الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٥ مساءً

سراويل علي عبدالله صالح !

فكري قاسم
الاثنين ، ٠٥ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١٢:٠٦ صباحاً
- معلوم أن الرئيس "صالح" يتكىء على عصابة، ولم يراهن - ولو لمرة واحدة في حياته - على قوة الشعب، لذلك يمارس إصراره على عدم إعادة هيكلة الجيش - حالياً - ضمن بنود التوقيع على المبادرة الخليجية.

وفي المقابل – أيضاً - فإن إصرار القيادات التقليدية داخل أحزاب اللقاء المشترك على التمترس خلف بنادق القبيلة والفرقة الأولى مدرعة - لحماية الثورة حسب زعمهم – لا يبدو أكثر من كونه إهانة لقوة الشعب الذي خرج - أساساً - في ثورة سلمية ضد خرافة القوة!.

- كلا النموذجين على أية حال يمثلان منظومة واحدة لطالما عاثت بسكينة الناس وأمنهم، ولطالما نهبوا - معاً- ثروات هذا البلد المنهك.

في الانتخابات الرئاسية عام 2006 أعلن حزب الإصلاح أن علي عبدالله صالح هو مرشحهم للانتخابات، وقال اليدومي يومها:"ولا نعلم من هو مرشح المؤتمر الشعبي العام"، وقال عبدالمجيد الزنداني: "لقد اخترنا القوي الأمين" في وصفه لمناقصة الانتخابات التي رست حينها على "صالح" الذي اعتاد أن يرتدي - في كل حقبة له - سراويل تستر عورته لفترة ثم يرميها ليرتدي سراويل أخرى، وهكذا.

- أمام ثورة الشباب السلمية التي اندلعت في 11 فبراير من هذا العام، بدا "صالح" - لأول مرة في حياته - هشاً وعاريًا من كل شيء، وظل يبحث - كما الغريق - عمن يستر عورته. بدا الرجل وحيدًا يتخبط من مبادرة إلى أخرى مقتنعًا - على ما يبدو - بأن غباء خصومه - الذين لم يكونوا خلال الثلاثة الأسابيع الأولى من الثورة قد انضموا عملياً إليها - سيمنحه كما العادة طوق النجاة.

كانت جمعة الكرامة كفيلة بأن تزبط "صالح" إلى مزبلة التاريخ، لكن سراويله القديمة تلقّفته ومنحته فرصة ذهبية ليرتديها بالية هذه المرة، الأمر الذي قوّض الثورة وأخّر حسمها كثيرًا.

- لدى "صالح" على أية حال معارضة غبية تعمل بشكل دؤوب على إظهاره كرجل ذكي، في حين أن الرجل - أساساً- لا يتمتع بشيء من ذلك، بل لديه قدر عالٍ من الدهاء.

- ومثلما أصبحت العاصمة صنعاء مجرد مقاطعات موزعة على الحرس الجمهوري والفرقة وأولاد الشيخ عبدالله، فإن تعز المدينة تبدو هي الأخرى الآن مقاطعات موزعة على الحرس الجمهوري ومسلحي حمود سعيد وصادق سرحان!.

مناطق الروضة وزيد الموشكي وعصيفرة وشارع المغتربين والتحرير الأسفل - مثلاً - سقطت في يد مسلحي الشرعية الثورية التابعين لفصيل "حمود سعيد".. ومناطق المسبح والحصب وشارع جمال وبيرباشا سقطت في يد مسلحي الشرعية الثورية التابعين لفصيل "الجنرال صادق سرحان"، في حين لاتزال مناطق صالة والكمب وحوض الأشراف والمجلية وحارة المستشفى الجمهوري والمرور وشارع 26 سبتمبر وجزء من الشماسي تحت سيطرة القوات النظامية.

وما يثير مشاعر الألم أن القمامة لوحدها فقط متكدسة في كل مكان من المدينة!.
سنفترض أن النظام سقط في تلك المناطق المحررة من قبل الشرعية الثورية، إذاً فمن واجب هذه الشرعية ألاّ تحمل السلاح فقط، بل وتحمل المكانس أيضاً، وتقدم للشرعية الدستورية البليدة نموذجاً أرقى - على الأقل - فيما يتعلق بالنظافة، وعدم الاعتداء على ممتلكات الناس، وسيكون من المخجل جداً أن نتحدث عن سرقة أكثر من 400 سيارة في تلك المناطق المحررة – أساساً - والتي يجب على قوى الشرعية الثورية أن تقدم للناس في تلك الحواري التي "حرّروها" نموذج أمان يفتح شهية الناس للتصفيق لهذا القادم من وراء القوارح.

- ليس هناك مصلحة لأن تتسلح تعز إلا لأمراء الحرب من الطرفين.
صحيح أن النظام سافل وأجبر ناس المدينة المسالمة على حمل السلاح لحماية أنفسهم خصوصاً بعد إحراق ساحة الحرية وبشكل بشع.

صحيح – أيضاً - أن القصف الوحشي الذي تعرضت له عديد مناطق مأهولة بالسكان خلال الأسبوعين الفائتين من قبل قوات النظام جعل المدينة تنزف ووسّع من جراحات الناس الغائرة، لكن الأخطاء التي رافقت سلوكيات عدد من المسلحين المنضمين للثورة بدت مؤذية هي الأخرى، خصوصاً تلك المتعلقة بنهب ممتلكات المواطنين.

- الثورة منظومة قيم متكاملة.. الثورة تغيير مفاهيم وليس استبدال قوى بقوى أخرى، منظر المدينة - وقد تحولت إلى مقلب قمامة كبير – لا يشكل لها أي أذى يذكر!.

- إنني أضرب مثلاً بسيطاً، ولا أنط من فوق أرواح الشهداء الأبرياء الذين قصفتهم قوات النظام وبشكل هستيري ومجنون، لكننا في واقع الحال نريد للثورة عيوناً ليس بينها توأمة هي وعيون "صالح" لتنظر إلى حياة الناس وأحلامهم وهدوئهم بشكل أفضل.

لا نريد أصناماً جدد يختبئون خلف غطاء الشرعية الثورية - تماماً - كما يختبىء "صالح" خلف الشرعية الدستورية!.

- لقد خرج الشعب اليمني العظيم في ثورة سلمية أرادوا من خلالها دولة مدنية، لابد أن تظهر ملامحها الآن ونحن على ظهر سفينة الثورة المباركة، فلم يعد بوسع الناس – بصراحة - الركون إلى وعد بالحرية وبالدولة المدنية من مبندقين ضيقي أفق! أومن خطاب ديني أحادي التوجه ومكرس فقط لصناعة أصنام جدد.. الله يخارجنا...!

- في حقيقة الأمر الثورة اليمنية - التي زلزلت عرش "صالح" المراوغ- لم تعد تواجه نظام "صالح" لوحده الآن، بل تواجه منظومة فكرية واحدة.. منظومة تمتلك نفس الأساليب الملتوية ونفس الممارسات الاستحواذية ونفس الأدوات المبتذلة!.

- وباستثناء خطاب اللواء علي محسن الأحمر - عشية عيد الأضحى الفائت - ليس هناك ما يطمئن اليمنيين بأن الثورة ستكون بخير خصوصاً إذا ما ظهرت إلى السطح تحالفات جديدة بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح!.

كان خطاب الجنرال علي محسن ذكياً- أقول ذكياً فقط، بصرف النظر عن صدقه من عدمه - وكم تمنيت لو أن حزب الإصلاح الذي يسيطر - تماماً - على موارد وخطاب وفعاليات ساحات الثورة، يقدم – على الأقل لشركائه في الثورة – ولو جزءًا يسيرًا من تلك الطمأنة، بدلاً من أن يظل منشغلاً - كعادته - في جمع التبرعات وشحن أعضائه وأنصاره لتخوين وتسفيه كل من يخالفهم الرأي!.

- وكم أضحكني الشيخ "صعتر" في خطبة جمعة العيد وهو يطالب لجنة النظام في ساحة التغيير بصنعاء الانتباه جيدًا لأصحاب اللحى والأثواب القصيرة، ويقصد بهم – طبعًا - "جماعة السلفيين" زاعمًا أنهم من عناصر الأمن القومي!.

- "صالح" لم يتورّع للحظة واحدة في توزيع أقبح التهم ضد من يخالفه الرأي، وكذلك هو حزب الإصلاح الخارج – أصلاً - من سروال علي عبدالله صالح!؟.

ولابد أن هذا السروال البالي بحاجة إلى من "يصبنه" جيداً ليعرف أن الثورة بـــنـــاء مـــن الـــصفر, مُــش ديــمــة خــلــفـــنــــا بــابــهـــــــا؟!.

*نقلاً عن حديث المدينة