الجمعة ، ١٧ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٠٦ صباحاً
الموت يطوي حياة أقدم رجل في البرلمان اليمني (سيرة ذاتية)
مقترحات من

الموت يطوي حياة أقدم رجل في البرلمان اليمني (سيرة ذاتية)

قد يعجبك أيضا :

انطلاق منصة (مال) للعملات الرقمية المشفرة برؤية إسلامية

الحوثيون يستنجدون باحفاد بلال لرفد الجبهات...ماذا يحدث؟

مصدر ميداني يكشف حقيقة سيطرة الحوثيين على الجوبه!

شاهد الصور الأولية للحوثيين من أمام منزل مفرح بحيبح بمديرية الجوبه عقب سيطرتهم عليها

عاجل...التحالف العربي يعلن تدمر مسيرة حوثية

�لحاج محسن العذري وهو من كان يسقي النواب داخل القاعة 44 عاماً. كان يشكو في الأعوام الأخيرة من التعب ومن ملاحقة أمين الصندوق. وذات يوم وجدته منتظرا عند عتبة بوابة القاعة متكئا على جنبه الأيسر على الحجر الساعة الثانية بعد الظهر، ويتنهد: «آه مات الذي كنا نعيش بجنبهم وقنبر الذي بحياتهم لا ينفعوا». كان يقولها على طريقته بلكنة صنعاني قديم. وقال إنه منتظر لأمين الصندوق «يجيء».

أمضى هذا الرجل يخدم النواب قُرابة نصف قرن. وهو الذي عاصر آباءهم وأجدادهم على امتداد المجالس السابقة (الوطني، الشورى، الشعب التأسيسي، الشورى، ومجالس النواب).

كان الحاج محسن العذري ضمن أول دفعة توظّفت في المجلس الوطني في زمن الإرياني سنة 69، وهو آخر من تبقّى من ذلك الجيل القديم. وأمضى الرجل يعمل كل يوم داخل القاعة إلى الاربعاء الفائت؛ يرتبها ويبخرها ويطوف بقوارير الماء على الصفوف. ورغم كل هذا العمر المديد فقد كان يقوم بكل ذلك العمل بمنتهى اللطف والرّحمة.

أمضى 44 عاماً يرتب القاعة ويبخرها ويقدم الماء للنواب في الصيف بارداً وفي الشتاء معتدلاً.. وبعد وفاته لم يقرأوا عليه الفاتحة .

يمد بقارورة الماء لأي نائب من ورائه «هاه يا ابني»، ورأيت القليل جدا من النواب الذين تقطع فيهم المروءة ويبتسمون لهذا الأب الحنون. لقد مات، وهم إلى الآن لا يعرفون ذلك؛ لأنه مات فجأة كنت أتوقع أنهم سيذكروه لكنهم أمس عقدوا جلستهم ولا حتى قرأوا عليه الفاتحة.

يتمتع الحاج محسن بأخلاق الموظف القديم، الذي ارتبط بالعمل في زمن ما قبل الحزبية. فهو إنسان بريء من طبائع السياسيين، أقرب إلى شخصية الرعوي البسيط الذي لا يضجر من أحد. يأكل العصيد ويتعاطى القات ويدخن سجارة خارج القاعة كل عشر دقائق.

عاصر محسن العذري كل رجالات يمن ما بعد ثورة سبتمبر، وعندما جاء باسندوة إلى البرلمان يوم تعيّن رئيسا لحكومة «الوفاق»، جاء إليه الحاج محسن إلى حيث يجلس على رأس الصف الأول قاصدا باسندوة ومد يده لمصافحته فنهض باسندوة من مكانه مذهولا وتعانقا بحرارة رجلين طاعنين في السن تربطهما معرفة قديمة وذكريات.. يومها سألت الحاج محسن: من أين يعرفك باسندوة؟ فأجاب، وقد اضطربت شفايفه وشرغت عيناه بالدموع، وهذه عادته دائما عندما يعود إلى الماضي وذكرياته: «أووووه أعرفه من أيام الحمدي. هو كان وزير يجو لعندنا هو وعبد الله الأصنج».

لا يمر الحاج محسن من أمام الصف الأول إلا نادرا، ولم يكن يحرص على مجاملة المسؤولين كما يفعل بقية الموظفين. كان فقط يذهب لمصافحة المسؤولين القدامى، الذين كان يسقيهم في عهد القاضي العرشي والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. وفي كل مرة يأتي باسندوة إلى القاعة يكتب في ورقة شيئا ويحطه في جيب كوت الحاج محسن، الذي يأتيه بكأس شاهي ويحطها أمامه على الخشب ويمضي.

يتذكر الشيخ عبدالله ويبكي، وقال: «كان يعرف ما في نفسي ويقل لي مالك غاثي يا محسن، ويكتب لي في ورقة شيء يطيّب النفس».

يدافع الحاج محسن عن أبناء جيله إذا ما تعرضوا لانتقاد أو هجوم. في إحدى المرات، وبينما كان باسندوة يقرأ البرنامج العام لحكومة الوفاق، وقاطعه نواب من المؤتمر، كان الحاج محسن واقفاً في الأخير وبيده قارورتي ماء، فتسمّر في مكانه ينظر إلى باسندوة بعينين بريئتين وقلبه معه: «أعمل جهدك يا محمد، ما تشتوا منه.. الله لا ابراكم».. كانت لحظة إنسانية وكان الحاج محسن العذري يقولها بصوت عالٍ وصادق. فكرت أكثر من مرّة أن أكتب عنه، ومطلع الأسبوع الفائت حكيت للزميل سمير جبران عن هذا الرجل بالذات، وكيف أنني أحتفظ بصور كثيرة التقطتها له قبل 3 سنوات، ومن يوم إلى آخر وأنا أتأهب للكتابة عن أقدم موظّفي مجلس النواب، إنني سأجهز تقريراً موسعاً عن قدامى مجلس النواب.

جلست مع الحاج محسن طويلا، وكان يتعجب لأني أصعد إلى المكتبة يوميا، ويتمنّى لو أنه يقرأ ويكتب. وقال لي أكثر من مرّة وهو يشير بيده الطيبة نحو القاعة: «هذولا ضيّعوا الثورة وأكلوا البلاد».

وفي اليوم الذي وقفت فيه القاعة لقراءة الفاتحة على الشيخ عبد الله، كان الحاج محسن في الخلف رافعا يديه ودموعه تذرف بحرقة. وأنا إذ أسجل هذه الشهادة من فم هذا الإنسان البسيط، كانت عيونه تشرغ بالدموع، عندما أسأله عن هؤلاء الأشخاص، الذين عايشهم عن قرب: الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، والقاضيين الارياني والعرشي، والشيخ سنان أبو لحوم. يتذكرهم ويتنهد: «إيييه، الله يرحمهم، هولاك طيبين، آه كان سنان أبو لحوم يهز الدنيا هزوز وعاد هذي القاعة هنجر، وكان يحول لي بعض الأحيان براتبه كامل؛ شله لك يا محسن». وأضاف الحاج محسن: «رحم الله هذيك الوجيه، كان الشيخ عبد الله -الله يرحمه- يعرف ما بنفسي بدون ما أقدم له ورقة، ويدعيني: مالك ضابح يا محسن. ويكتب لي في ورقة، يكتب فيها حاجة تطيب النفس». وقال إن العرشي كان يرصد له مكافآت «أما الراعي فبخيل لا يرحم ولا يسأل من حد، حرام ما قد طلعت إلى عنده للمنصة طلعة».

ورغم هذه العقود الطويلة التي أمضاها في البرلمان كأقدم موظّف يتقاضى الحاج محسن راتبا زهيدا بدرجة رئيس قسم، ومات هذا الإنسان الوديع دون أن يحصل على شهادة تقدير أو تكريم واحدة.

قال إن سنان أبو لحوم كان «يهز القاعة هزوز وعادهي هنجر، وكان يحول لي بمعاشه: شله لك يا محسن».

إنها مأساة البرلمان التي تفيض من زوايا و«أخزاق» جدرانه القديمة. قال إن الشيخ عبد الله كان يعامله كصديق «وكان يجيء يسأل منّي بعد الإجازة: أين محسن العذري؟ كان يرحم». وفي السنوات الأخيرة تعكر الوضع الوظيفي مع الحاج محسن، ووجدته قبل سنتين وبيده ورقة يتابع ضد قرار يقضي بإحالته على المعاش: «يشتونا نتقاعد، يشتو يقطعوا ارزاقنا هذولا الفجرة»، كان يصيح كأي إنسان متقدّم في العمر ولا يأبه لأحد. يومها سألته وصورته عن أشخاص عديدين وصورته أكثر من مرة، وهو شخص لم تعد تعلق في ذاكرته إلا أشخاص محدودون، وقال لي يومها إن الأمانة العامة أرادت إحالته للتقاعد أيام الشيخ عبد الله فرفض الشيخ وقال لهم: «أنا ومحسن العذري دخلنا المجلس الوطني سوى ونجلس سوى لا تغثوه». ورفض الشيخ عبد الله قرار إحالة الحاج محسن للتقاعد. يتذكر الحاج محسن أيام السبعينيات ويوم جاء الرئيس الحمدي لإغلاق مجلس الشورى سنة 1975 وكيف وصل الحمدي بنفسه ومعه محمد خميس «وأغلق المقدم إبراهيم تيّه الباب بيده، قفل أبوه وزاد سمره بمسامير، وهو يقول اغلقوا باب الأبالسة». وأضاف الحاج محسن: «ما كن بش حد يجيء إلا أنا وواحد، كان الحمدي راكن علي أحرس المجلس، وكان محمد خميس يجيء يز
ورنا كل خميس ويدّي لنا مصروف، وقال لنا كوزروا هنية بقعتكم».

كان الحاج محسن مسؤولا عن القاعة، من حيث نظافتها وترتيبها ومسؤولا عن توزيع الماء للأعضاء، وهو الوحيد الذي كان يعطي الصحفيين ماءً. رغم أنه قال لنا: «هم ما يشتوناش نسقيكم، كونوا اشتروا لكم من خارج». كان الرجل مولعا بالقات والسيجارة، وكان يأتي في العصر ومعه ابناؤه لتنظيف القاعة وتجهيزها، وفي الصباح يصحو مبكِّرا ليوزّع الماء. كان يحرص أن يقدّم لهم الماء معتدلا ودافئا في الشتاء، وفي الصيف يقدمه لهم باردا.

يحكي عن كل المجالس السابقة وعن برلمان الوحدة «الذي كان داخله كمّن راس.. كان العطاس يجي لعندنا بنفسه»

وحدثني الحاج محسن عن أبرز وجوه المجالس السابقة، وسألته عن الدكتور ياسين سعيد نعمان، فقال: «إييه هذاك كان متعلم، داهية الله». وأضاف يجيبني باختصار عن أسئلتي التي كنت أطرحها عليه على طريقة «مجبر عادي»: «كيف كان مجلس النواب حق الوحدة يا عم محسن؟". فيرد: «بببب ببب ببب، كان بو كمن راس، كان العطاس يجي لعندنا، وكانت القاعة تمتلي للباب، كان بو رجال الله، قلك هذولا، وكان بو نسوان متعلمات من حق عدن». وقال إن ياسين سعيد نعمان: «ولي الله». وعن أعضاء المجلس الوطني سنة 69، رد الحاج محسن: «أهيييه، كم أعد لك كم، قد نسيتهم. قد ماتوا، كان في أحمد علي المطري، والشيخ عبد الله وسنان أبو لحوم، وعلي عبد الله المقداد، والقاضي الشماحي، والعواضي». وسألته عن أعضاء مجلس الشعب التأسيسي، فوجدت أن الرجل، بحكم العمر، يخلط بين أعضاء المجالس الثلاثة. لكنه يتذكّر أيام ما كان القاضي الارياني يأتي إلى القاعة مكللا بـ«الوقار». وكيف كان القاضي العرشي يضبط جلسات مجلس الشعب التأسيسي ومجلس الشورى في الثمانينيات. وقال ضاحكا: «ما كانشي يقدروا يخرجوا يبولوا إلا بإذن».

وقال إن سنان أبو لحوم كان يجلس على رأس الصف الأول، وكانت المشاكل محدودة. ويضيف: «أما اليوم قد هم يدخلوا بالمسدسات والجُعب لو يقع فتنة ما عادبش عُقال، الله يستر». ويحكي كيف أن الشيخ عبد الله: «كان يداري المشاكل ويحترم الناس، ويهدئ الأمور عندما تحمى». وقال إن بن الشايف: «شر منفّر». وأضاف: «يا بني ابن الشايف هذا شر، شر الله يستر بس».

قال إن ياسين سعيد نعمان «متعلم.. داهية الله» وان «ابن العواضي وابن هايل سعيد» أكثر شخصيتين من الموجودين كانا يقدرانه.

وقال، قاصدا أعضاء البرلمان الحالي: «كلهم جهال، والراعي كل يوم يتصايح له هو وخلق الله، ويوم اعتدى على صاحب تهامة». يقصد صخر الوجيه. وسألته عن أفضل الأشخاص، الذين يقدرونه اليوم؟ فرد علي فورا: «ابن العواضي، وعبد الواسع ابن هايل سعيد أنعم». ثم أضاف: «الأولين كانوا تمام، أبوّتهم». يقصد آباء النواب الحاليين، حيث إن نسبة التوريث في البرلمان كبيرة: «كان الأولين يرحموا ويتكلموا مع المساكين، ذلحين قد اختلف الوضع، كل واحد مشغول بمشروع يتابعه، كلهم مقاولين، لا يشبعوا ولا يقنعوا».

الخبر التالي : تعز : العثور على جثة مواطن (بدون رأس) بمفرق شرعب

الأكثر قراءة الآن :

هام...قيادي بارز في المجلس الانتقالي يُعلن استقالته(الإسم)

رئيس مجلس الشورى يحث واشنطن على ممارسة ضغط أكبر على الحوثيين !

منظمة ميون تجدد مطالبتها للحوثيين بفك الحصار على مديرية العبديه

بحوزة سعودي ومقيم...السلطات السعوديه تحبط تهريب شحنة مخدرات ضخمة

الخدمة المدنية تعلن يوم الخميس اجازة رسمية

مقترحات من