الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٧ صباحاً

كوب قشر 1 عيب !

إلهام الحدابي
الجمعة ، ٠٦ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ١١:٥٦ مساءً
كنت في السابعة تقريباً يوم اصطدمت بهذه الكلمة دون أن أفهم أبعادها ، جلست بالقرب من والدتي التي كانت تجلس مع نساء أخريات يشربن القهوة من دلة كبيرة ، سكبت لي قهوة من تلك الدلة وجلست جوار والدتي لكني بعد قليل رأيت جدتي تفتح لي عيونها على اتساعها ، لم أفهم واصلت احتساء القهوة، وفجأة أخذت مني والدتي ذلك الكوب وأمرتني أن أذهب للعب مع الصغار، اعترضت وطالبت بكوب القهوة، قرصتني أمي على أذني وقالت لي يومها: عيب البنات ما يشربوا قهوة !

منذ ذلك السن بدأت رحلتي في محاولة فهم العيب وثقافته، كان من العيب أن أتحدث بصوت عالي، من العيب أن أرتدي ملابس ملونة، من العيب أن أعترض على كلام أي شخص أكبر مني، العيب وثقافته لم تكن متعلقة بي فقط كما اعتقدت لأول وهلة ، لكني اكتشفت ان كل الآخرين مثلي محاصرون بثقافة العيب، لا تطول شعرك، لا ترتدي هذا النوع من الملابس، لا تجلس مع هاؤلاء الشباب ...إلخ

عندما كنا نسأل : لماذا؟! تكون الإجابة التي حفظناها جاهزة : لأنه عيب !

بعد سنين طويلة بحثت خلالها عن موقع العيب من الإعراب فلم اجد له أي مكانة، كان مجرد آراء حصنت بقدسية العيب حتى يمنع الجدل فيها، بل اصبح أكثر طريقة سهلة لقطع النقاش والتفكير في أي موضوع .

ترى من الذي صنع لنا ثقافة العيب ؟ ولماذا انتشرت في مجتمعاتنا أكثر من اي شيء آخر ؟!

ولم أجد إلى الآن أي إجابة وافية ، لكني أعتقد أن الإجابة سترتبط ببعد اجتماعي وتاريخي وسياسي وديني وثقافي، ربما لن نستطيع أن نلم بكل تلك الأبعاد لكننا حتماً لن نتوقف عن الاكتواء بنار العيب الذي لا منطق له، ومن هنا قررت أن أترك العيب وثقافته، واتخلص منهما من حقيبة عقلي، واصبحت تلك الكلمة بالنسبة لي مجرد عهد قديم، لكني لا زالت اراها حولي فاردة جناحيها كسلطان قديم يرفض أن يتخلى عن عرشه ، لذا قررت أن أعلن حربي عليها ليس فيما يتعلق بي ، ولكن فيما يتعلق بالآخرين، لأني على كل حال سأتعامل معهم ومن يدري لعلها تتسلل من عقولهم مرة اخرى إلى حقيبة عقلي.

العيب ليس مجرد حجة اجتماعية لإعطاء بعض الأراء قدسيتها، بل هو تهلكة حقيقية لقدرة المجتمعات على التفكير ، فكونه محصن ضد المنطق كوننا نمارسه كسلوك يكون من الصعب أن نتخلص منه بسهولة، لكننا نستيطع أن نتخلص منه فقط إذا قررنا أن نعرضه للمنطق والدين والحكمة، حينها سيبدوا عارياً من القداسة وسيسقط كما سقطت قبله الكثير من التخاريف.

حتىة نواجه ثقافة العيب ينبغي علينا أن نتعامل معه بمنهجيات وأدوات محددة، واول أداة يمكنها ان نستخدمها في محاربة ثقافة العيب هي نفس الأداة التي يستخدما العيب نفسه وهي القداسة، لا يوجد أي قداسة لأفكار أو الأشياء من حولنا، لكن يوجد في ديننا ميزان واضح المعالم، وهو ميزان الحلال والحرام، ولا يوجد شيء بينهما ،سوى منطقة رمادية ، هناك يختبئ العيب وعلينا أن نتخلص منه ،بأن نعرضه لذلك الميزان في كل أمورنا، وسنكتشف بمرور الوقت كما أن معظم الأشياء التي يؤمن بها لا صلة لها لا بالحلال ولا بالحرام وإنما بثقافة العيب.

الأداة الثانية هي أداة المنطق، فالعيب عادة لا يستند إلى أي منطقية في تعامله مع الأوامر والسلوك، لذا عندما يمنعنا شخص ما من شرب القهوة أو إطالة الشعر تحت دعوى العيب لن نستطيع بسهولة الانقياد له، بل سنبحث معه عن ارتبطه بميزان الحلال والحرام ، ثم سنختبره بميزان المنطق، إن ثبت وصمد سيكون أقرب لحكم شوه وحرف وفق أهواء البعض ،حتى صار اقرب للعيب منه للحرام أو الحلال، ومن هنا سنعدله ونعطيه صبغته المنطقية ليعاود وجوده في واقعنا بشكل هادف لا على شكل ثقافة العيب.

إذا طبقنا مثل هذه الخطوات سنتمكن ولو بعد حين من استعادة قدرتنا على التفكير والانجاز ثم الانتاج، لأننا إذا فكرنا بشكل عميق حول ما يحدث لنا من انتكاسات سياسية واجتماعية وثقافية سنجد خلفها العديد من العوامل المتكلسة، من تلك العوامل ثقافة العيب.