الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٣٨ مساءً

ملاحظات على هامش اليمن الجديد

نبيل البكيري
الاثنين ، ١٧ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ١٢:١٢ مساءً
ربما على امتداد مراحل تاريخية طويلة لم يمر اليمن بمرحلة مكاشفة على نحو ما هو كائن الآن؛ حيث يعيش اليمن لحظة تاريخية فارقة ينبغي أن يقف اليمنيون عندها جيدًا وقراءتها قراءة جيدة ومتأنية قبل الحديث عن أي شيء آخر سوى اليمن في هذه اللحظة ومستقبله.

كمراقب لهذه المرحلة، استوقفتني عدة ملاحظات أتمنى أن أتمكن في هذه العجالة من صياغتها بشكل سريع إلى كل يمني يمتلك مثقال ذرة من عقل وضمير حي.

أولى هذه الملاحظات: ما وصل إليه حال اليمنيين جميعًا، شمالًا وجنوبًا؛ فالكل اكتوى بنار الجماعة الحوثية على امتداد الجغرافيا اليمنية بعد أن كان أذى هذه الجماعة منصبًا على مواطني صعدة وما جاورها على مدى العشرية الماضية، وبان الكثير من كذب وتضليل هذه الفكرة الخرافية وأبواقها ونشاطها ومقربيها حول كذبة المظلومية قديمًا وحديثًا.

ثانيًا: حالة الانقسام الحاصل في اليمن اليوم ليس انقسامًا جغرافيًا ولا مناطقيًا ولا مذهبيًا كما تستميت جماعة الحوثي تصويره لتجنيد قبائل الشمال للموت في سبيل عودة حكم الإمامة الذي ذاقت هذه القبائل الأمرين في ظله وهاهي اليوم تذيقهم من نفس الكأس.

حالة الانقسام هذه هي حالة انقسام رؤيوي واضح بين طرفين: الأول طلاب التغيير والدولة والنظام والقانون، وطلاب اللادولة؛ هذا باختصار حقيقة الانقسام الحاصل في اليمن مهما يحاول البعض تصويره على أنه انقسام جغرافي أو مذهبي.

ثالثًا: الأهم من هذا كله، هناك معادلة سياسية وطنية خارطة أولوياتها هي اليمن وليس الجغرافيا أو القبيلة أو المنطقة أو المذهب، هي خارطة جديدة ليمن جديد تحضر فيه مدنية عدن وتعز، اللتان كانتا على امتداد تاريخهما مشاعل مدنية تحضر فيهما مشاريع الثورة الدولة والمدنية.

رابعًا: الانتصار الذي تحقق في كل من تعز وعدن ليس انتصارًا لتعز أو عدن؛ إنما لكل اليمنيين، كقدر لهاتين المدينتين اللتين ذابت فيهما كل المذاهب والمناطق والقبائل وتحول الناس فيهما إلى مواطنين لا هدف لهما سوى وجود دولة النظام والقانون والحرية والعدالة.

خامسًا: بتحرر عدن وخلو كل الجنوب من ميليشيات صالح والحوثي، لم يعد للحديث عن الانفصال أي معنى؛ خصوصًا في ظل انتهاء هيمنة الهضبة الشمالية على اليمن، مقابل بدء ملامح هيمنة جنوبية على القرار السياسي في اليمن الجديد الذي يعاد تشكيله برؤية سياسية جديدة بعيدًا عن شعارات الماضي بوحدة مقدسة أو انفصال مدنس، وبات الوضع أكثر مناسبة للحديث عن صيغة يمنية جديدة يكون الإنسان اليمني أهم ملامحها ومرتكزاتها.

سادسًا: فيما يتعلق بالدور السعودي ومدى حضوره في اليمن، لا يخفى على أحد الدور السعودي التاريخي والسياسي في اليمن منذ تأسيس المملكة وحتى اللحظة، لكن الجديد في هذه الدور أن المنطقة كلها واقعة أمام تحدٍ وجودي واحد متمثل في المشروع الإيراني المدعوم غربيًا، هذا المشروع الذي يتم تقديمه على أنه معادل موضوعي للظاهرة الإرهابية التي يحاول الغرب إلباسها بالإسلام السني.

وبالتالي؛ أعتقد أن الدور السعودي في اليمن سيتبلور بشكل كبير شمالًا، حيث الخطر الحقيقي الذي تواجهه المملكة وكل دول الخليج من قبل أذرع المشروع الإيراني ممثلًا في جماعة الحوثي وبقايا خلايا الرئيس السابق صالح التي ربما على وشك الهزيمة النهائية؛ بمعنى أن المملكة تدرك جيدًا أن الخطر الذي يهددها وأمنها والخليج كله كامن في شمال اليمن لا في جنوبه؛ وبالتالي مصلحة المملكة وجود يمن ديمقراطي موحد على غير ما قد يتصور البعض، بالنظر إلى أن المملكة أدركت مؤخرًا أن وجود دولة حقيقية في اليمن موحدة هو مفتاح الاستقرار في المنطقة كلها.

سابعًا: مسألة البحث عن الهويات الفرعية هي نتاج طبيعي لغياب وانهيار الهوية الوطنية الجامعة، شمالًا وجنوبًا، هي الهوية اليمنية التاريخية التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ لأكثر من 5000 سنة والتي ظهرت بمسميات عدة من حميرية وسبئية ومعينية وأوسانية وقتبانية لكنها كانت كلها تنبع من كونها هويات يمنية، وأي عملية بحث عن غير هذه الهوية لن تقود إلا للتشظي إلى هويات قروية ومناطقية صغيرة ومدمرة نعرفها، عاناها جنوب اليمن أكثر من شماله.

"التقرير"