الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٠ صباحاً

حينما تتخلى الدولة عن سلطتها - الصبيحي استثناء

عبد الرحمن الخرباش
الثلاثاء ، ٢٨ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٥٠ مساءً
حينما تغمض الدولة عينها عن واجباتها الدستورية تبرز المشكلة وتتعقد الحياة. وحينما تغيب الدولة راعية الامن والامان يحل القتل والخوف والفوضى. وحينما تعجز الدولة عن حماية القانون يختل الميزان وتتدهور الحياة العامه وحقوق الناس.

لقد استبشر اليمنيون خيرا بالدولة الانتقالية التي تم التوافق عليها في مطلع عام 2012 كونها الجهة الموكل اليها مهمة اخراج البلد من وضعها المضطرب والوصول بها الى بر الامان في المرحلة الانتقالية. وفي الوقت الذي ندرك فية حجم الصعوبات بفعل قوى النفوذ والسلاح التي تتجاذب هذا البلد لأشباع اطماعها ونزواتها، توفرت في المقابل لهذه الدوله عدد من العوامل التي تمكنها من انجاز مهمتها المقدسة في حماية البلد من الانزلاق والتدهور. من ابرز هذه العوامل الدعم السياسي الكبير الذي سخره المجتمع الدولي في خدمة هادي وحكومته، الا ان الدوله لم تتمكن من الاستفاده من هذا الدعم الدولي بشكل جيد في اعادة هيكلة الجيش وحفظ الامن ، والعامل الابرز الاخر هو الدعم الشعبي الذي حظي به الرئيس هادي والذي كان ينتظر من الدولة والحكومة ان تضعه في الصورة وتتكىء عليه بدلا من الاتكاء على المناورات الخجولة والتردد في مواجهة قوى الشر والفساد. هذا التردد والتخاذل في مواجهة قوى النفوذ قتل حماس الناس ورسخ لدى الشارع فهم بأن الثوره كانت كذبه والمستفيد منها هي قوى النفوذ نفسها ولكن بنسخه محسنه. كانت الناس ولازالت تريد ان تعرف مايدور في هذا البلد كي تكون سندا للسلطة وللرئيس هادي، لكن ماحصل هو تجاهل وتغييب لدور الشارع والثوار.

وبدلا من الاستقواء بالشارع وشباب الثوره للتخفيف من حجم الضغوط التي تمارسه قوى النفوذ على السلطة وبالتحديد على الرئيس هادي، ذهبت الدولة الى تجميد حماسهم واقناعهم او اجبارهم على العوده الى منازلهم وكأن الثورة قد حققت كل اهدافها بتشكيل الحكومة الانتقالية،علاوة على اعتماد اسلوب المراضاه والتفاوض مع هذه القوى التي استطاعت ان تكسب الوقت كي تضعف حكم الرئيس هادي للبلاد.

لقد بدأت الدوله في بداية الفترة الانتقالية قوية وذلك بأتخاذ جملة من القرارات التي تتعلق بأعادة هيكلة الجيش وتمكن الرئيس هادي الى حد ما من تفكيك جزء من مراكز النفوذ وشعر الناس بالطمأنينه وحتى مراكز القوى بدأت تسلم وتقبل بخيار التغيير الا ان خطوات هادي الاصلاحية للجيش لم تستمر بل بدأت بالتراجع والانحسار وربما هذا يعود الى عدم وجود رؤية واضحة واستراتيجية فاعلة لعمل السلطة. اكتفت الدولة بنشاط السنة الاولى من الفترة الانتقالية وبعدها عادت الى نهج سياسة الترقيع التي كان يعتمدها صالح وهنا بدأ العد التنازلي للدولة وبدأت بالانكفاء على نفسها والتحول الى دولة انهزامية مسلوبة الاراده تتملص من المواجهة وتكتفي بكيل المبرارات وتحميل النظام السابق سبب فشلها.

في رأي الشخصي الذي يحتمل الخطاء والصواب لجأت الدوله الى سلوك اوقعها في اخطاء قاتلة منها:
- كانت دولة الرئيس هادي وحكومته بحاجة الى بسط نفوذها وتعزيز سلطتها منذ استلام السلطة حتى يشعر الجميع بهيبة الدولة ويلمس بأنها عازمة وبدون تراجع الى التغيير الذي ضحى من اجله الثوار، لان هناك قوى متربصة تتابع بدقة اداء الرئيس هادي وحكومتة وتفتش عن ثغرات ونقاط ضعف تمكنها من ارباك وتقويض العملية السياسية، وبدلا من فرض هيبة الدولة وحضورها الفاعل في الواقع العسكري بالذات، لجأت الدولة الى تهميش نفسها وتغييب دورها وذلك من خلال السماح لبعض القبائل والجماعات المسلحه بالتحشيد ضد بعضها البعض وخوض حروب ادت الى توسع رقعة الحروب وقادت البلد الى مثالب لاتحمد عقباها. في مركز حاشد مثلاً قام الشيخ حسين الاحمر بحشد القبائل والدخول بمواجهات دامية مع الحوثي وبدلا من ان تتدخل الدوله بهيبتها الاجتماعية والعسكريه وتمنع اسلوب التحشيد المسلح من قبل اي طرف كان، كون هذه المواجهات المسلحة تدور في اراضي يمنية ليس من حق اي طرف استخدامها لمواجهات عسكرية غير الدولة التي مخول لها دستورياً بالقيام بأعمال عسكرية بما يتوافق ومصلحة الوطن، تحولت الدولة الى مُشاهد غير مكترث لنتائج موقفها السلبي من تسارع الاحداث وفي احسن الاحوال كانت تقوم بدور الوسيط بين الاطراف المتصارعة. تدخل الدولة الصارم في الوقت المناسب حتماً كان سيقوي الدولة وسيساعدها على بسط ومد نفوذها وعلى تقويض الصراع او على الاقل محاصرته في مكانه بدلاً من توسعة. صمتت الدولة كثيرأ الى ان مكنت قوى الصراع من سلبها وتجريدها سلطتها.

- في تقديري ان السلطة كانت بحاجة الى اتخاذ قرارات شجاعة في كثير من الاحيان. حينما اتخذ الرئيس هادي قرار بحق قناة اليمن اليوم ظهرت الدولة بأنها صارمة ومتماسكة (بغض النظر عن صواب هذا القرار من عدمه). في اعتقادي انه كان بأمكان الرئيس هادي اتخاذ قرار شجاع بتغيير قائد المنطقة السادسة اللواء حميد القشيبي الذي قُتل في مواجهات عمران مع الحوثيين درءاً للحرب وقطع الطريق امام حجج الحوثيين طالما ان الدولة غير قادرة على ايقاف تمدد الحوثيين. يتكهن البعض بأن هادي كان غير قادر على اتخاذ قرار كهذا لأن قراره سيواجه بالرفض بحكم نفوذ على محسن والقشيبي. ولو افترضنا ان هذا صحيحا كان من الافضل اتخاذ قرار كهذا، وفي حالة التمرد على القرار من قبل على محسن والقشيبي سيعرف اليمنيون على الاقل بأن هادي قام بدوره وسيعرف اليمنيون ايضاً الجهة التي تعيق وتعرقل قرارات الرئيس هادي. لكن الدولة ضلت محايده ومتفرجه واقتصر دورها على دفع مبلغ خمسة مليار ريال تعويض للاضرار التي خلفته الحرب في عمران.

- لم يتمكن الرئيس هادي من ارباك قوى النفوذ الحاضره في الجيش وخلط الاوراق عليها عن طريق الاستمرار بقرارات شجاعة مدروسة في هيكلة الجيش كالقرارات التي اتخذها في بداية الفتره الانتقالية حتى يضمن ولاء الجيش للدوله، بل على العكس استطاعت هذه القوى ارباك هادي مستفيدة من فتور وتراخي الدوله بالاستمرار بهيكلة الجيش بعد ان كانت الامور تسير بشكل جيد في بداية الفترة الانتقالية.

حينما تتخلى الدولة عن مسؤلياتها تفسح المجال لقوى اخرى للعبث بالامن وتوفر المناخ لها ان تتواجد بديلا عن الدولة تحت عدة ذرائع ومبررات – الحوثي مثلاً يطرح بأن "الدوله غائبة والامن غير متوفر والقاعده تستهدفنا، اذا من حقنا ان نحمي انفسنا". والقاعده اليوم بدأت تطرح نفسها بأنها تدافع عن السنة من تمدد الحوثي وبالتأكيد سوف تجد سوق لترويج ادعائها وسوف تحضى بدعم من خصوم الحوثي ولانستبعد ان يوجد نوع من التقارب بينها وبين القوى السلفية بحجة الدفاع عن انفسهم من خطر الشيعة – وتغرق البلد بالصراع الطائفي المسلح.

نشفق كثيراً على الرئيس هادي لصعوبة مهمته وندرك بأنه لايريد ان يسوق البلاد الى حرب ونتفهم حجم الضغوطات التي تمارسها عليه مراكز القوى التي كان عليها ان تقف معه وتساعده على انقاذ البلاد بدلاً من استثمار الظروف للحصول على مكاسب، لكن لابد من ابداء تخوفنا والقول بأن البلد تتجه نحو التمزق بسبب ضعف الدوله وتغييب نفسها. سيادة الرئيس لانريد رفع سيف السلم في كل الاوقات، وقد قيل "ان اردت السلم فيجب ان تكون مستعد للحرب". اننا لسنا بحاجه الى وكلاء يقومون بمهام الدوله- لسنا بحاجه الى جماعات ترفع سلاحها بدلا عن الدوله- نريد دوله تكون فوق الجميع ترفع السلاح عند الضروره من اجل حماية الناس بطرق محسوبة. لازال هناك امل في نفوس اليمنيين وهنال فرصة امام الرئيس والحكومة بأعادة ترتيب الاوراق لفرض وجود الدولة وجاهزيتها لأنة الخيار الوحيد الذي يحفظ لليمنيين دمائهم.

اللواء محمود الصبيحي كان خير مثال للقائد الذي حافظ على هيبة الدولة وهيبته كقائد عسكري. هذا القائد الشهم ذي الاخلاق العالية الذي تكفل بحماية المنطقة التي تقع تحت قيادته يستحق منا كل الثناء والتقدير، وقد قيل " رجل ذي همة يحيي امة". نعم لقد احيا امة واعاد الاعتبار لهيبة الدولة وللقاده الذين تخلوا عن مسؤلياتهم او قصروا في الحفاظ على الامن. والعظماء لايُعرفون الا عند الشدائد.