الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٩ صباحاً

ضوء في نفق الحرب المظلم

فهمي هويدي
الثلاثاء ، ١٤ ابريل ٢٠١٥ الساعة ١١:٤١ صباحاً
إشارات انفراج الأزمة اليمنية بدأت تلوح في الأفق، على نحو يمكننا من القول بأننا مقبلون على أسبوع حاسم قد يضع نهاية للحرب العبثية الدائرة هناك.

(1)

إعلان تعيين السيد خالد بحاح نائبا لرئيس الجمهورية (الأحد 12/4) يعد أبرز تلك الإشارات. فالرجل البالغ من العمر خمسين عاما يلقى قبولا من كل الأطراف. ولذلك عين في العام الماضي رئيسا لحكومة التوافق الوطني (كان في السابق وزيرا للنفط ومندوبا لليمن بالأمم المتحدة). وإلى جانب انتمائه إلى الجنوب (من حضرموت) وخبرته الطويلة في العمل العام، فالمهم أنه كان مرشح الحوثيين في وقت سابق ليكون على رأس المجلس الرئاسي الذى اقترحوه لحكم اليمن. وهو ما يعني أن اختياره نائبا للرئيس إلى جانب رئاسته للحكومة بمثابة نقطة التقاء بين الطرفين المتحاربين.

والذى لا يقل أهمية عن ذلك أن تعيينه في المنصب يعد مقدمة لتراجع دور الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتمهيد لخروجه من المشهد السياسي. خصوصا أنه أبدى رغبة في ذلك بعد إجرائه عملية القلب المفتوح، وقد أصبح خروجه من السلطة في المرحلة القادمة مسألة وقت متفقا عليها بين مختلف الأطراف، بمن فيهم المملكة العربية السعودية.

وفى حين أعلن نبأ تعيين السيد بحاح نائبا للرئيس في الرياض، فإن اجتماعات مهمة كانت تعقد بعيدا عن الأضواء في صنعاء بين الطرفين المتحاربين لإيجاد مخرج من الأزمة. وحسب معلوماتي التي استقيتها من سياسي يمني رفيع طلب عدم ذكر اسمه فإن الاجتماعات بدأت بعد انطلاق غارات التحالف، في وقت متزامن مع انعقاد قمة شرم الشيخ (في 28 مارس/آذار الماضي). وقد استضافها في مقره بصنعاء أحد الدبلوماسيين اليمنيين السابقين المستقلين، واشترك معه في ذلك نائب سابق لرئيس الوزراء شغل قبلا منصب وزير الداخلية وهو مقرب من حزب المؤتمر.

ومن الطرف الممثل للحوثيين كان هناك محافظ سابق لصعدة، ومعه أحد ممثلي الطائفة الإسماعيلية. وقد انضم إلى المباحثات هذا الأسبوع ممثلون عن الناصريين والحزب الاشتراكي. ولم يبق خارج الحوار من ممثلي القوى السياسية الفاعلة إلا حزب الإصلاح الذي اعتقل الحوثيون أغلب قياداته.

حسب تعبير السياسي اليمني المتابع لمشاورات صنعاء فإن موضوع البحث الأساسي هو كيفية وقف الحرب وإنهاء السلطة العسكرية للحوثيين تمهيدا لمشاركتهم في السلطة السياسية. وهو ما يقتضي ثلاثة أمور هي: انسحاب الحوثيين من المناطق التي تمددوا فيها، وتحول "أنصار الله" الذين يمثلونهم إلى حزب مدني ومشاركتهم في السلطة جنبا إلى جنب مع الأحزاب اليمنية الأخرى.

وتحت هذه العناوين تندرج تفصيلات كثيرة يفترض أن يحسم أمرها هذا الأسبوع. لكن ورقة الاتفاق النهائي لم تستكمل بعد. وحسب المعلومات المتوفرة فإن السيد عبد الملك الحوثي القيادي المعروف يتابع المباحثات بصورة يومية من مقره في صعدة، وهو الآن من مشجعي التوصل إلى اتفاق، خصوصا بعد إضعاف موقف أنصاره عسكريا، رغم تمددهم النسبي على الأرض الذي اقترن بالنقص الكبير في الوقود والمواد الغذائية، إضافة إلى الشلل الذي أصاب المرافق العامة.

(2)

الذي لاشك فيه أن كثافة الضربات الجوية التي شنتها طائرات التحالف الذي قادته السعودية (1200 طلعة حتى الآن) وحجم الدمار والترويع الذي حدث نتيجة لذلك كان لهما وقع الصدمة التي قلبت موازين المواجهة. ذلك أن الثمن الباهظ الذي دفع لم يعرفه اليمن في تاريخه منذ عهد مملكة سبأ في القرن العاشر قبل الميلاد كما ذكر السياسي اليمني. وهو ما ينطبق عليه القول بأن العملية العسكرية نجحت لكن اليمن انكسر ودمر العمران فيه، حتى وصفت عدن مثلا بأنها أصبحت مدينة أشباح.

لذلك لم يبالغ تقرير خبيرة مجموعة الأزمات الدولية الذي أعدته "ابرل لونجلى آللي"، حين ذكرت أن هذه الحرب من قبيل الحروب التي لا يخرج فيها أي طرف منتصرا. فالهوة صارت أعمق بين الزيود والشوافع، والحوثيون الذين تمددوا في أرجاء اليمن ضعفوا كثيرا، والرئيس السابق علي عبد الله صالح اللاعب الأكبر والأخطر في الساحة انتهى سياسيا، والجيش الذي أعده تلقى ضربات قاصمة، ودمرت معه القدرة العسكرية اليمنية، وحزب الإصلاح (إخوان اليمن) الحليف الرئيسي للسلطة الذي أيد غارات التحالف خسر التأييد الشعبي له، والسعودية التي كسبت المعركة العسكرية خسرت تأييد الشمال اليمني وحملها المثقفون مسؤولية الدمار الذي حدث، ومجلس التعاون الخليجي الذي حصنت مبادرته علي عبد الله صالح أصبح غيابه محل سخرية وتندر، وإيران خسرت أيضا بوقوفها إلى جانب الحوثيين ومساندتها الاستيلاء على صنعاء وتمددهم صوب عدن في الجنوب.

وإذا صح أن تنظيم القاعدة حقق بعض المكاسب، سواء باعتباره حائط الصد ضد الحوثيين أو لأن أنصاره أطلقوا سراح المئات من رفاقهم المسجونين، فتلك أيضا خسارة من وجهة نظر المصلحة اليمنية العليا.

يرى البعض أن ما جرى لم يخل من إيجابية، تمثلت في انكشاف الدور الخطر للرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي أعد عدته للعودة إلى السلطة بعدما أمضى في منصبه ٣٣ عاما، فهو من شجع الحوثيين على احتلال صنعاء وهو من دفعهم إلى الزحف على الجنوب، ثم أبدى استعدادا للانقلاب عليهم بعد بدء غارات التحالف. وكانت النتيجة أنه فقد ثقتهم ولم يتخل عن عدائه للقوى الوطنية، كما أنه فقد ثقة المملكة العربية السعودية التي رعته طول الوقت.

وقد أدرك الرجل أنه بات مرفوضا من الجميع، حتى بات يبحث الآن عن مكان يلجأ إليه خارج اليمن. وكانت المملكة المغربية مرشحة لاستضافته في السابق، إلا أنه أرسل في الأسبوع الماضي وفدا يمثله إلى سلطنة عمان التي كانت قد استضافت بعض قادة الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب، ورأس الوفد وزير خارجيته أبوبكر القربي.

ورغم ما قيل عن أن الوفد يطرح مبادرة للسلام، وأنه بعد مسقط يعتزم زيارة القاهرة وموسكو وواشنطن، فإن فكرة المبادرة ليست سوى غطاء لمحاولته البحث عن مكان يلجأ إليه بثروته التي نهبها طوال سنوات حكمه بعدما صار مرفوضا من جانب كل الأطراف (الشائع أنه هرب أمواله إلى الخارج وله استثمارات كبيرة في دبي، التي نشط في تحويلها إلى مصارفها بعدما عين ابنه أحمد سفيرا في "أبوظبي").

هكذا فإن خروج علي عبد الله صالح الذي يوصف بأنه "رأس الأفعى" من المعادلة السياسية ومن اليمن، بات يعد في نظر الطبقة السياسية الإيجابية الوحيدة للحرب التي وقعت.

(3)

الأطراف الخارجية ليست بعيدة تماما عن المشاورات الراهنة للخروج من الأزمة، صحيح أن الدول العربية التي أيدت "عاصفة الحزم" لم تعد طرفا في الحل السياسي، وأن دور سلطنة عمان بات مقصورا على حدود الوساطة التي لم تتهيأ ظروفها بعد. كما أن السفراء الأجانب غادروا صنعاء، وكان السفير الروسي آخرهم، حيث غادر هذا الأسبوع بعد إجلاء آخر خبير روسي في اليمن، إلا أن هناك دولتين لا تزالان في قلب المشهد هما: الولايات المتحدة وإيران.

فالولايات المتحدة ظلت طول الوقت على صلة بكل الأطراف لأسباب عدة على رأسها أنها تعتبر وجود تنظيم القاعدة في اليمن بالقرب من باب المندب بمثابة تهديد مستمر لمصالحها. وقد سبق أن أشرت إلى ما نقلته الصحافة الإسرائيلية عن اتصالهم بالحوثيين وعلمهم المسبق بمخططاتهم.

لذلك فإنه في حين عاد السفراء الأجانب إلى بلادهم، فإن السفير الأميركي لدى صنعاء مايتو تويلر لم يعد إلى واشنطن، لكنه نقل محل إقامته ومعه نشاطه إلى الرياض، بالقرب من ترتيبات الوضع اليمني المقبل، وحيث يوجد الرئيس عبد ربه ونائبه خالد بحاح، وإذ يتابع ما يجري بهذا الخصوص من العاصمة السعودية، فإنه على اتصال بالمشاورات التي تجري في صنعاء، ومعلوماتي أنه يتابع نتائجها أولَ بأول.

إيران ليست بعيدة عما يجرى. وحضورها ليس ممثلا في البوارج التي أرسلتها إلى باب المندب فحسب، ولا في الجولات التي يقوم بها وزير الخارجية والمبعوثون الذين تم إيفادهم إلى مختلف دول المنطقة داعين إلى حل سياسي للأزمة، بل إن لهم حضورا أهم وأخطر، إذ لم يعد سرا أن طهران تظل المرجع الأساسي الذي يرجع إليه الحوثيون في قراراتهم السياسية.

وهذا ما كشف عنه الدكتور عبد الكريم الإرياني المستشار السياسي للرئيس اليمني ورئيس الوزراء الأسبق، الذي كان أحد المفاوضين مع الحوثيين قبل احتلال صنعاء في حوار نشرته له صحيفة 26 سبتمبر اليمنية في 11 ديسمبر/كانون الأول عام 2014. إذ قال إن أمورا تم الاتفاق عليها مع الحوثيين لم يحسم أمرها إلا بعدما تلقت صنعاء موافقة طهران عليها، من خلال وسيط عماني.

لسنا نبالغ والأمر كذلك إذا قلنا إن ما ستسفر عنه المشاورات الجارية الآن في صنعاء، سيؤخذ فيه رأي طهران. ولن يلتزم به الحوثيون إلا إذا تلقوا تلك الموافقة. بسبب ذلك فإنني أزعم أن التصعيد المتبادل الحاصل الآن بين الرياض وطهران لا يخدم مساعي الحل السياسي، وهو ما يسري أيضا على مجمل التعبئة الحاصلة من مختلف المنابر في العديد من الدول العربية، وبينها مصر التي بالغت كثيرا في الخطر الإيراني وأججت المشاعر ضد الفرس تارة وضد الزيود تارة أخرى.

ولم تقصر الأبواق السلفية في ذلك حتى إن أغلب خطب الجمعة خصوصا في الحرم المكي باتت مكرسة للهجوم عليهم باعتبارهم من "الروافض". (من سخرية الأقدار أن المصطلح أطلقه مؤسس المذهب الزيدي زيد بن علي زين العابدين (حفيد الإمام علي بن أبي طالب) حين طلب منه نفر من أهل الكوفة أن يتبرأ من الصحابيين أبو بكر وعمر، وحين امتنع عن ذلك قالوا له إنا نرفضك فرد عليهم قائلا: اذهبوا فأنتم الرافضة، ثم دارت دورة الزمن وأصبح السلفيون يتهمون الزيود بأنهم رافضة!).

كنت أحد الذين انتقدوا سياسة إيران في اليمن ودعمها غير المتحفظ للحوثيين، كما انتقدت التصريحات التي خرجت من طهران على لسان مستشاري المرشد ورئيس الجمهورية وبعض الكتاب، التي تباهت بتمدد النفوذ الإيراني إلى أربع عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء) وكان رأيي ولا يزال أن ما خص اليمن كان راجعا إلى سوء تقدير وغرور غير محسوب إضافة إلى الجهل بحقائق الوضع في اليمن وحتى المذهب الزيدي ذاته.

لكن نقد السياسة الإيرانية والاختلاف معها شيء، واعتبار إيران عدوا إلى جانب إشعال نار الفتنة بإعلانها حربا بين الشيعة والسنة شيء آخر ما كان ينبغي التورط فيه.

ولئن تمنيت أن يعطى الأمر حجمه الطبيعي في حينه، فإن هذه الدعوة أصبحت الآن أكثر إلحاحا ليس فقط لأسباب إستراتيجية مفهومة، ولكن أيضا لأننا بحاجة في الوقت الراهن إلى التهدئة وإلى صوت العقل في إيران، للإسهام في إنجاح مفاوضات الحل السلمي الجارية في صنعاء ووقف كارثة الحرب الدائرة.

* الشروق المصرية