الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٠ صباحاً

سيلفي مع الرأس المقطوع.. الوقوع في فخ النكروفيليا

حسين الوادعي
الاثنين ، ٠٥ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٥:٠١ مساءً
الافتتان بالموت ظاهرة ملفتة للنظر في الثقافة العربية الاسلامية. "أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة"...

هكذا قال خالد بن الوليد مهددا والي الحيرة بعد أن حاصرها بجيشه. ثم لما انتهي منها وأنتقل إلى المدائن عارضا عليهم الإسلام أو الاستسلام، كرر نفس التهديد: "فو الذي لا إله إلا هو لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة".

في اليمن اليوم نجد ذروة الافتتان بالموت عند جماعتين تحملان العداء تجاه بعضهما: القاعدة والحوثيون.


لا تحتاج لمجهود كبير لتلاحظ "الافتتان بالموت" في الثقافة الحوثية. الموت هو جوهر شعارها الرئيسي الذي يرددونه عشرات المرات يوميا: "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل".

في محافظة صعده، معقل الحوثيين، كانت جدران البيوت مزدحمة بشعارات تمجيد الموت و"الشهادة". الشهادة هي السلعة الاستهلاكية الأبرز ترويجا وبيعا تحت حكم هذه الجماعة الدينية. وأبرز مفاخر الحوثيين كانت المقابر الضخمة التي انتشرت في كل مديرية تحت اسم "رياض الشهداء".

كما أن أكبر احتفاليات الحوثيين مرتبطة بالموت: اليوم السنوي للشهيد، ذكرى كربلاء، مقتل الإمام علي، و"يوم الشهيد السنوي" الذي يحتل عندهم نفس مكانة "عيد العمال" في الأنظمة القائمة على الانتاج. فإذا كانت مجتمعات الإنتاج تبنى بسواعد المواطنين وعرقهم فإن البلدان في ثقافة الموت تبنى بدماءالشهداء.

في شارع الخمسين بصنعاء تنتصب لوحة إعلانية تحمل صورة للمؤسس "حسين الحوثي" وتحتها عبارة يفتخر فيها أنه جعل أتباعه يعشقون الموت. وعلى بعد أمتار من اللوحة محلات وعيادات وشركات وملاهي جميعها أصبحت مغلقة أو مدمرة بسبب الحرب كأنها تستجيب لنداء الموت المجاور.
تخوض القاعدة والحوثيون حربا ضد بعضهما في أكثر من جبهة. والوسيلة الأبرز لكل منهما واحدة: تمجيد الموت والشهادة.

في مارس 2015 فجر انتحاريان منتميان للقاعدة مسجدي "بدر" و"الحشوش" التابعين للحركة الحوثية. كنت أشاهد خبر التفجيرين في قناة المسيرة. كان الخبر مكتوبا وفي الخلفية تدور أنشودة تشجع الشباب على "الاستشهاد" والموت في سبيل القضية، مع لقطات متعددة لمقابر "الشهداء"، تتقاطع مع وجوه مبتسمه لشباب يضعون شعار "أنصار الله" علي جباههم ويقفون وسط المقابر وعلى وجوهم السعادة والاستبشار في انتظار الموت!

تخيلت في الناحية الأخرى وجهي الشابين الانتحاريين الذين فجرا نفسيهما في أوساط المصلين. ولا شك أنهما أيضا سمعا من الجهة المقابلة عشرات الأناشيد عن الشهادة والموت وشاهدا على "اليوتيوب" عشرات الوجوه المبتسمة "للشهداء" الذي ماتوا في هجمات انتحارية أخري.
ثقافتان للموت تتصارعان علي نفس النتيجة!

ثقافة تنتزع شبابنا من دورهم في الحياة والإنتاج وتغسل أدمغتهم وتقنعهم أن الموت هو أسمي الغايات وأن غاية المني أن تحصل على قبر صغير تعلوه بضع كلمات تتحدث عن الشهادة.

حلت أناشيد الموت والشهادة محل أناشيد الوطن والحب والإنتاج. صارت تطارد الشباب في كل مكان وتحولهم إلى قنابل موقوته أو مشاريع انتحاريين.

يفتخر الحوثيون بتفجير المنازل ويحرصون على توثيق لحظات التفجير بالفيديو على صيحات "الصرخة". بينما تحرص القاعدة في اليمن على التقاط سيلفي مع الرؤوس المقطوعة للجنود اليمنيين الذين تم ذبحهم في حضرموت وشبوة.
يسقط المجتمع اليمني تدريجيا في فخ "النكروفيليا".
والنكروفيليا انحراف نفسي يعاني فيه المصاب من محبة الموتى والجثث والأشياء المتفسخة. لكن عالم النفس الشهير "اريك فروم" وسع مفهومه ليصبح مصطلحا يعبر عن الشعور بانجذاب عاطفي تجاه كل ما هو ميت، ومتفسخ وتحويل ما هو حي إلى غير حي، وبالتدمير من أجل التدمير".
ترى الشخصية النكروفيلية بأن السبيل الوحيد لحل أية مشكلة أو صراع هو بالقوة والعنف، دون أن يكون الأمر متطلبا لذلك، قد تتحول النكروفيليا لحالة جماعية يتم فيها تدمير كل الطاقات الحية في الإنسان وتحويلة إلى جثة متحركة.
..................
كانت الفاشية والنازية هما الانحراف النيكروفيلي للضمير الأوربي في أوربا الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين. تحت شعار" يحيا الموت" قتل 50 مليون إنسان ودمرت بلدان بأكملها.
لكن الانحراف النيكرفيلي العربي اليوم يكتسي وجها دينيا طائفيا. هذا لا يعني أن الجانب الديني هو المحفز الوحيد لثقافة الموت العربية. فالبيئة العربية بيئة محفزة على النيكروفلية والافتتان بالموت. وهذا أمر طبيعي في أي بيئة ثقافية معادية للإبداع والتجديد ومتعلقة بالماضي.
تتفنن الجماعات الدينية الجهادية في صور الموت وطرقه. من الحرق إلى الذبح إلى إطلاق قذائف الآر بي جي. ويصل الاستعراض النيكروفيلي ذروته حين يقوم أحد "أشبال الخلافة" بذبح ضابط سوري في تدمر ويتناقل اليمنيون صور طفل من محافظة لحج الجنوبية يقوم بذبح أحد الجنود المقيدين إلى الأرض. ها هي ثقافة الموت تنتقل للجيل القادم وتحول الطفل الى قاتل لا تطرف له عين يلتقط سيلفي مع الرأس المقطوع.

ظاهرة "السيلفي مع الرأس المقطوع" هي ذروة الافتتان بالموت وعشق الجثث. فإذا كانت وظيفة السيلفي توثيق لحظات الفرح والمتعة والإنجاز، فإنها في ثقافات الموت تتحول إلى النقيض تماما. إلى توثيق لحظات الدمار والقتل وإنهاء الحياة.

بعد ستة أشهر من الحرب وسقوط آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى، خرج زعيم جماعة الحوثيين ليخطب مطالبا اليمنيين بالمزيد من "التضحيات". المزيد من التضحيات في هذا الخطاب تعني المزيد من الجثث والموتى.

بعد ذلك بيوم واحد فقط فجر انتحاريان منتميان لداعش مسجدا في العاصمة صنعاء في اليوم الأول لعيد الأضحى، مضيفين جثثا جديدة وإنجازا جديدا إلى ثقافة الموت والدمار.

من صفحته على الفيس بوك