الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٢ صباحاً

لماذا ينبغي على السعودية وقف حربها فورا؟

ميساء شجاع الدين
الاثنين ، ٠٣ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ١٠:٣٢ صباحاً

انتصار عسكريّ غيّر في موازين القوى، حقّقته قوّات التحالف في عدن بعد عمليّة الإنزال البرّي في 14 تموز لقوّات يمنيّة مدرّبة ومنظّمة، وأخرى عربيّة استطاعت خلال يوم طرد الحوثيّين من معظم أحياء المدينة. فقد كان ذلك طبيعيّاً، حيث أنّ القوّات البريّة المدرّبة والمنظّمة وغير المرهقة، واجهت حوثيّين استنزفوا في معارك ممتدّة زمنيّاً، أرهقتهم أيضاً الحرارة المرتفعة، وهم أبناء مناطق جبليّة باردة، كما قتل الكثيرون منهم إثر انتشار حمى الضنك في شهر مارس/آذار.

لن يكون هذا الانتصار لقوّات التحالف نهائيّاً، إلّا لو نجحت القوّات الموالية للتحالف في إسقاط قاعدة العند العسكريّة التي سيطر الحوثيون عليها في 25 آذار وتصفية وجود الحوثيّين تماماً من عدن ومحيطها أي محافظتي لحج وأبين. وبينما المعارك دائرة في المدينة التي بدأ يتوافد إليها وزراء حكومة المنفى في الرياض لتصبح مقرّاً جديداً للسلطة المعترف بشرعيّتها دوليّاً، تتزايد المشاورات للوصول إلى تسوية سياسيّة جديدة منذ الانتصار في عدن، خصوصاً أنّ فريق الحوثيّ- صالح أصبح أكثر استعداداً للتنازل الآن للوصول إلى تسوية، لأنّه استنزف ومعرّض إلى مزيد من الخسائر العسكريّة.

خلق الوضع الجديد توازناً عسكريّاً، ويعدّ الفرصة الجديّة الثانية للتسوية، حيث كانت الفرصة الأولى في بداية الحرب في 26 آذار. ففي الأسبوع الأوّل، كان فريق الحوثي- صالح في حالة صدمة وفزع، يمكن استثمارها في تقديم التنازلات، لكنّ الأداء السياسيّ البطيء، وخصوصاً الأمميّ، تأخّر حتّى مؤتمر جنيف في 15 حزيران في وقت كان كلا الطرفين لا يبدوان مهتمّين بتسوية خاصّة، فالسعوديّة تسعى إلى تحقيق أيّ نصر عسكريّ، بينما استرخى فريق الحوثي- صالح مع أوضاع الحرب.

على الأرض، يغري هذا النصر السعوديّة بمزيد من الانتصارات العسكريّة، وهي من البداية تسعى إلى حسم عسكريّ نهائيّ، وليس مجرّد تحسين وضع تفاوضيّ. لذا يظهر بعض المؤشّرات لتكرار سيناريو الإنزال البريّ في ميناء المخا القريب من محافظة تعز التي استنزف فيها الحوثيّون أيضاً، لكن بالطبع، يصعب وصول قوّات بريّة، فتعز مدينة جبليّة تبعد 100 كم عن ميناء المخا.

بحسب الكاتب السعودي المقرّب من العائلة المالكة جمال خاشقجي، تسعى السعوديّة إلى نصر عسكريّ كامل يحمل مخاطر سياسيّة أكثر من احتمالات فشل عسكريّ، فلو افترضنا نجاح قدرتها على مدّ تعز بقوّات منظّمة، فهي ستحسم معركتها في اليمن الأسفل (الذي ينتمي غالبيّة سكّانه إلى الشافعيّة)، حينها لا تكون أمامها سوى ثلاثة احتمالات: تقسيم اليمن وعزل المنطقة الزيديّة بعاصمتها صنعاء ليظلّ الحوثي مصدر خطر على حدودها الجنوبيّة، وهذا ما لا تقبله السعوديّة، أو التسوية مع الحوثي- صالح مقابل تنازلات لا تريدها، أو الاستمرار في التمدّد عسكريّاً نحو صنعاء. وهذه معركة لو وقعت، ستكون دمويّة جدّاً وفيها قدر كبير من المغامرة العسكريّة، لأنّ للحوثيّين شبكة أنصار واسعة داخل المدينة، لكن هناك فرص نجاح للسعوديّة على الرغم من أنّ صنعاء ومحيطها يقعان ضمن دائرة العصبيّة المذهبيّة والمناطقيّة لجماعة الحوثي- صالح. ولذلك أسباب عدّة:

أوّلاً: نجح التبشير الوهابيّ لعقود، في تغيير مذهب بعض قبائل تلك المناطق إلى السلفيّة. وعموماً، تقاتل القبائل عادة لأسباب براجماتيّة، لذا تستطيع السعوديّة من خلال شبكة تواصلها العتيدة والمعروفة مع القبائل من شراء ولاء بعضها بالأموال أو استمالة بعضها بسبب سياسات الحوثيّين المتعجرفة ضدّ القبائل وقمعها الشديد لأيّ صوت مخالف وليس حتّى معارض.

ثانياً: معنويّات الحوثيّين ستكون ضعيفة لسببين: أ- لأنّ الحوثيّين وصالح حشدوا في شكل كبير يفوق حجم قوّتهم العسكريّة الطبيعيّة، ولا يمتلكون سيولة ماديّة كبيرة، فهذه المجموعات المسلّحة الكبيرة لم تكن تعتمد على مرتّبات ثابتة بل على غنائم، ولأنّها القوّة المسيطرة على الأرض، كانت تفرض جبايات على الناس وتسيطر على مناطق إمداد المعونات وموانئ الاستيراد لكي تبيع البضائع بضعف سعرها. لذا هزيمتها العسكريّة تعني فقدان المقاتلين بدافع الربح الماديّ، وبالتالي ردّ فعلها الطبيعيّ هو العودة إلى قراها كما حدث في عدن. ب- طبيعة الحشد المعنويّ التي مارسها الحوثي كانت تعتمد على فكرة النصر الإلهيّ المقدّس، حيث يستحيل هزيمته لأنّ الله معه، وبالتالي أكثر من هزيمة عسكريّة سوف تسقط هذه الأسطورة من نفوس المقاتلين.

ثالثاً: لم تعد مدينة صنعاء تلك المدينة القديمة المحصورة بسكّانها الزيود، بل عاصمة لليمن تسكنها غالبيّة شافعيّة سنّة، بعضهم صار يتملّك منزلاً أو مصدر رزقه في صنعاء، حيث لا يعرف مدينة سواها، لذا بقاء صنعاء في يدّ الحوثيّين بعد خروج اليمن عن سيطرتهم، يعني طردهم من المدينة لأنّ هذا يعني فرزاً طائفيّاً- مناطقيّاً للبلد وفقدان صنعاء صفتها كعاصمة لكلّ اليمنيّين، لذا سيقاتل هؤلاء المدنيّين العاديّين مثلما جرى في عدن وتعز ضدّ الحوثي، وهنا مكمن الخطر.

تملك السعوديّة مؤهّلات نصر عسكريّ كامل في اليمن، لكنّ اعتماد هذه السياسة سوف يكبّدها خسائر سياسيّة، فتسلّح المواطنين العاديّين في المدن اليمنيّة الكبيرة أمر فيه درجة عالية من الخطورة، حيث تتشكّل جماعات مسلّحة فوضويّة غير منضبطة مثل الحوثي، ممّا قد يسهّل انخراط جهاديّين متطرّفين وسطها، إضافة إلى أنّ هذه الجماعات تتكوّن من مواطنين تحرّكهم غرائز بشريّة وحشيّة مثل الكراهية والانتقام، لذا يتصرّف هذا المدنيّ المسالم سابقاً، بوحشيّة وشراسة تفوق وحشيّة أعضاء الميليشيات وشراستهم، وجرائم قتل الأسرى الحوثيّين وغيرها من انتهاكات في عدن مؤشّر قويّ إلى خطورة هذه الجماعات.

يعني النصر العسكريّ الكامل تسليح مجتمعات المدن الكبرى في اليمن، عدن سابقاً وحاليّاً تعز وربّما صنعاء في ما بعد. وضبط فوضى السلاح في المدن صعب، لأنّ مجتمعات المدن لا تملك أدوات الضبط الاجتماعيّ وحلّ الصراعات في حال غياب الدولة كما هي المجتمعات القبليّة والريفيّة.

تزامن الانزال البري في عدن مع توقيع الاتفاق النووي أمر له دلالة، فهو بمثابة رد خليجي مباشر للاتفاق وتحدي صريح لتطلعات إيران الإقليمية التي قد تنطلق بشكل افضل بعد رفع الحصار عنها جراء الاتفاق النووي. هذا الاتفاق النووي يحفز السعودية نحو تبني خيار حسم المعركة عسكرياً باليمن، وانتصارها بعدن قد يغريها للتوسع في الحرب والاعتماد على قوات برية يمنية مدربة أو عربية أو كلاهما لاسقاط مزيد من المدن والمناطق، هذا قد ينجح عسكريا بكلفة دموية كبيرة وسيدمر اليمن بشكل أوسع، لكن الخطورة الأكبر تكمن في الفوضى التي سوف تتسع باتساع رقعة الحرب من خلال انتشار الجماعات المسلحة والجهاديين.

الفوضى التي ستعقب الحرب ستدفع ثمنها دول الخليج المجاورة لليمن، فالسعودية تمتلك حدوداً طويلة مع اليمن وكذلك سلطنة عمان، وهي حدود يصعب تأمينها بمجرد سياج حدودي، بعكس إيران التي لن تخسر شيئاً من الفوضى السياسية بل سوف تنجح في الاستفادة منها وستستثمر الكراهية المتصاعدة ضد السعودية بسبب ضرباتها الجوية التدميرية. خاصة إن إيران لازالت تملك جماعات موالية في جنوب ووسط اليمن لكنها في حالة كمون بسبب توحد هذه المجتمعات المحلية ضد الحوثي الآن، بعد خروج الحوثي سوف تستأنف هذه الجماعات الحليفة لإيران نشاطها في ظل الفوضى اللاحقة، مع تزايد الدعم الإيراني لأنها ستمتلك سيولة أكبر بعد رفع الحصار وبالتالي سوف توفر المزيد من الدعم المالي لحلفائها باليمن.

سيناريو حسم الحرب لصالح السعودية ممكن خاصة إن السعودية تملك الرغبة والموارد الكافية لخوض هذه الحرب لآخر مدى وقد لا ينجح الحوثيون في استنزافها طويلاً، لكن خطورة التداعيات السياسية لهذا السيناريو سوف يكلف السعودية ويستنزفها، لذا معركة عدن خلقت توازناً عسكرياً ينبغي اغتنامه للقيام بتسوية سياسية تقلل من المخاطر السياسية لمرحلة مابعد الحرب بالنسبة للسعودية وتضع حداً للكارثة الإنسانية التي تعيشها اليمن.

"المونيتور"