الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٨ صباحاً

"نوبل" بالعربي

توفيق بو عشرين
الاربعاء ، ١٤ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٨:١٠ مساءً
ذهبت أرفع جائزة في العالم، نوبل للسلام، هذا العام لرابع عربي يفوز بها، بعد أنور السادات وياسر عرفات وتوكل كرمان. جاء الدور على رباعي الانتقال الديمقراطي في تونس، وهي لجنة مؤلفة من الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة أصحاب العمل الرئيسية) والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين (نقابة المحامين).


وقد نجحت هذه المنظمات، قبل سنة، في مهمة كانت تبدو مستحيلة، وهي إخراج بلاد الزيتون من بين أنياب حرب أهلية وانقسام داخلي وإرهاب كان يطل على مهد الربيع العربي. نجح الحقوقي والنقابي ورب العمل والمحامي في قيادة مبادرة تاريخية لإيجاد حل سياسي متوافق عليه، لإبعاد النار عن البيت التونسي بين حكومة راشد الغنوشي التي كانت تتمسك بقانون الأقلية والأغلبية، ومعارضة الباجي قايد السبسي التي كانت تتهم الحكومة بالتهاون في محاربة الإرهاب واليساريين القدامى الذين ألقوا بدم محمد البراهمي وشكري بلعيد على ظهر حزب النهضة حتى قبل دفنهما. أما الجهاديون والسلفيون فكانوا بتشددهم يريدون إجهاض مسلسل التحول الديمقراطي في المهد.
في ذلك المناخ المتوتر، والذي لعبت فيه قوى إقليمية ودولية لعبة النفخ في الجمر، وفي أجواء الربيع الذي تحول إلى خريف، حيث يرفض بشار الأسد الحوار مع شعبه، ويدير صالح علي عبدالله صالح ظهره لوطنه، ويقلب عبد الفتاح السيسي النظام المدني إلى عسكري، ولا يقبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر لقاء خصومه سوى من على الطائرات التي تقصف المدن. في هذه الأجواء العربية، نجح الرباعي التونسي في إطفاء النيران، ودفع الحكيمين، الشيخ الغنوشي والشيخ السبسي، إلى تغليب مصلحة البلد الصغير على مصلحة الفرقاء السياسيين، فكان الدستور الذي صفق له العالم، والذي أرسى أول نظام برلماني في جمهورية عربية، ثم جاءت الحكومة التكنوقراطية التي أشرفت على انتخاباتٍ مفتوحةٍ شهدت منافسة كبيرة، وانتهت باعتراف الخاسر للرابح بالنتيجة. فعلها الغنوشي مع زعيم "نداء تونس" الذي فاز حزبه بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، وكرّرها المنصف المرزوقي مع السبسي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية.

الغنوشي والمرزوقي والسبسي شركاء أساسيون في جائزة نوبل للسلام مع الرباعي، وتونس وتجربتها في الانتقال الديمقراطي هي الفائز الأكبر بلا منازع. هذه أول مرة تذهب جائزة من هذا العيار إلى عرب يساهمون في بناء تجربة للانتقال الديمقراطي، هذا معناه أن العربي بدأ يتحدث لغة جديدة يسمعها العالم، وبدأ يؤسس لنفسه مكاناً في نادي الديمقراطيات الحديثة، وبدأ خطاباً جديداً متحضراً يسمع إلى جانب خطب البغدادي والسيسي وحفتر والجولاني وعلي عبدالله صالح والمجرم الأسد وبقايا التخلف الطائفي في العراق.

ليلة إعلان نتيجة مداولات لجنة الجائزة، كانت ليلة فرح كبير في تونس وبين كل الديمقراطيين العرب الذين أصابتهم الخيبة من مآلات ربيع عربي كان واعداً بمستقبل أفضل لهذه المنطقة، قبل أن تنقلب عليه الثورات المضادة والمؤامرات الدولية والأجزاء الميتة في الجسم العربي من سياسيين وعسكريين وإعلاميين ورجال أعمال وبقايا الأنظمة التي أوصلت العربي إلى القبر، ولم تعد ترى لنفسها من دور إلا محاربة كل بارقة أمل في إنقاذ هذه القطعة الجغرافية من التيه في غابة الاستبداد والفساد والتفكك والانحطاط.

كرمت "نوبل للسلام" هذا العام الرباعي التونسي، ومعه كرمت محمد البوعزيزي، وكرمت كل ضحايا القمع الذين لقوا ربهم في الميادين، وهم يحلمون بمستقبل أفضل لهم ولأبنائهم، تحت شعار (الشعب يريد).

"العربي الجديد"