الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٥ مساءً

اليمن: التعلم من أخطاء الماضي

وائل زقوت
الاربعاء ، ٢٩ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٢٥ صباحاً
توقيع الاتفاق الذي أيده مجلس التعاون الخليجي والذي أنهى الأزمة السياسية عام 2011، شرع اليمن في عملية انتقال سياسي أشاد بها العديد من القوى الإقليمية والدولية. والأهم من ذلك أن هذا الاتفاق وقى اليمن شر حرب أهلية مرعبة. ونص الاتفاق على استقالة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتشكيل حكومة مصالحة وطنية، وانتخاب نائب الرئيس رئيسا للدولة، وإجراء حوار وطني شامل لمناقشة وإقرار خارطة طريق سياسية تحسم المشاكل السياسية طويلة الأمد التي يعاني منها اليمن.


وتوج الحوار الوطني بالنجاح في يناير/كانون الثاني 2014. وحلقت معنويات الأمة في السماء. اختار اليمنيون طريق الحوار على العنف، وهو نموذج لم يستطع أن يتبناه سوى القليل من الدول العربية الأخرى. وضم الحوار الوطني مختلف ألوان الطيف السياسي: الشباب، النساء، الأكاديميون، والمجتمع المدني.


إلا أن ما حدث في صنعاء خلال الأسابيع القليلة الماضية فاجأ الجميع، حتى أولئك المتابعين عن قرب للمشهد السياسي. لن أعلق على الأسباب السياسية الأساسية أو على دلالات الأحداث الأخيرة. بل سأتصدى بالأحرى للعوامل الاقتصادية التي شكلت جزءا من الأسباب التي أفضت إليها، وما ينبغي أن تفعله الحكومة الجديدة لزيادة احتمالات نجاح العملية الانتقالية وإبقاءها على المسار.


وقد ذكرت مرارا على مدى أكثر من عام أن نجاح الانتقال السياسي في اليمن سيحكم عليه رجل الشارع العادي وليس في فندق موفنبيك أو أروقة القصر الرئاسي. فالشعب يريد حكومة تلبي احتياجاته، حكومة نظيفة تخلو من الفساد، حكومة تقدم خدمات أفضل، وتخلق الوظائف، وتحسن أحواله المعيشية. وكما قلت في مناسبات عديدة، فإن على الحكومة أن تفعل ما هو أكثر لمكافحة الفساد. وقد ساد بشكل متزايد بين المواطنين في اليمن تصور أن الفساد في ظل الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها لم يختلف كثيرا عن سابقتها في ظل نظام صالح السابق. واجهت الحكومة تحديات خطيرة في المالية العامة ناجمة بشكل أساسي عن الهجمات المتكررة على خط أنابيب النفط والغاز، مما قوض المصدر الرئيسي للصادرات الحكومية وإيراداتها من العملة الصعبة. ونتيجة لذلك، واجهت الحكومة خيارين في غاية الصعوبة: أولهما، إصلاح نظام الدعم للديزل والبنزين، وثانيهما السماح بتخفيض قيمة العملة. وقد نصح أغلب خبراء الاقتصاد، ونحن من بينهم، الحكومة بتطبيق الخيار الأول حيث أن عواقب الثاني ستكون أسوأ على الاقتصاد وعلى الشعب اليمني. واتخذت الحكومة قرارها الكبير بتحرير أسعار الوقود تماما إلا أنها أخفقت على جبهات عديدة: أولا، كان ينبغي على الحكومة أن تفعل ذلك في إطار برنامج إصلاح أوسع نطاقا يتضمن مكافحة الفساد، وتنقية كشوف الأجور من حالات الجمع بين معاش التقاعد والراتب، والعمالة الوهمية في قطاعي الخدمة المدنية والعسكرية، وإصلاح شتى القطاعات في الاقتصاد لتحقيق بعض الوفورات بالتزامن مع إصلاح نظام الدعم. ثانيا، كان يتعين على كبار المسؤولين الحكوميين أن يشرحوا للناس الغاية من وراء إصلاح دعم الوقود، والتحديات التي كانت تواجهها الحكومة، والخيارات المتاحة أمامها، وأسباب اختيارها لرفع الدعم. ثالثا، كان ينبغي على الحكومة أن توجه جزءا من الوفورات الناتجة عن رفع الدعم إلى مساعدة الفئات الأشد فقراء والأكثر تضررا نتيجة زيادة أسعار الوقود.


وقد وضعت أحداث الأسابيع القليلة الماضية اليمن على مفترق طرق فاصلة: أحد اتجاهاتها يمكن أن يقود إلى ثورة تصحيح لتحقيق الأهداف الرئيسية لثورة الشباب التي انطلقت عام 2011 والتي أخفقت الحكومة في الوفاء بها؛ والاتجاه الآخر يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية خطيرة وطويلة ومدمرة.


ورغم أن الجميع يشعرون بالقلق والتخبط إزاء مستقبل اليمن، فإنني واحد من تلك القلة التي مازالت متفائلة.. وإنني أؤمن بحكمة الشعب اليمني وأثق فيها. فكثيرا ما فاجأ اليمنيون الجميع وتراجعوا عند مشارف اندلاع حرب أهلية شاملة.


نحن نرى ما يحدث حولنا في المنطقة. فالحروب مستعرة في العديد من بلداننا العربية العزيزة مما أدى إلى سقوط الكثير من القتلى والجرحى، وتشريد الملايين، وظهور العديد من التنظيمات المتطرفة. ومع هذا فعلى الجانب الإيجابي، انتهى احتكار السلطة السياسية. فلن يستطيع أحد أن ينفرد بالسيطرة الكاملة على المجتمع وعلى مؤسسات الدولة. لقد خرج المارد من قمقمه، ولن يستطيع أحد أن يعيده إليه مرة أخرى. والتعددية السياسية التي تستفيد من التنوع في المنطقة ومن إمكانياتها الهائلة هي الطريقة الوحيدة لتقدم المنطقة. إن أمام اليمن الفرصة لكي يثبت أنه مختلف وأن ينجح مرة أخرى في مواجهة التحديات الهائلة. ويمكنه أن يستفيد من إبداع وطاقة الشباب والمتعلمين.


أما بالنسبة للحكومة اليمنية الجديدة، فعليها أن تتعلم من أخطاء الماضي. وهذه بعض المقترحات للمرحلة القادمة التي يمكن أن تزيد احتمالات النجاح (أو تحد من فرص الفشل).


1. ينبغي أن تكون الحكومة الجديدة حرة في أن تنأى بنفسها عن كل الأحزاب السياسية، وأن تتصرف كفريق واحد لا يركز إلا على مصالح الأمة.


2. يجب أن تركز الحكومة على وضع وتطبيق برنامج اقتصادي شامل لتحسين الخدمات الحكومية والأمن، وخلق الوظائف، ومكافحة الفساد. خصائص هذه الإصلاحات مدرجة بخطة التحول الاقتصادي وإطار المساءلة المتبادلة اللذين تم وضعهما في بداية الفترة الانتقالية لكن للأسف لم يتم تنفيذ الجانب الأعظم منهما..


3. الحكومة الجديدة في حاجة إلى إعادة برمجة تعهداتها بتسريع تدفق المساعدات وتنفيذ المشاريع الممولة من قبل المانحين. وهذا يتضمن إعادة برمجة الأموال الخاصة ببعض المشاريع العملاقة التي لا يتوقع أن تبدأ خلال العامين القادمين، إلى برامج سريعة الصرف كالصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة. هذه البرامج ستوفر آلاف المشاريع التي تشتد الحاجة إليها في المجتمعات النائية والمحرومة بمختلف أنحاء البلاد. سيوفر هذا الخدمات ويدر الوظائف ويبعث الأمل من جديد لملايين اليمنيين.


4. في الوقت الذي يتعين أن يشكل الحوار الوطني وتوصياته خارطة الطريق الأساسية لاستكمال التحول السياسي، ينبغي النظر في كيفية التطبيق المرحلي للتوصيات. يجب أن تعجل الحكومة الجديدة بتطبيق الجوانب الأساسية للحوار الوطني، حتى قبل صياغة أو إقرار الدستور.


5. يجب أن تنقل الحكومة الجديدة السلطات سريعا إلى المحليات (أي المدن والضواحي والأقاليم)، بما في ذلك نقل الترتيبات الأمنية المحلية إلى الحكومات المحلية، ومن بينها شرطة المرور ومكافحة الجريمة. كما يجب أن تدرس الحكومة إجراء انتخابات محلية كخطوة أولى بعد إقرار الدستور. وسيضمن ذلك زيادة اقتراب الحكومة من الناس، وترسيخ اللامركزية على المستوى المحلي للتأكد من كفاءة عمل الخدمات خلال العملية الأساسية المتمثلة في إرساء دعائم الهيكل الفيدرالي للدولة.


وبوضوح، فإن سلاسة واستقرار العملية السياسية وتحسين الوضع الأمني سيكون من العوامل التي تقرر الاتجاه الذي ستتخذه البلاد مستقبلا.. ومع هذا، وكما أثبت العامان الأخيران، فإن هذه العوامل وحدها لن تكفي... وكما قلت سلفا، فإن رجل الشارع هو الذي سيحكم على نجاح العملية الانتقالية، ولن يقتنع بها بدون وظائف أو بدون تحسن في الخدمات.

المصدر: موقع البنك الدولي