السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٧ صباحاً

مركز الملك سلمان للإغاثة.. بعض إعادة الأمل لأهل اليمن

إحسان الفقيه
الأحد ، ٢٤ يناير ٢٠١٦ الساعة ٠٦:٢٠ مساءً
في ذات يوم في صدر النهار، جاء قوم من "مضر" إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبدو عليهم أمارات العوز الشديد، فتغير وجه النبي تأثرا لما يظهر عليهم من آثار الفاقة، فخطب في الناس يحثهم على الصدقة، ويذكرهم بالله والاستعداد لليوم الآخر، فإذا برجل من الأنصار يأتي بصُرّة تعجز يده عن حملها، ثم تتابع الناس من بعده يجود كل منهم بما عنده، حتى تجمّع كوْمان من طعام وثياب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتهلّل وجهه قائلا: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا).

لو أن ضيّقِي الأفق طالعوا مثل هذا الأثر، لوجدوا في أنفسهم شيئا تجاه الصحابة الكرام، إذ جهروا بعطائهم وبذلهم أمام الأعين، فلا يستوعب المتنطعون أن الله تعالى قد امتدح الإنفاق سرا وعلانية {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274].

وقد يُستحب الجهر به لمصلحة شرعية، كأن يقتدي الناس بفعل المُتصدّق الباذل، ولذا قال الإمام ابن كثير: "إسرار الصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة، من اقتداء الناس به، فيكون أفضل من هذه الحيثية".

بل ذهب الطبري إلى أبعد من ذلك، حيث رأى أن الأصل فيها كغيرها من الفرائض، أن الفضل في إظهارها والجهر بها، إذ يقول في تفسيره: "الواجب من الفرائض قد أجمع الجميع على أن الفضل في إعلانه وإظهاره سوى الزكاة التي ذكرنا اختلاف المختلفين فيها مع إجماع جميعهم على أنها واجبة، فحكمها في أن الفضل في أدائها علانية، حكم سائر الفرائض غيرها".

ابتدأت مقالتي بذلك التأصيل الشرعي لإظهار أعمال الخير، لكي أقطع الطريق على فريق التشغيب، وهواة تعطيل الإشارة إلى نماذج الخير، والمُشككين في النوايا والبواطن.

النموذج الذي أطرحه في المقالة هو ثمرة للخير زُرعت على أرض السعودية، بلد الحرمين الشريفين، رغبة في لفت انتباه الدول والشعوب والمؤسسات إليه نموذجا، ومحاولة مني للفرار من حتمية لم يضعها دين أو منطق، وإنما هي من وضع خيال عقول مريضة شكلتها نظرة سوداوية، تلك الحتمية التي تحرم علينا الإشارة إلى أي نموذج للخير، طالما أتانا من قِبل الحكومات.

هو نموذج أحببتُ الإشارة إليه باعتباره نقطة مضيئة في صفحات المملكة التي تكالب عليها الأقارب والأباعد، وصارت مستهدفة من جهات عدة بشكل غير مسبوق، وتخوض حربا ضروسا ضد المعسكر الإيراني.

مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، أحد الجهود المباركة التي اطّلعتُ على تفاصيلها خلال زيارتي للسعودية، فجُمع لي عن هذا المركز ما قرأت وما رأيت.. وأعتذر فلن أذكر أسماء العاملين بصمت وببراعة في المركز من المدير التنفيذي إلى أصغر متطوّع فيه.. فالمقالة بمثابة تمهيد لمقالات وتقارير أخرى..

انطلق المركز في عهد الملك سلمان، ويعتمد في أعماله على ثوابت ذات منطلقات إنسانية، ترتكز على إغاثة المنكوبين والمحتاجين بآلية رصد دقيقة، ووفق تنظيم مؤسسي واعتمادا على كوادر مؤهلة، وبالتنسيق مع هيئات ومنظمات عالمية متعمقة في المجال الإغاثي.

*لقد شمل العمل الإغاثي للمملكة 83 دولة، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية، أو اعتبارات الدين والجنس واللون.

وأكد لي مسؤولو المركز أن المركز إغاثي يخضع للمقاييس الإنسانية، ولم يتلقّوا أي توجيه من قبل الحكومة منذ إنشائه بكيفية العمل، هناك توجيه حكومي واحد: عمل إنساني بكفاءة جيدة تصل للمستحقين.

والذي لا يعرفه الكثيرون أن هناك عددا من الإجراءات الرقابية (تصل إلى ثمانية) تتم من قبل مكاتب المركز للتأكد من عدم وجود أي شكل من أشكال الفساد، إضافة إلى أن هناك شركات عالمية متخصصة تقوم بتقييم جهود المركز.

ونظرا لأن أول برامج المركز التي تولاها بتوجيه مباشر من خادم الحرمين كانت عملية إعادة الأمل لمساعدة الشعب اليمني، فسوف أسلط الضوء على جهود المركز تجاه إغاثة الشعب اليمني، جزءا مُتمّما لدور المملكة في عملية عاصفة الحزم لإعادة الشرعية إلى اليمن، والتصدّي للنفوذ الإيراني عن طريق مواجهة الحوثيين (ذراع إيران في اليمن) وتأديبهم.

وإلى كل من يتهم السعودية في الداخل والخارج بالعبث في مجال حقوق الإنسان، ودعم الإرهاب، هذا هو شأن السعودية الإرهابية مع الشعب اليمني:

1ـ أطلق مركز سلمان للإغاثة، مشاريع عدة لمعالجة الوضع في المناطق المتضررة في اليمن، من خلال توفير الأمن الغذائي ومعالجة الوضع المعيشي المتدهور، وإيجاد حلول للأسر النازحة جراء الصراع، إضافة إلى العمل على توفير واستمرار الخدمات الصحية بمعزل عن أي حسابات.. والحاجة للمساعدة كانت المقياس..

2ـ هل تعلم أن مساعدات المركز لأهل اليمن شملت 22 محافظة، منها المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وقوات صالح؟

3ـ هل تعلم أنه خلال الاتفاقيات التي وقّعتها المملكة مع الأمم المتحدة تنازلت السعودية عن ذكر اسمها، كي لا يتعرض الفريق الإغاثي في اليمن للخطر؟

مشروع الأمن الغذائي:

مشروع يعمل على توفير الغذاء في المناطق المستهدفة بالتنسيق مع المنظمات الدولية المعنية والحكومة الشرعية باليمن، حيث قام مركز الملك سلمان بتنفيذ 13 برنامجا في اليمن بمشاركة أكثر من 13 منظمة دولية وإقليمية، استفاد منه خمسة ملايين وربع مليون شخض، وتم توفير ما يزيد على نصف مليون سلة غذائية، و935 طنا من المواد الغذائية، وأكثر من ربع مليون وجبة ساخنة وجافة.

وفي رمضان الماضي، تم تقديم 180 ألف وجبة ساخنة (إفطار وسحور) للعالقين اليمنيين في منفذ الوديعة.

وتم تقديم 450 طنا من التمور للمحتاجين في محافظات عدن ولحج وأبين. ولولا ضيق المقام لحدثتكم عن تلك البرامج بالتفصيل.

مشروع المساعدات الإنسانية:

قام المركز بتنفيذ عشرة برامج في اليمن مع عدد من الشركاء المحليين والدوليين، لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، والإسهام في نقل العالقين من وإلى اليمن، وتجهيز مراكز إيواء اللاجئين اليمنيين، وبرامج للمياه والإصحاح البيئي، استفاد من تلك البرامج ما يزيد على 18 ألفا.

ومن هذه البرامج باختصار شديد:

*برنامج نقل العالقين اليمنيين في كل من مصر والهند والأردن وجيبوتي وأثيوبيا والسودان واليابان والإمارات، إلى اليمن، والبالغ عددهم حتى الآن (12040) عالقا.

*برنامج نقل العالقين اليمنيين من جيبوتي إلى اليمن وعددهم (1400) عالق.

* توفير وسائل لنقل العالقين اليمنيين من منفذ الوديعة السعودي إلى مديرية العبر في اليمن.

*تقديم عربات كهربائية لذوي الاحتياجات الخاصة في منفذ الوديعة.

*تنفيذ برنامج للحياة والإصحاح البيئي في منفذ الوديعة لخدمة العالقين اليمنيين.

*إنشاء مركز إيواء مؤقت للنازحين اليمنيين في مديرية العبر بمساحة (10) آلاف م2، تتوفر فيه كافة الخدمات، ويتسع لألف شخص في آن واحد.

مشروع المساعدات الطبية:

قام المركز بتنفيذ 13 برنامجا في اليمن، بمشاركة أكثر من 12 منظمة وهيئة إقليمية ودولية، تم من خلاله توفير 823 طنا من الأدوية والمستلزمات الطبية، وتجهيز العديد من المستشفيات والمراكز الطبية، واستفاد من تلك البرامج أكثر من عشرة ملايين وربع مليون شخص.

* أبرز برامج هذا المشروع:

- مشروع تقديم الإغاثة العاجلة والإنسانية للعالقين واللاجئين اليمنيين في جيبوتي (1)، استفاد منه أكثر من 10752 من اللاجئين.

- مشروع رعاية الأطفال والأمهات من اللاجئين اليمنيين في جيبوتي، استفاد منه أكثر من 7598 طفلا وأما.

- مشروع تأمين أجهزة غازات الدم الشرياني في مركز القلب في المستشفى العسكري في صنعاء، والمستشفى الجمهوري في عدن، استفاد منه أكثر من 4750 مريضا.

- مشروع تقديم الدعم الطبي للمنشآت الصحية في المحافظات اليمنية بالأدوية والمستلزمات الطبية في مأرب، وحضرموت، وعدن، والمديريات التابعة لها، واستفاد منه أكثر من 10768 نازحا ومقيما ومريضا ومصابا.

لقد كانت المملكة أول من استجاب لنداء الاستغاثة الذي أطلقته الأمم المتحدة لإغاثة الشعب اليمني، حيث رصدت المملكة 274 مليون دولار.

* ولئن كانت المملكة تفضل إطلاق مسمى الشريك الاستراتيجي بدلا من "مانح"، إلا أنها قد سُجّلت كأكبر مانح لليمن عام 2015م، حيث أنها إضافة إلى تقديمها مبلغ 274 مليون دولار بعد نداء الاستغاثة الذي أطلقته الأمم المتحدة، فقد خصصت كذلك مبلغ 138 مليون دولار لمشاريع أخرى متعلقة بالتعليم والصحة والغذاء والإيواء.

وإلى جانب الجهود التي يبذلها المركز في مجال التعليم في اليمن، هناك مشروع يدخل في مرحلته الأخيرة، يتم بالتنسيق بين وزارتي التعليم في السعودية واليمن، وهو التعليم عن بُعد باستخدام النقل الفضائي، وتم وضع المناهج التعليمية بشكل إلكتروني، ووضع شاشات بكل مركز تعليمي، وسوف تكون المواد التعليمية هي نذاتها المُعتمدة لدى الحكومة اليمنية.

ويقوم على التدريس عدد من المدرسين اليمنيين الذين وفرت لهم المملكة فرص عمل، سواء كانوا على الأراضي اليمنية أو السعودية، حيث يتم تواصلهم مع الطلاب عن طريق الإنترنت.

* ولمن لا يعرف، فإن المملكة ترصد 100 مليون لدعم المجتمعات المُستضيفة لللاجئين، لدعم المؤسسات التعليمية والصحية في مراكز تجمع اللاجئين (شمال الأردنّ وشرقه) نموذجا، وسنتحدث عنه لاحقا.

* وإنما تحدثت اليوم عن شيء يسير من العمل الإغاثي الذي يقوم به المركز تجاه اليمنيين وحدهم، وأما السوريون فتواصلنا مع جهات سعودية أخرى لتقديم تفاصيل دقيقة حول جهود المملكة في التيسير عليهم، ودعم من يحتضنهم من دول وأفراد، ناهيك عن التسهيلات المُقدّمة لهم في داخل السعودية سواء في قطاع التعليم أو فيما يتعلّق بالعلاج في مستشفيات المملكة.

*غير أنه من الإجحاف والظلم، أن نتغافل عن الجهود الإغاثية السعودية الضخمة والمُشرفة، خاصة لليمنيين، وهو بلا شك تجاهل مُتعمّد ممن عضّوا على أناملهم غيظا من عاصفة الحزم، التي قادتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن.

فالسعودية تسير خلال التعامل مع الأزمة اليمنية عبر مسارين: الأول عسكري لخدمة الحل السياسي، والثاني إغاثي إنساني، لنجدة الشعب اليمني والحفاظ عليه، في الوقت الذي يزعم البعض فيه أن السعودية تدمر الشعب اليمني.

السعودية حقا تعيد الأمل للشعب اليمني، وأرى أنه لا يحق لشريف أن يقف على الحياد في معركة تخوضها المملكة ضد أخطر مشروع تتعرض له المنطقة بأسرها، فهناك واجب الوقت، وفقه المرحلة، وضرورة التعالي على الخلافات الضيقة، والالتفاف حول مشروع بدت إرهاصاته، ونبَت غراسه، ونصر الله المخلصين من عباده..

* عربي 21