجسين، يقف "الإخوان" عاجزين مشلولي الحركة. وكلما مرّ الوقت، يضيق الخناق عليهم، فيتشبثون أكثر بموقفهم هذا على الرغم من سلبيته، على أمل تغير المعطيات، بفضل الحراك في الشارع، وهو أمل لا يتحقق.


مطلوب مراجعة صريحة وعلنية على مسارين متوازيين، آلية القرار والعمل داخل التنظيم. والتعاطي مع العالم الخارجي والواقع غير الإخواني. الحل الذي لا مفر منه مهما حاول الإخوان تجنبه، هو ثورة داخل الإخوان قبل التفكير في أي ثورة أخرى. ثورة إخوانية تحدث تحرراً في الفكر والتنظيم والقيادات، وتنهي التشبث بقيادات سقطت، والتمترس خلف عقلياتٍ شاخت.


"العربي الجديد"