الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٥٨ صباحاً

الأمريكيون وفضيحة التعذيب

محمد كريشان
الاربعاء ، ١٧ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٣٦ صباحاً
أشياء كثيرة تغيرت في الأمريكيين!! . لم يعودوا، على ما يبدو، ذلك الشعب الذي يـُـنظر إليه عن أنه مختلف عن الصورة النمطية السائدة عن إداراته المتعاقبة، سواء عند العرب أو عند أولئك الذين يعتقدون أن واشنطن تناصبهم العداء دائما وأبدا.

التقرير الصادر مؤخرا عن الكونغرس الأمريكي بخصوص ممارسات التعذيب التي ارتكبتها وكالة الاستخبارات الأمريكية أحدث هزة كبيرة في العالم، ولكن ليس بالضرورة عند الأمريكيين وبينهم وفق ما نشرته الصحف الأمريكية. صحيفتان أمريكيتان مرموقتان تناولتا هذا الموضوع قبل يومين فخرجتا بما يلي من أرقام و استخلاصات:
- صحيفة «كريستيان ساينس مونيتر» أوردت نتائج عملية سبر آراء أجراها مركز «بيو» الشهير للأبحاث وفيها أن 51٪ من الأمريكيين يؤيدون أساليب التحقيق التي اعتمدتها وكالة الاستخبارات، وأبرزها الإيهام بالغرق والمنع من النوم ويرونها «مبررة» مقابل 29٪ عارضوها. وتزداد هذه النسبة في صفوف من اطلع فقط على تلخيص التقرير حيث تصبح نسبة مبرري هذه الممارسات 59٪. وتشير الصحيفة، بناء على نفس الدراسة، إلى أن هذه النسبة تزداد بوضوح أكبر بين صفوف من عرّفوا أنفسهم كأنصار الحزب الجمهوري إذ تصل نسبة المؤيدين بينهم إلى ما فعلته مخابراتهم الخارجية إلى ثلاثة من بين كل أربعة.

- صحيفة «واشنطن بوست» جالت بين نتائج عمليات سبر آراء مختلفة، منها أن شبكة «سي أن أن» سألت الأمريكيين أعوام 2007 و2009 و2011 واليوم أيضا عما كانوا يعتقدون أن الإيهام بالغرق يُــعد تعذيبا ولكن المفارقة أنه مع ازدياد عدد من يرون أنه فعلا كذلك فإن نسبة من يؤيدونه في ازدياد هي الأخرى. وتورد الصحيفة تفسيرا من معهد «بيو» يقول إن التغيير بدأ فعلا عام 2007 مع ازدياد عدد الأمريكيين الذين يرون التعذيب مقبولا إلى أن وصلنا عام 2011 إلى أن تبلغ نسبة هؤلاء 53٪ مقابل 42٪ يعتقدون أنه أمر يمكن تبريره أحيانا أو لا يمكن تبريره على الإطلاق. وفي أغسطس/ آب 2013 أجرت شبكة «سي بي أس» سبرا وصلت فيه أيضا إلى نفس النسبة التي تزيد قليلا عن الخمسين في المئة من المؤيدين.

الملفت أن كلا الكاتبين في الصحيفتين وهما يستعرضان هذا المزاج المقلق المتنامي لدى الأمريكيين، لم يستطيعا منع نفسيهما من محاولة التعليق عليه كل بطريقته وعلى لسان آخرين. «كريستيان ساينس مونيتر» أوردت ما قاله السيناتور سان رون وايدن من ضرورة أن يشهد العام المقبل تشريعا جديدا ينص صراحة على أن ما يسمى بأساليب التحقيق القاسية ما هي إلا تعذيب يجب تجريمه مما «يساعد على وضع حد لثقافة الإنكار» التي يراها. أما كاتبة مقال «واشنطن بوست» فختمت بالقول إنه إذا وجد أي رئيس أمريكي نفسه محشورا بين خيار استعمال مثل هذه الأساليب وبين ترك حياة مواطنيه عرضة للخطر، فإنه لا شك لديها بأنه سيلجأ إلى الخيار الأول. وتضيف إنه «ربما لهذا السبب رفض الرئيس باراك أوباما الجواب على هذا السؤال، إذ لو كان غير موافق لسمعناه يقولها على الملأ، فهو لن يخجل من أن يحاضر علينا حول لماذا أضعنا طريقنا».

ومع أن الرئيس أوباما أبدى عدم رضاه على ما جاء في تقرير الكونغرس، ومع أن الخارجية الأمريكية جددت التزام واشنطن باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، فإن لا أحد تطرق إلى حد الآن إلى احتمال محاسبة من قاموا بذلك. طبعا هذا لا يشي بأن مراجعة حقيقية قد تحدث وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة أنه سيستمر بلا مشاكل على غرار ما قاله وزير الدفاع السابق ديك تشيني من أنه غير نادم على شيء وأنه مستعد لتكراره دون تردد لو واجهته نفس الظروف.

المجتمع الأمريكي تعتريه مؤخرا تفاعلات جديرة بالرصد لأنها تتعلق بصميم قيم الحرية والكرامة البشرية التي يتغنى بها الأمريكيون رغم تاريخ طويل لا يبعث على الفخر في الداخل والخارج. وإن كان يجوز الاستشهاد برئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، فإنه قال، بعد إشارة البعض إلى احتمال تورطه في الفضيحة الأمريكية الأخيرة عندما كان توأما للرئيس جورج بوش، إن التعذيب «أمر غير مقبول تماما» قبل أن يضيف أن «المعركة ضد التطرف هي معركة حول القيم وبالتالي فإن العمل ضد تلك القيم، كما هو الحال في استخدام التعذيب، ليس مجرد خطأ بل إن له نتائج عكسية».

أفلح بلير إنْ صدق… و أفلح الأمريكيون إنْ قالوها بعده صادقين.

"القدس العربي "