السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٠١ صباحاً

كيف أثر التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني على الوضع في اليمن؟

وئام عبد الملك
الأحد ، ٢٣ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ٠٦:٥٣ مساءً
مما لاشك فيه بأن إيران التي حققت انتصارا عظيما، بالتوصل مع دول 5+1 إلى الاتفاق بشأن برنامجها النووي، سيساهم في تطوير ودعم قطاعها الاقتصادي، والذي سينعكس كذلك وبشكل رئيسي على الجانب السياسي للبلاد، وعلى ترجيح كفة إيران في المنطقة، وهذا ما بدأ يحدث بالفعل منذ الساعات الأولى من التوصل إلى الاتفاق، تمثل ذلك بقرار وزير الاقتصاد الألماني زيارته إيران، أو إعلان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن زيارته لإيران والتي تمت بعد ذلك بالفعل، وجاءت هذه الزيارة بعد قطيعة بين البلدين استمرت سنوات، كما أن إيران حسنت من علاقتها مع أمريكا التي- كما تدعي- هي عدوا لها، وعلاقتها مع الصين و وروسيا كما يبدو لا خلافات كبيرة بين إيران وتلك الدول، طالما والمصالح هي الرابط المقدس بين تلك الدول، ورأينا كيف دعمت تلك الدول نظام الأسد في سوريا، وقد يعد البعض ما حدث انتصارا للمفاوض الإيراني، لكنه في المقابل كان بإمكان أمريكا أو غيرها أن تدمر المفاعلات النووية في إيران، كما فعلت في العراق أو سوريا سابقا، لكن يبدو بأن أمريكا على- وجه الخصوص- باتت تريد لإيران أن تكون لاعبا محوريا في المنطقة، بعد أن اكتشفت أن الدول العربية بالفعل عاجزة عن حماية نفسها، وتخاف حتى من ذلك، وحديث وزير الخارجية أو غيره من المسئولين الأمريكين عن أن السعودية و مصر هن لاعب محوري في المنطقة، ما هو إلا حديث هزلي، ما لم يقابل بتحرك عربي واسع، للحيلولة دون نفوذ أمريكا أو إيران- على وجه الخصوص- في البلدان العربية التي أصبحت إما في حروب، والبعض الآخر منها منهكة بسبب تلك الحروب، أو ربما قد يكون هناك محاصصة لتعطي كل طرف الفرصة لتبدو، أقوى سواء تركيا أو إيران أو العرب.

وبقي العرب كالقربة المبقورة بالفعل، كلما تأملنا أن نكون يوما، أدركنا بأن ذلك صعب المنال، ونحن أقوياء على بعضنا فقط، والتاريخ يزخر بإنجازات تدمير الحكام العرب البلدان العربية بمشاركة أيدي بعضهم، لكن الإعلان عن القوة العربية المشتركة أعطى بارقة أمل، في المقابل فإن الوضع الحالي للدول العربية، أثر ويؤثر على مصير تلك القوة بشكل أو آخر، والمواقف الصادرة عن الدول العربية بشأن الملف السوري أو الليبي- تحديدا- يؤكد بأن التحديات كبيرة، وهو ما لاحظناه حين لم يصدر قرارات مصيرية وجادة من تلك الدول، كذلك فإن إعلان قوات التحالف العربي عن عملية عاصفة الحزم وما تبعها من عمليات عسكرية فعَّالة، كانت بارقة أمل أخرى، ما زالت تواجه العديد من التحديات، ونترقب ما الذي سيثمر عنها.

بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، أكد أوباما على أهمية أن تكون إيران جزءا من الحل في سوريا، وكان قد ذكر بأن المشاكل في سوريا لن تحل دون مشاركة الروس والأتراك والشركاء الخليجيين، حديثه ذاك نوع من الترضية لا أكثر، بينما هو يراهن بكل تأكيد على إيران، وكان لافتا ما قام به الأمريكان مؤخرا بتدريبهم لستين شخصا من المقاومة السورية، لمقاتلة داعش دون النظام، والذي أثار استنكار وسخط السوريين بشكل أساسي، و وضح لهم الطريقة الهزلية والعبثية التي يتعامل بها العالم مع الملف السوري، على الرغم من كل تلك الدماء المهراقة والجراحات، والدمار في سوريا، ويبدو بأن المواقف الأمريكية جميعها تعمل على بسط القاعدة للإيرانيين في المنطقة العربية، وهو ملاحظ في الموقف الإيراني المتشدد إزاء الملف السوري، وكيف يصمت العالم أمام جرائم نظام الأسد المدعوم إيرانيا، فهناك محاولات للضغط كبيرة لدعم إيران.

إن المعطيات حتى الآن تفيد بأن امريكا لن تسمح لإيران بالتدخل أكثر في الشأن اليمني، ارضاء لدول الخليج المستاءة من الاتفاق النووي، الذي تم التوصل إليه بشأن البرنامج النووي الإيراني، والذي كان وحتى وقت قريب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يقوم بزيارات عديدة لدول المنطقة، لتوضيح ما يترتب على ذلك الاتفاق، ويبدو بأن جهوده قد بعثت بعض الطمأنينة لديهم، وهو ما استنتجناه من حديث معالي وزير الخارجية القطري في مؤتمر صحفي في الثالث من أغسطس الجاري، وهذه مجرد اجتهادات قد تتغير مع وجود متغيرات جديدة أخرى.
هذا يعني عن أن إيران بالفعل استخدمت الحوثيين كورقة للضغط على معارضي الاتفاق النووي، فاستفادت إيران، وأمَّنت السعودية ودول الخليج على نفسها.

لكن يجب بأن لا نغفل التوجه الإيراني في اليمن، وهذا يقود إلى تساؤلات عدة، حول أشكال دعم المشروع الإيراني الطائفي في اليمن، الذي سعت إليه بشكل واضح منذ العقد الأخير من القرن المنصرم، إن كانت إيران ما تزال مُصِّرة على تحقيقه على الرغم من صعوبة ذلك في بلد معتدل كاليمن، والعبث بأمن المنطقة، فاليمن لها تاريخ كبير في تاريخ إيران غير القائم على حقائق، كحديثها عن ثورة اليماني.

التفاؤل إزاء تبعات الاتفاق النووي الذي سيسهم في استقرار المنطقة، الذي تحدثت عنه روسيا وأمريكا، وتحدث عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني، قد يكون فاعلا في اليمن، لبُعد اليمن عن إيران جغرافيا ولأسباب سابقة تم توضيحها آنفا، لكن في سوريا والعراق أكبر بكثير وأكثر تعقيدا، نظرا لقرب تلك الدولتين من إيران هذا الأمر أكده اوباما في حديثه عن أن إيران جزءا من الحل في سوريا، ونتيجة لكل تلك الصراعات التي فتت تلك البلدين وخدم ذلك بالطبع وبشكل رئيسي( الاحتلال الصهيوني، وأمريكا، وإيران).

منذ بدء عاصفة الحزم كانت تصريحات المسئولين الإيرانيين من رأس الهرم حتى قاعدته، مشينة بحق المملكة العربية السعودية، لكن تم التغاضي عنها من الطرف الآخر، هددت إيران المملكة لكنها لم تفعل شيئا، الإعلان عن تشكيل قوات التحالف العربي، وعاصفة الحزم، التي كانت بعد إعطاء الضوء الأخضر الأمريكي لها، قد يكون مؤشرا على أن العالم لا يريد للمنطقة العربية التي أصبحت هشة، وتم امتصاصها، أن تظل في حالة عدم استقرار، ليس لأجل العرب، بل لأجل الغرب الذي يخشى أن تتأثر مصالحه سلبا، فالحرب كما يؤكد على ذلك العديد من المطلعين لن تدوم لحساسية المنطقة، لكنها أنهكت بالفعل الدول العربية- وعلى وجه الخصوص( اليمن، سوريا، العراق، ليبيا)- ، التي كانت قد بدأت بعضها تحبو بعد سنوات الشلل التي كانت تعيشها.
وشاهدنا كيف يتم القضاء على الحوثيين، التي لم تقدم إيران لهم شيئا، وإفشال مشروعهم وحليفهم صالح على أيدي المقاومة، والتي تم دعمها لاحقا من قِبل قوات التحالف العربي، وكان لدعمهما لهم أثرا جيدا كبيرا، وهذا يُعيدنا إلى التأكيد على أنهم لم يكونوا أكثر من ورقة ضغط، ويؤكد ذلك أيضا فشل جماعة الحوثي- حين سيطرت على الحكومة- في خلق تعاون فعال مع مصر أو إيران وفي روسيا كذلك، فكان تعاطي تلك الدول معهم متواضعا للغاية، حتى من قِبل الداعم الرئيسي لهم( إيران)، فهل المملكة قادرة على دعم استقرار اليمن فتحمي نفسها، وتستعيد المنطقة القليل من قوتها، فكلما حدث ذلك بشكل مبكرا، منع فتح باب جديد للعديد من الآثار التي قد تتمخض عن تأخر حسم هذه الحرب، أم أن التحالف العربي ومشروع القوة العربية ما زال غير قادرة على الاجتماع على موقف واحد في أكثر من قضية؟ فالحرب في اليمن أصبحت حرب العرب ضد إيران المدعومة أمريكيا، التي تسعى للتخريب في الدول العربية، فهي مقابل أن تتقدم، تصنع أوراق ضغط قوية للغاية، وحرب اليمنيين الكبرى الأحرار ضد الطاغية صالح ومليشياته ومرتزقتة، الذين أشعلوا فتيل هذه الحرب الطاحنة، ظنا منهم بأنهم سيربحوا بالعنف، ها هم اليوم يشنون حربا بشعة في سبيل الحصول على ورقة ضغط جديدة، ليحصلوا على حصة جيدة في السلطة، وحربا انتقامية لن ينسى اليمنيون بشاعتها و ويلاتها التي ذاقوها.

نحن نؤيد مرات الجهود والعمليات العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف في اليمن، ونحن نعلم الثمن الباهض الذي دفعه الوطن أولا، ودفعناه نحن أيضا جراء هذه الحرب التي يحارب صالح والحوثيين اليمن بأكلمه، ومرد التأييد هو أنَّا أصبحنا في حرب غير متكافئة، حرب ضد الطاغية صالح الذي لا يبالي بتدمير كل البلد، وحرب ضد إيران التي لم تتوانَ مع أمريكا في إشعال فتيل الحرب الطائفية في العراق، وحالة عدم الاستقرار في لبنان كذلك وغيرها، والتهديدات التي تعرضت لها السعودية من قِبل إيران التي استخدمت الحوثيين في حربها بالوكالة لأجل ذلك، وما كان لهم أن يصمتوا، كون اليمن الخاصرة الجنوبية لها، ومصالح الدول مرتبطة ببعضها البعض خاصة إن كانت تمثل عمقا استراتيجيا لها، وصحيح بأن إيران دولة إسلامية، لكن مشروعاتها الطائفية اضرت كثيرا بالدول، والمثال اللبناني والعراقي والسوري ما زال حيا.

أما المخلوع صالح فظن أن كرسي الحكم ملكا له يورثه، ولا يجوز لأحد أن يساومه عليه، هو أكثر من دمر اليمن، ثم المليشيا الحوثية التي لم تتوانَ عن بيع اليمن لإيران، ثم الرئيس هادي الذي سمح بتحول اليمن إلى ساحة حرب بالوكالة، ثم نحن بصمتنا وعدم درأ الخطر عن وطننا الذي بدأ يغرق على مرأى من الجميع، ولا ننكر بأن موقف الرئيس هادي كان صعبا بسبب عدم ولاء الجيش له بأكمله، لكنه لا يبرر له، سقوط عمران وغيرها في بداية حكمه، وطلبه من قوات التحالف العربي التدخل، يمكن أن نقول بأنه طبيعيا كون الدول تربطها مصالح استراتيجية مع بعضها، لكن التوقيت لم يكن بريئا، كان عليه أن يتحدث إلى الشعب عن حقيقة ما يجري على أرض الواقع، وسيقف جميع الأحرار إلى جانب الوطن، لينقذوه من الميليشيا.

لكن دعونا نعود إلى الوراء قليلا، أتذكرون يوم أن بدأ الحوثيون يتقدمون ويسيطرون على المحافظات اليمنية، ماذا فعل بعضكم؟! ذهبوا يبحثوا عن القابهم التي تمت إلى الحوثيين أو السادة، وبدأوا يتزلفوا لهم، ويتباهوا بألقابهم التي أخفوها سنينا، بعد أن ظنوا أن الحوثيين القوة التي لا تُشق لها غبار، أنتم بهذا قدمتم الموت لليمن، فكرتم بمصلحتكم لا مصلحة وطنكم.

إن على دول الخليج أن تضغط باستمرار نحو الدفع بمزيد من الخطط لاستقرار الإقليم الخليجي، واليمن، وأن لا تتنازل عن ذلك، لأن إيران ستكون مستعدة في كل لحظة، إن أتيحت لها الفرصة لحشر أنفها في دولة هنا أو هناك، كما فعلت باختراقها للرقعة الخليجية بنفوذها إلى عمان أو البحرين.
الضوء الأخضر الامريكي لقوات التحالف العربي، ربما كان تأكيدا أمريكيا على أنها تدعم أمن الخليج، ولخلق نوع من التوازن العسكري في المنطقة، والتي تدفع بخلق نوع آخر من التوازن السياسي، وهذا من شأنه أن يعيد استقرار المنطقة، كما أن باب المندب الذي تسيطر اليمن على جانب منه، عامل مهم في الحرب الدائرة في اليمن، وهو قد يهدد مصالح العديد من الدول، كونه من أكثر الممرات المائية الطبيعية، أهمية ولكن على الرغم من كل ما يُقال ما زال الحكم على النوايا الإيرانية في المنطقة مبكرا، وإن كانت أكثر التوقعات العربية تشير إلى أن إيران، ستعمل على الاستفادة من الميزات التي بدأت تحصل عليها بعد الاتفاق النووي، والعبث أكثر، فعلي ولايتي أكد في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة في وقت سابق، على أنهم لن يتخلوا عن أصدقائهم، وتحدث كذلك اوباما كذلك بعد التوصل إلى الاتفاق مع إيران، عن أمله في أن تغير إيران سلوكها الشائن، بعد التوقيع على الاتفاق النووي لكنه قال إنه لا يراهن على ذلك.

هناك حديث كذلك حول المملكة التي تسعى إلى تقارب مع روسيا، وبأنها باتت تدرك أن أمريكا باتت تنسحب بعد أن امتصت ما استطاعت من خيرات المنطقة العربية، وتغرق المنطقة بالمشكلات، ألا يفيق العرب ويحموا أنفسهم؟ إلى متى يتخوفون وإلى متى سيظلوا عبئا ثقيلا في هذه الحياة التي تعترف بالقوي ولغة العلم؟ لكن يبدو بأن مصالح روسيا لا تتحقق فقط مع الخليج مثلا، وهذا ما نراه في دعمها لنظام الأسد، إذ تحدث مؤخرا وزير الخارجية سيرغي لافروف عن أنه لا حل سياسي في سوريا في ظل استبعاد النظام الحالي، ومواقفها المتشددة إزاء الملف السوري حتى اللحظة.

إن كانت أمريكا والدول الكبرى بالفعل لا يريدوا أن تسود حالة من عدم الاستقرار- على الأقل في المرحلة الراهنة والسنوات القليلة القادمة- في دول الخليج فسيفعلون، وستتأثر اليمن إيجابيا، ويذكرني ذلك بالروائي محمد عباس حين قال في روايته( الحاكم لصا)".. الآن تتحدد نتيجة أي معركة قبل أن تبدأ الحرب، وتتحدد هذه النتيجة، طبقا لموازنات دولية واقتصادية وسياسية ومستقبلية دقيقة".

لكن يجب أن نعلم بأنه لا أحد يريد لنا الخير، ما لم نكن نحن نريد ذلك، سئمت الشعوب العربية أن يظل حكامها جوعى، ويبكون حتى تأتي أمهم لترضعهم الحليب، لم يبقَ للعرب شيئا يتباهون به، إنهم لا شيء للأسف، حتى إذا ما قلنا دولة ما ستطور برنامجها النووي، وستدخل مضمار السباق الحقيقي لا قيمة لذلك الانتصار، طالما أن العقول ليست عربية، وهذا نتاج سياسات قادتنا، والمشكلة في أنهم يحاربوا في بلدانهم كل العقول ويهملوها، لتصطادها الدول الأخرى التي تقدر العقول، وتفهم اللعبة، وأصبح من الصعب أن نثق ببعضنا البعض، ونحن نشاهد العالم بأكمله والعالم العربي تحديدا وهو يشاهد جرائم الطاغية بشار الأسد ضد شعبه الأعزل، دون أن يكترث لذلك.