الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٣ صباحاً

أهرب ياعلي

سام الغباري
الاثنين ، ١٢ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ١١:٤٩ صباحاً
بلى..أهرب!، أنت لست منهم، ولا تشبههم!، لست قرشياً، أنت من ذمار!، بلاد الساخرين والأشقياء، هل قرأت التاريخ..تاريخهم!، أئمتهم الغابرين حملوا لواء الدين كوسيلة للحكم، وأدخلوا أجدادنا في كهوف الجهل والدمار والقتل والبغضاء والفقر، كان إبن الإمام يخرج على أبيه فيتقابل جدي وجدك لقتال بعضهما، وهما صديقان..متجاوران في القرى، ومتحدان في البؤس، لم يسألا عن سبب وجودهما هناك على أرض المعارك العبثية، ولمَ يقتل أحدهما الآخر بلا جريرة، بلا حق..إلا حق الولاية المحرمة على الفلاحين!، لقد أباد عبدالله بن حمزه فرقة المطرفية المذهبية، ذبح صغيرهم وكبيرهم، شيخهم وشبابهم، نسائهم وأطفالهم..لأنهم تنازلوا عن مزاعم الولاية في البطنين، وأجازوا إمكانية أن يصل الفلاح إلى رأس السلطة!
ما زلنا عبيداً يا علي..قريش تفعل ذلك مرة أخرى، وستفعلها مرات ومرات إن لم ننكرها ونقيم دولتنا ونبتعد عنها وعن فقهائها، لقد استعمرونا يا علي. هدموا قصر غمدان الشاهد على حضارة صنعاء كي لا يكون لنا شأن!، يقحموننا في خلاف عائلي ليس لنا شأن فيه، عائلتان من قريش اقتتلوا على السيادة، قالت عائلة الأول : الخلافة قرشية، فأوصدوا باب السقيفة على اليمنيين الأنصار ووعدوهم بالوزارات التي لم تنشأ، فيما قالت عائلة الثاني: الولاية في البطنين، وكانوا يقصدون عائلتهم فقط، بعد أعوام طويلة.
قتل يزيد حُسيناً ثأراً ليوم بدر وخوفاً على كرسيه الفاسق من الوصول ليد الشهيد العظيم، كانت جريمة نكراء لكنني الان وبعد ألف واربعمائة عام لست مسؤولاً عن تداعياتها ولا عن ضرورة الوقوف مع عائلة الحسين للثأر من يزيد، ما شأننا أنا وأنت؟ أنا أسألك يا علي فأجبني!، لم نكن قرشيين، ولا ننتمي لصحرائهم وجبالهم، وإذا عُدت لشجرة عائلتيهما ستجد أنهما أبناء عمومة، من لحم ودم.
لقد انتهت حرب البسوس بوفاة الزير، هكذا نحن الفلاحين والعشائريين؛ يموت المحرض فتنتهي الأحقاد وتبرد النفوس وتعود السيوف لأغمادها، أما هؤلاء فلم تنته حربهم منذ أربعة عشر قرناً، ما زالوا يتاجرون بعقولنا ويخدروننا بنصوص الدين الذي ربطنا بهم، وهو رباط عبادة وتوحيد لله سبحانه، وتحسيناً للسلوك والخُلق والمعاملات، وقد كنا أهل كتاب، أرسل النبي صلوات الله عليه رسوله إلينا فآمنا، وبعد إتمام معاذ بن جبل تعليمنا فرائض ومحددات الدين الجديد.عاد إلى قريش، وبقي باذان كما هو والياً علينا، لم يرسل إلينا أبو عادل أو أبو حمزة أو أبو يحيى ليتولى أمرنا وقيادتنا كما يفعل الحوثي مع المحافظات الذليلة التي سقطت بيد مليشياته فأرسل إليها من يدير شؤونها اغتصاباً من منطقته صعدة.
لقد كانت رسالة نبينا الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام واضحة، أن أسلموا لله، وليس لقريش التي ضمتنا قسراً لولايتها السياسية والإدارية، ولما اعترض ثائرونا قتلوهم بجيش جرار كان يحقق وحدة النظام الجديد الذي بدأ تعريفه باسم الخلافة وهو نظام لا يرتبط بالإسلام كدين بل بالخليفة كرجل سياسي وقائد جديد.
أهرب يا علي إلى حيث الدولة المدنية الحقيقية، إلى الحلم الذي تمنيته وتبخر رغماً عنك، وقد كنت مسؤولاً عن ضياعه بيديك التي اكتسبت بهما إثم تلميع رجال الدين، واعتبارهم حمائم سلام ودعاة حرية، وأنت كما تزعم باحث في علم الاجتماع، تقصيت واقعنا وحياتنا، تحدثت بالفعل المضارع ونسيت فعل الماضين من قبلك، تجاهلت العابرين من تاريخ المظالم السوداء، تحاشيت استذكار مواقع أسلافك الطيبين وهم يساقون مع أسلافي إلى حرب تقرير مصير الولاية، كانوا ساذجين، ويجب أن لا نكرر تلك المجازر الرهيبة التي نسجوها من دمائنا واستقرارنا وحياتنا وحضارتنا، يجب أن تبتعد عنهم يا علي، لن يقبلوك مهما فعلت، وكنت أتمنى أن تسأل سيدهم الذي قرنت نجاحك في جماعته بولائك له، وليس للأهداف والقيمة، للفكرة التي لم تكن موجودة فاضطروا معها إلى ابتداع مسمى المسيرة القرآنية، كجرعة أفيون يخدرون به الجاهلين والفلاحين وأنصاف المتعلمين ليقودوهم مرة أخرى إلى عذاب الصراع، ولن يفلحوا..هكذا يقول التاريخ، اسأله وقل له كم ضحايا أسلافك المتخلفين؟ لن يجيبك يا علي!، لقد مات في حرب استرداد الملكية في اليمن الشمالي بُعيد إنقلاب (26 سبتمبر 1962م) خلال ثماني سنوات حتى عام المصالحة في 1970م مائة وخمسون ألف يمني، وفي نهاية الحروب الأهلية غادرت إسرة الإمام المخلوع للعيش في السعودية كأمراء، وبقي المراهقون المنتصرون هنا يلعقون دماء ضحاياهم ويستأنفون الصراع والموت ويمارسون الخيانات والعمالة ويقاتلون بعضهم على الكرسي الملعون.
عليك أن تعي يا علي أن الذين وقفت أمامهم لمنعهم من اقتحام منزل زوجة الشيخ الفار حميد الأحمر هم جماعتك، أنصارك، وتلك لم تكن الحادثة المخجلة الأولى بل سبقها الكثير والكثير إلا أنك لم تتأثر لما حدث، لأنك كنت بعيداً، لم تخجل مما اقترفه أصحابك في مناطق التمدد الجغرافي الغاضب والغاصب بعد نشوة سقوط صنعاء وقبلها في عمران، لقد رأيتهم في قناة سهيل كيف أصبحوا جبارين وضربوا بحلمك المدني عرض الشعار المكتوب بلغة الكراهية المعادية للإنسانية والأحلام، في العاصمة صنعاء وحدها قُتل 733 شخصاً، وأصيب 930 آخرين، وفي مدينتك ومدينتي ذمار اجتاحوا المؤسسات والجامعات وأغلقوا شارع المدينة الكبير، تعاملوا كالتتار وخرج القرشيون من جحورهم يحثوننا على الموت ثأراً لدم الحسين، وحين سألتهم : أين قاتله؟ تعلثموا وقالوا لي بصوت خفيض : لقد مات قبل خمسمائة ألف يوم!
هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى!، هذا المنطق الثأري الغبي لا يمكنه الاستقامة والاستمرار، إنه انتحار حقيقي لكل معالم وإرشادات الدولة المدنية، هذه الجماعة الخارجة لتوها من كهف التاريخ وجدتك صدفة على طريقها وصافحتك وكنت تأمل أن تقيم عليها معجزة التحول وتنفخ فيهم الروح، إلا أنهم كانوا ميتين، عليك أن تعترف بذلك ولا تكابر، لقد ماتوا يوم مات الحسين عليه السلام، وهم الآن مخلوقات أخرى، كائنات ليس لها علاقة بالبشرية وسننها، لا ترتبط بالروح العظيمة لمسيرة القرآن الكريم، لهم دستورهم ومنطقهم وكراهيتهم التي يستعيدونها كل صلاة بالبكاء على السبط الشهيد، وعلى قريش الأخرى التي حرمتهم حق الولاية، فرفعوا قميص الحسين كما رفع معاوية قميص عثمان..إنهم يشبهون بعضهم وإن انكروا، ونحن لا نشبههم ولسنا منهم، إننا وقود، حطب على نار مُلكهم ونار جهنم أيضاً.
يا علي البخيتي..قريش الجديدة التي تسمى صعدة ستقتلك، لأنك أدنت ممارساتها وهي الان لا تعرف بمَ تجيب عليك؟ ليس لديها رد أو إجابة سوى سلاح مليشياتها التي ستحاول إسكاتك بأي طريقة كما أسكتت عبهلة العنسي منذ قرون طويلة، وشوهت تاريخه وحرّفت مطالبه وكفَّرت مقاصده، ولقبته بالأسود رغم أنه كان جميلاً جداً، بل أجمل منهم جميعاً.
..والى لقاء يتجدد