الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٧ مساءً

جرائم صالح : وجبة الـ 31 جامعياً

د حسن قائد الصبيحي
السبت ، ٣١ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ١٠:٢٣ صباحاً
الفرق بين مدلول العطش والتعطش كبير.. فالأول يرتبط بالرغبة في إشباع حاجة تنتهي في لحظة الإحساس بالإشباع، أما التعطش فهو نزعة تدميرية ترتبط على الدوام بالرغبة بإزهاق الأرواح وسفك الدماء وهي حالة تأخذ صاحبها فلا يتوقف عن ممارستها والتلهي بها طالما امتلك النفوذ والقوة ودانت له السلطة والمال.
وقد اهتديت بمحض الصدفة إلى حالة وجدت فيها فريقاً من العطشى الذين يبحثون عن حقائق إضافية حول جرائم ( عفاش ) بعد أن قرأوا في هذه الزاوية من أسبوع جريمة اغتياله للمرحوم إبراهيم الحمدي. والحقيقة أن لدينا الكثير من الحقائق والوثائق كلها تصب في بند جرائم صالح المروعة ضد أبناء شعبه وحتى لا نخيب الظن، فلدينا هذه التراجيديا اليمنية من إنتاج وتنفيذ علي صالح وفيها ما يزيدنا يقيناً بأن سلسلة إزهاق الأرواح وسفك الدماء التي رافقت عفاش ومنذ عامه الأول طويلة ونتذكر هنا ما عرفناه وما أخفاه صالح من قصة المناضل عيسى محمد سيف وربعه الثلاثين من خريجي الجامعات المصرية في نهاية الستينات وبداية السبعينات الذين نفذت فيهم أحكام الإعدام الجماعي بعد أن وجهت لهم تهمة التخطيط لقلب نظام الحكم، ودفع القضاة إلى الاستعجال بإصداره وتنفيذه من دون أن يرعى أو أن يشعر بفداحة حرمان اليمن، البلد الفقير من كوادره وحملة الشهادات العليا والكفاءات العلمية، فماذا يضيره حين يقدم على ارتكاب مجزرة الخريجين الجامعيين وهو الجاهل الذي بدأ يفك الخط وهو في سنة ثانية رئاسة ؟
وأغرب ما في هذه التراجيديا الصالحية أن تعاوناً خفياً حدث بمحض الصدفة بينه وبين القذافي وأدى إلى تلك النهاية المؤلمة لهؤلاء الضحايا. إذ تقول الرواية إن معمر القذافي كان يتحدث في لقاء شبابي بالقاهرة وكان المرحوم عيسى حاضراً وكان جريئاً، بليغاً، مثقفاً، قيادياً، ناصرياً التف حوله الطلبة العرب بقاهرة الستينات وهم كثر.
ويبدو أن عيسى بدا وكانه يتجرأ على (خليفة عبد الناصر) حين قال للقذافي في مداخلة له إنك يا سيادة الرئيس أمعنت كثيراً بالوعود ورفعت درجة التوقعات وظننا بعد أن فقدنا زعيم الأمة بأنك سوف تملأ الفراغ، بل إنك منحتنا وعداً قاطعاً بأنك سوف تكمل رسالة عبد الناصر ولكنك وللأسف بدأت وكأنك تتخلى عن وعودك وتنقض عهودك ولا يزال في الوقت من متسع للمراجعة وإعادة الزخم للمشروع القومي الذي لم يكتمل بوفاة قائده وفيك البركة. ويقال إن القذافي لم يرد على إيماءات عيسى وفضل الصمت لكن رده جاء قاتلاً مدمراً لعيسى ومن معه ومن وحوله. وتشير الرواية إلى أن القذافي أعطى مخابراته تعليمات بفتح قناة للاتصال مع الحزب الناصري في اليمن، وكان عيسى على قمة الحزب واقتضت الخطة أن يتم تمويل ليبيا لحركة انقلاب ضد صالح والاستيلاء على الحكم والقضاء عليه بدعم مباشر من العقيد.
هكذا تبدو الخطة ولكن النية المبيتة كانت تقضي باستدراج زعماء الانقلاب إلى الفخ الذي نصبه القذافي لعيسى ومن معه والقضاء عليهم بضربة واحدة انتقاماً لتجرؤ عيسى على العقيد، وقد نجحت الخطة 100% بعد أن أوعز القذافي لمخابراته بإبلاغ صالح بتفاصيل الانقلاب وإشعاره بأن العقيد معمر هو الأخ الحريص على سلامته وسلامة اليمن، وهنا يبدو القذافي متسقاً مع نفسه في الإيغال بالتآمر والرغبة في الانتقام.
والشاهد الآن أن صالح يسير في نفس الاتجاه مصحوباً بجهل طافح بالتاريخ فكيف له أن يقرأ العبر في سيرة من ذهب ومآلات من غدر.
فإذا عدنا للهدية الثمينة التي قدمها القذافي لصالح فقد وجد صالح ضالته مبكراً ولم تمض على حكمه سوى عدة أشهر في الحصول على وجبة جديدة من دماء أبناء شعبه الذي يحرص على أن يريقها كلما عنّ له ذلك وهو الآن يشفي غليله بتدمير المدن والقرى اليمنية.
فتلك عدن ولحج وابين ومأرب وشبوه وإب وتعز والحديدة والمخا والصبيحة وكلها مدن يجللها التاريخ وتومض بنبض المحبة في صدور العرب ووجدانهم.
نعم، لقد حكم صالح اليمن لمدة 32 عاماً وجمع ثروة تقدر وفق تقارير المنظمات الدولية بما مجموعه 62 مليار دولار.
كان الوزراء الذين عملوا معه لا يمارسون مهامهم الأصلية في تسيير شؤون البلاد، بل إن معظمهم تحولوا إلى جباة يطوفون الدول العربية الغنية للحصول على المساعدات لتطوير وبناء المدارس ومرة لبناء المستشفيات ورصف الطرق وتسديد رواتب الموظفين وحتى رعاية العجزة والأيتام. ويذكر بعض هؤلاء الوزراء أنه كان يطلب منهم لدى عودتهم من جولاتهم أن يتوجهوا مباشرة إليه لمعرفة حجم المساعدات، ثم يوجه بإحضارها إليه بحجة أنه يعلم احتياجات الصرف أكثر من الوزراء.

* الخليج