الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤٢ صباحاً

تحالف جديد بين الرياض وواشنطن

سلمان الدوسري
الاثنين ، ٠٧ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٥:٥٢ مساءً
ولأنه حتى التحالفات السياسية لها تاريخ صلاحية ثم تبدأ بالأفول شيئًا فشيئًا، لم تعتمد السعودية والولايات المتحدة الأميركية فقط على علاقات متميزة استمرت سبعين عامًا، وهي عمر التحالف التاريخي، وإنما أسستا لمفهوم مبتكر يسمح لهذا التحالف بالصمود والصعود لعقود قادمة، من دون أن يتأثر سلبًا بتغير المواقف السياسية للبلدين، وهو ما تمثل في إعادة تشكيل العلاقات وفق قاعدة جديدة هي «الشراكة الاستراتيجية الجديدة للقرن الحادي والعشرين»، ربما هذه المعادلة المفاجئة التي احتواها البيان الختامي لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لواشنطن، والمباحثات التي أجراها مع الرئيس باراك أوباما، هي التي تحمي العلاقة بين الرياض وواشنطن مستقبلاً من الولوج في أفخاخ التباينات والاختلافات السياسية، والتي من الاستحالة أن تتطابق في كافة تفاصيلها، وإن كانت كذلك في خطوطها العريضة.
تركز السياسة السعودية الخارجية في عهدها الجديد، والتي يقودها الملك سلمان بن عبد العزيز، على أن لا تقتصر تنمية العلاقات مع الدول الأخرى من بوابة دهاليز السياسة ذات المواقف المتغيرة دائمًا، وإنما على المصالح الاقتصادية التي قد يكون لديها المصباح السحري في فتح آفاق مبتكرة. هذه القاعدة الذهبية تنطلق من أن التحالف يجب أن لا يتأثر سلبًا بمواقف سياسية متباينة، أو حتى اختلافات عميقة، بقدر ما يتأكد الطرفان أن هناك سياجًا حديديًا عاليًا يحمي علاقتهما من الضرر والتوتر، بفعل المصالح التي لا يمكن للجانبين التضحية بها، وفي العلاقة مع دولة مثل الولايات المتحدة تقول السعودية بكل وضوح إن قواعد التحالفات لم تتغير، لكن أدواتها تحتاج لتحديث وتطوير وتجديد.
السعودية وعلى قدر حرصها واهتمامها بتوثيق التحالف مع دولة مثل الولايات المتحدة، وهو ما تمثل في اختيار الملك سلمان واشنطن لأن تكون أولى محطات زياراته الخارجية، إلا أنها في الوقت ذاته تعرف مكانتها جيدًا، وتعي أيضًا أن الولايات المتحدة لا يمكن لها الاستغناء بسهولة عن دولة لها دورها الرئيسي في استقرار المنطقة، بل تعي واشنطن جيدًا أنه من دون الرياض، فإن الحرب على الإرهاب هي نوع من العبث. المملكة أثبتت أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي سارت على نفس سياساتها على مدى عقود منذ تأسيسها، تغيرت أدوات السياسة الخارجية، لكن أصولها ثابتة كما أسسها الراحل الملك عبد العزيز، وهو ما يعطي قوة لسياستها التي كشفت غالبًا قوة مواقفها وصحتها على المدى البعيد، ناهيك بأنها لم تدخل في مغامرات سياسية أضعفت من عقلانيتها التي عرفت بها وأحرجت حلفاءها. وبالإضافة لهذا كله يرى العالم، خاصة في خضم «الربيع العربي»، أن الرياض هي العاصمة الأكثر استقرارًا وتأثيرًا في المنطقة. وفي النهاية التحالف مع السعودية مكسب للحلفاء كما هو مكسب لها.
في واشنطن، سألتني مذيعة «بي بي سي»: «ما الذي ستفعله الرياض لمواجهة إيران من دون الولايات المتحدة؟».
قلت: السعودية قادرة على إيقاف المد الإيراني، ولا تحتاج إلى واشنطن، ومن التسطيح ربط القدرة السعودية، وهي الدولة الكبرى سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا في المنطقة، على القيام بواجباتها وحماية أراضيها وأمن مواطنيها، بالولايات المتحدة أو غيرها. كما فعلتها في اليمن، وأسست لتحالف دولي في 24 ساعة، فلن يعجزها تكرار ذلك متى ما تهورت إيران، وكررت فعلتها في اليمن.
الرياض لا تنتظر من حليفتها الكبرى إعطاءها مزايا لا تستحقها أو مكافآت تشجيعية على سبيل المنحة. للتحالف حقوق تقوم بها أطرافه وواجبات تلتزم بها، وفق هذا المبدأ تقوى العلاقات، والتخلي عنه يضعفها، والملك سلمان أسس من واشنطن لشراكة استراتيجية تعيد توثيق التحالف القديم بطريقة جديدة، ومع الأخذ بالاعتبار التغير الذي يطرأ على البيت الأبيض في الانتخابات القادمة، ووفقا للمبدأ الجديد، فإنه أيًّا كان الرئيس المقبل، لن يفرط في مكتسبات اقتصادية وسياسية وأمنية قادمة من وإلى المملكة العربية السعودية.

* الشرق الأوسط