الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٠٦ مساءً

حرق الدوابشة... وعَالَم سكسونيا

إحسان الفقيه
الأحد ، ٠٢ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ٠٤:٣٨ مساءً
ذكر المؤرخون أن القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي بعدما فتح "سمرقند"، دون أن ينذرهم قبلها بإحدى ثلاث: (الإسلام أو الجزية أو القتال).. أرسل أهل البلاد إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، بأن القائد خالف تعاليم الإسلام ودخل بلادهم بغتة.

فلما وصلت الرسالة إلى عمر، أمر القاضي "جُميع" بأن يفصل بينهم في النزاع ، فوقف القائد الذي خلف "قتيبة" أمام كهنة سمرقند في محكمة تاريخية، لم تعرفها البشرية إلا في ظل الحضارة الإسلامية، فكانت المفاجأة.

القاضي يأمر بأن يترك المسلمون كل ما بأيديهم مما اغتنموه، وينسحبوا من المدينة دون التعرُّض لأهلها بسوء، ثم ينذرهم قائد المسلمين بإحدى هذه الثلاث قبل دخولها.

وكان مشهدا مهيبا، جعل كثيرا من أهل سمرقند يدخلون في الإسلام، بعد هذه الملحمة الأخلاقية الرائعة.

*ذلكم طرف من روائع حضارتنا، التي كانت الأخلاق والقيم إحدى دعائمها الرئيسة، تلك القيم التي تميزت بثباتها لأن مصدرها وحي السماء.

فقيمنا مع مرونتها لا تتبدّل أو تتأرجح وفق النفعية والمصلحية، إنما هي قيم ثابتة في التعامل مع المسلم وغير المسلم، لذا قدّمت الحضارة الإسلامية نموذجا خلابا في جانب الأخلاق والقيم.

*ذلك الثبات القيمي الذي أوقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أمام القاضي في خصومة مع يهودي سرق درعه، ولم تكن ثمة بيّنة لدى علي، فحكم القاضي لليهودي بالدرع، فأذعن أمير المؤمنين لحكم القاضي.

فلما رأى اليهودي ذلك المشهد أقرّ بأن الدرع لأمير المؤمنين، ودخل في الإسلام.

*تلك هي قيم الإسلام، فماذا عن قيم الغرب والتي تأثر بها وتشبّع بها فئامٌ من لئام بني قومي؟
إن الغرب الذي تمرد على الفطرة البشرية، ظل يكافح عن نسبية القيم والأخلاق، ويحاول إثباتها وترجمتها، لتنسجم القيم مع مصالحه ورغباته.

وعبثا حاول الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانت" (كانط) أن يغير اتجاه الغرب في اعتماد نسبية القيم عندما قال: "شيئان يملآن اعجابي سماء مُرصّعة بالنجوم وضمير يملأ قلبي".

فالفكر الفلسفي الغربي قد اجتاحه الاضطراب في تحديد المبادئ التي ترجع إليها القيم، فجعل مردّها إلى القوة والمنفعة واللذة ونحوه.

ونتج عن ذلك ازدواجية المعايير، وهو ما تعاني منه البشرية التي هيمن عليها الغرب بعد أن حبسوا المارد الإسلامي في القمقم.

فأصبح العالم يتبع قانون سكسونيا، هل تدرون ما هو قانون سكسكونيا؟

*هو قانون ابتدعته مقاطعة سكسونيا الألمانية في القرون الوسطى، وبموجبه تُطبّق العقوبة وفقا للطبقة التي ينتمي إليها الجاني.

فالمجرم من طبقة الرعاع العامة يعاقب بقطع رقبته، وأما إن كان من طبقة النبلاء، فعقابه هو قطع رقبة ظله.

فيؤتى بهذا النبيل بعدما يستطيل الظل، ثم يأتي الجلاد لتنفيذ العدالة، ويهوي بالفأس على رقبة ظل الجاني، وسط هتافات الجماهير من أجل تنفيذ العدالة.

ابتسم وصدِّق ما قرأته عيناك، فأنت في عالم سكسونيا...

*كل يوم يمضي على البشرية يُثبت أن العالم يتعامل وفق هذا القانون، خاصة في القضايا التي تتعلق بالمسلمين، أصحاب الدماء الرخيصة، لِمَ أصبحت رخيصة؟ لأنها هكذا لدى حُكّام المسلمين، الذين استباحوا دماء الرعية، وسلبوها آدميتها وإنسانيتها، وشاركوا الغرب في "سكسونيتهم" فلم لا يتجرأ الغرب على دمائنا؟

*إن حادث إحراق الرضيع الفلسطيني "علي دوابشة" على يد مسوخ المستوطنات الصهيونية كان آخر ما طالعناه من شواهد ازدواجية المعايير في العالم عندما يتعلّق الأمر بشؤون المسلمين.

هذا الحادث المروع يفرض على ذاكرتنا المُعبّأة بالمآسي أن تستخرج من أرشيفها مشاهد أخرى على سبيل المقابلة.

*بعد أن وقع حادث صحيفة "شارلي إبيدو" ثارت الدنيا للحدث، وانهالت دموع التماسيح العربية، ورأينا المسيرة التاريخية في شوارع باريس، يتأبط زعماء العرب من يتأبّطون ذراعي نتنياهو من زعماء الغرب، والسبب أن مُنفّذي الحادث كانوا مسلمين.

*ومما يثير الضحك والاشمئزاز أيضا، أن الغرب قد مرّت عليه حادثة كنيسة تشارلستون جنوب أمريكا مرور الكرام، تلك الحادثة التي راح ضحيتها تسعة من السود على يد أحد البيض العنصريين.
لا عليك، فهو ليس مسلما لكي تقوم الدنيا ولا تقعد، هو من السادة البيض (منا وفينا) فلا ضير، فلنُركّز على جرائم المسلمين.. (هكذا يفكرون).

*فهل ننتظر من أصحاب القلوب الرقيقة في أمريكا وأوربا مسيرة ضد هذه العنصرية المقيتة التي راح ضحيتها رضيع فلسطيني؟

وهل سيقوم حكامنا المبجلون أصحاب العاطفة الحية بإطلاق التهديدات والوعيد ضد الكيان الإسرائيلي كما توعدوا الإرهابيين المسلمين؟

أكادُ أسمع ضحكاتك الساخرة يا صديق ويا شقيق، وحُقّ لك أن تضحك وتسخر في مجاعة الضمير العالمي والعربي، لا عليك فأنت في عالم سكسونيا..!!

نعم كان منظرا بشعا عندما أُحرق ابن بلدي معاذ الكساسبة حيا، واشتعلت صفحات مواقع التواصل الإجتماعي برثائه وأهله وعشيرته، وتابعنا في الوقت ذاته تصريحات الحكام والزعماء والنخب السياسية والإعلامية والثقافية في شتى بقاع الأرض.

كانت ثورة على الإرهاب، وعلى المفاهيم الإسلامية المغلوطة، وتفتّق عنها ضرورة تجديد الخطاب الديني، وتنقية المنهج الإسلامي من نزعات التطرف والعنف..

(هكذا يفكرون..ويقولون).

*حسنا، فماذا عن قيام اليهود المُتطرّفين بإضرام النيران في بيت العائلة الفلسطينية وحرق الرضيع حيا؟

هل كانت داعش في ذلك البيت ام كانت زجاجة حليب (الرضيع عليّ) مفخخة بالمُتفجّرات الداعشية حينها؟

أين الثورة على التطرف الديني اليهودي؟

أين دموع العالم على مشهد الرضيع المحترق الذي يُفتّت الأكباد...(عفوا أكباد الأحياء فقط...).

أين إعلان الحرب على الصهيونية والإرهاب اليهودي؟

*إنها ذات البشرة، وذات النيران، وذات الجُرم، فما لكم تصمتون؟

وعندما تكلمتم...فليتكم لم تفعلوا..

ما أروعك يا عباس وأنت تسير في شوارع باريس مع نتنياهو الذي يسفك دماء شعبك الفلسطيني، مُندّدا بالإرهاب، كنت وسيما رائعا مُذهلا يا هذا.

وكنت أجمل عندما انتهزت فرصة إحراق الرضيع الفلسطيني لعمل (شو إعلامي استعراض)، وإعلان التوجه إلى الجنائية الدولية.

لعلك اشتقت إلى الظهور من جديد على الساحة الدولية.. لكن لا تنسَ يا عباس أنك قدمت أعواد الكبريت للصهاينة لإحراق "علي دوابشة".

نعم أضرمت قبلهم النار وأنت تتنكر للمقاومة وتقمعها وتلاحق عناصرها، وتُقدم فروض الولاء والطاعة لسادتك أصحاب القلنسوات، ولا عزاء للمُنبطحين.

سأسخر من أصنامكم وأبتلع مرارتي وأرسم البسمة على وجهي، فقط لأنني أحيا في عالم سكسونيا.
أضحكُ وأبكي، ثم أضحك وأبكي، عندما أقارن بين متطرفينا ومتطرفيهم.

كم أنتُم إنسانيّون يا حكام أمتي، إذ جعلتُم من ضرب الإسلاميين (المتطرّفين) برنامجا سياسيا ونهجا صارما من أجل إصلاح ثقوب مراكبكم، وجعْل هذه القضية على رأس قائمة الأولويات..

عظيم، استمروا، فهؤلاء متطرفون لا تتهاونوا معهم.

*أما المتطرفون الشيعة ومليشيات الحشد الشعبي الطائفية، وجميع الكتائب الشيعية التي أنشأتها إيران وأذنابها في العراق، يتحركون برعاية حكومية، وسلوا أهل العراق عن الدم المسفوح على أرصفة العراق.

ما أسعد المليشيات الشيعية في العراق وفي سوريا أيضا بدعم حكومة البلاد، هم متطرفون لدينا فقط، أما لدى حُكّامهم فهم الرجال الرجال.

*وأما المتطرفون اليهود فما أكثرهم في الجيش الإسرائيلي، وما أقربهم من دوائر صُنع القرار السياسي.

بالمناسبة هل تعلمون أن أحد مُرتكبي الجريمة هو (يهودا بنغل) المتطرف اليهودي الذي قتل من قبل ثلاثة أطفال، فسُجن ثلاثة أعوام ثم أُفرج عنه، فعاد وشارك في اقتحام الأقصى، ثم قام بإحراق الرضيع..؟

أين تصنفيكم يا مُحترفي التصنيف، أين أصواتكم يا ليبراليي بلادي؟

أين ثورة الدمع التي تفجّرت على تفجير الحُسينيات وجفّت أمام مشهد حرق الرضيع الفلسطيني؟

أين صرخاتكم ضد العنف الذي يستهدف غير المسلمين تحت شعارات الإنسانية البراقة؟

لا بأس، فالرضيع عند ربّه، ووالداه سيأتيانكم بفلذات أكبادٍ يثأرون لمقتل أخيهم وهكذا كل بيت فلسطيني..

أما نحن فلا نملك إلا أن نُكّبر أربعا على جمهور عالم سكسونيا.

"عربي21