الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٨ مساءً

من قتلنا هاهنا في مساجدنا؟!

حسين الصوفي
السبت ، ٢١ مارس ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٤٨ مساءً
الجمعة عندنا عيد، شعبنا الوحيد أطيب شعب،
رقيق القلب، صادق المشاعر، يألف ويؤلف، جياش العاطفة..

كلنا نذهب للصلاة في المساجد، نجتمع بحب، نتسابق إلى الجمعة الصغار قبل الكبار ، نحمل أطفالنا على أكتافنا ونخرج متزينيين بملابسنا المعطرة، وابتسامات الصغار..
نتسابق أيضاً في حمل "المشاقر" ننثرها في أرجاء المساجد لأنه يوم الجمعة
عقود طويلة وقرون، يعرفنا العالم أننا أصحاب "المصافحة" وأننا المتصافحون.

كل جمعة ، عقب أن نلتفت يمنة ويسرة، بالسلام من الصلاة، نمد أيدينا لبعضنا ونهنئ كلنا بكلنا ، "جمعتكم مباركة"

هي عيدنا وعادتنا، هي تقليدنا وقلادة ثقافتنا،
هي جمعتنا واجتماعنا، حفلنا وبهجتنا، تصافحنا وصفحنا ومصافحاتنا، وعبادة مقدسة فوق ذلك.

والقاتل أخطئ الحساب وغاب كل شيء عن حسبانه
حضرت أرواحنا في مواكب الشهداء، ونزفنا الدم الغالي على فرش المساجد، وكنا هنا، بكامل جاهزيتنا الروحية، بابتساماتنا، برائحة عطر أطفالنا، بنا نحن.
انا طفلٌ أبكي والدي الذي حملني إليه ، إلى بيت الله، سأعود بدون أبي ، مضرجاً بدمه ، مسكونٌ بآخر كلمات الفجيعة الممزوجة بدوي القنبلة الغادرة، ولون البارود القاتم.

هنا مات أبي ، على أرض المسجد الطاهرة، كنتُ قد قلت له "جمعتك مباركة" وكان القاتل يتحضر لقطف روحه قبل أن أقبّل رأسه كتقليد أسبوعي عقب الصلاة.

وأمي تعيش الفجيعة الآن، تبكي بدهشة مكسورة، لقد عدتُ وحيداً يا أماه، عدتُ يتيماً، جريحاً مفجوعاً ، قلقاً مقتولة طفولتي، لا أصدق أنني في غمضة عين فقدتُ كل شيء!
وهناك يا أمي أبٌ يعود بلا إبن، يعود بلا مهجة، بلا فلذة كبد، يحمل طفله المغدور بين يديه، يتعطر بدمه الطافح بالبراءه، يثجّ من رأسه الموت الذي دخل إلى بيت الله، إلى الطهر والطهارة إلى القلب اليمني البريء الصادق الطيب حد السذاجة، العفوي المتدين.

نحن هنا يا أماه، والقاتل تسلل إلى أوساطنا يحسب أننا نسكن أحياء "طائفية" ويتوهم ان مساجدنا تقوم على الفرز القبيح!

واهمون يا أماه، ويتخبطون الآن..
قتلونا وقاتلونا، لكنهم لن يسفكوا قيمنا وثقافتنا، وإخوتنا ونسيجنا الكبير القديم
نحن أقدم منهم ، وأكبر منهم، وأعرق منهم
نحن العروبة التي صنعت التسامح، ونشرت قيم الفضيلة،
شخصياتنا مبنية على الزهد والطيبة
من قتلنا يا أماه لن يقتل فينا الذات اليمنية..
من هو القاتل يا أمي؟!!