الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٦ مساءً

في اليمن .. نفذ الغذاء قبل السلاح

مارب الورد
الثلاثاء ، ١٩ مايو ٢٠١٥ الساعة ١٠:٠١ صباحاً
مأرب الورد

لم تكد تمر سوى أيام قليلة على عملية عاصفة الحزم إلا وبدأت تظهر مأساة إنسانية لم يكن أحد يتوقعها على الأقل بهذه السرعة,بدأ الناس يبحثون بشكل كبير عن تأمين احتياجاتهم من المواد الغذائية خوفا من الاسوأ مستحضرين من الذاكرة ما اعتادوا عليه في التجارب السابقة،لكن المفاجأة كانت صادمة وغير متوقعة خاصة عندما تختفي أو تنفذ مادة غذائية أساسية كالدقيق ولم يعد أحد يجده إلا نادرا وبسعر مضاعف.
نحن نتحدث عن أيام معدودة من الحرب وليس عن شهر أو أكثر لنتفهم أو يبدو غياب أو نفاذ مادة حيوية كالدقيق غير مفاجئا قياسا بظروف الحروب والأزمات.
وعلى الرغم من تبشير وزارة الصناعة والتجارة - التي يسيطر عليها الحوثيون مثل غيرها من مؤسسات الدولة - أن المخزون الغذائي يكفي لشهور إلا أن هذا التطمين سرعان ما تبدد وتحول إلى سراب بعد دخول البلاد في حالة شح غذائي في غضون أيام في الوقت الذي كلما رأينا طيران التحالف يقصف مخزنا للسلاح أو معسكرا ظننا أن القدرات العسكرية ستنتهي سريعا مع وجود عدد كبير من الطائرات تشارك في تنفيذ العمليات الجوية.
وهذا الاعتقاد ليس فرحا بتدمير قدرات بلد وإن كانت دولته مختطفه بيد مليشيا وإنما تساؤل عن كيفية تفكير النظام السابق وكيف اهتم بالسلاح بما يؤمن حكمه وتجاهل ايجاد مخازن غذائية ودوائية تكفي البلاد في أصعب مراحلها لسته شهور وهو الحد الأدنى لأي بلد في العالم.
ماذا يريد المواطن من بناء معسكرات وتسخير 40 في المائة من موازنة الدولة لصالح الجيش الذي اتضح أن ولائه لشخص الحاكم وليس للشعب وهو لا يجد احتياجاته الضرورية ولا يستطيع تأمين الكيس الدقيق وأسطوانة الغاز المنزلي على الرغم من أنه بلد مصدر للغاز.
الناس يريدون أمنا غذائيا قبل الأمن العسكري,يريدون المواد الغذائية متوفرة وبأسعار في متناول الجميع في السلم والحرب ولا يفرق عندهم إن كان بلدهم منتجا أو مستوردا وإلا ما وظيفة الدولة إن لم تعمل على تأمين ضرورية حياة مواطنيها بما في ذلك وقت الأزمات؟
اعتدنا أن يستغل بعض التجار الجشعين الذين لا ضمير لهم إلا التفكير بجيوبهم أوقات الأزمات لإخفاء المواد الغذائية الأساسية ﻷجل الربح لكن أن تختفي مثل هذه المواد في بضعة أيام بينما مخازن السلاح والذخيرة رغم نهبها منذ شهور وتدميرها من قبل طيران التحالف لم تنفذ ولم تكمل,فهذا يوضح ببساطة كيف كان يغلب نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أدوات القوة ليبقى حاكما على أبسط واجباته وهو تأمين احتياجات شعبه.
سيقول البعض إن صالح لم يعد رئيسا منذ 2012 وهذا صحيح وسنتجاوز هنا مسألة تأثيره وتحكمه بمفاصل الدولة حتى بعد خروجه شكليا من السلطة على اعتبار أن هذا ليس مقام حديثنا لنجيب بالقول إن تجربة حكمه كانت شاهدة على بناء جيشه وتسليحه بأحدث الأسلحة في حين ترك شعبه فقيرا جائعا مؤسسات دولته المعنية عاجزة عن تأمين ما يحتاج في كل الظروف والأحوال.
لقد كان من التجارب السيئة والتي ستظل خالدة في ذاكرة اليمنيين من مرها وجورها سيطرة مليشيات الحوثي على الدولة بدءا باجتياح العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 وانتهاء بالحلقة الأخيرة من مسلسل الانقلاب بالسيطرة على مقار الرئاسة ورئاسة الحكومة وما تلاها من نكبات وكوارث حلت باليمنيين أرضا وإنسانا.
هذه الحقبة السوداء من تاريخ اليمن شهدت عملية نهب واسعة لمقدرات الدولة وصلت حتى سرقة مخصصات المؤسسات الحكومية من المشتقات النفطية بما فيها المستشفيات لصالح ما تسميه المليشيات الانقلابية"المجهود الحربي"،وهو حربها على اليمنيين الذين تنظر إليهم كأنهم دواعش وتكفيريين يجب محاربتهم ونهب ممتلكاتهم وتفجير منازلهم في سابقة لم تحدث من قبل.
إن اليمنيين أمام منعطف تاريخي لطي صفحة عقليات التفكير بالقوة للبقاء بالحكم والانتقال إلى مرحلة يكون فيها الشعب هو صاحب القرار الأول باختيار من يراه مناسبا ومن يحق له تغييره بطرق سلمية حضارية تنهي عصر التداول العنيف للسلطة والحروب.