الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٢ صباحاً

قراءة في أزمة السيولة .. الأسباب والخفايا

ياسر عبد المجيد المقطري
الأحد ، ٢٤ يوليو ٢٠١٦ الساعة ١٠:١٧ مساءً
دخل الريال اليمني منعطف آخر بعد انخفاض قيمته أمام العملات الأخرى خلال الشهور الماضية تمثل هذا المنعطف بما يشهده القطاع المصرفي من أزمة سيولة في الريال اليمني،وقلة تداوله في القطاع المصرفي، وبالأخص لدى القطاع البنكي حيث تقلصت نسبة السيولة لدى كثير من البنوك بشكل ملحوظ نظراً لتراجع حركة الإيداعات من قبل المودعين فبعض فروعها أصبحت لا تستطيع الوفاء بشيكات العملاء الصغيرة المسحوبة عليها بما دون المليون ريال علاوة على المبالغ الكبيرة المقدرة بعشرات الملايين.
لم تكن أزمة السيولة هذه بمستبعده جراء الاضطراب الحاصل في الجانب الاقتصادي بشكل عام نظراً لما تعيشه البلد من وضع متدهور،وإدارة متضاربة وقرارات مشتته سواء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة او المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وصالح بالرغم من التحييد الذي سعت الأطراف لإعطائه للبنك المركزي في الاجتماعات والمشاورات والتفاهمات المختلفة إلا أن ذلك ظل على وسائل الإعلام فقط وليس له أي أثر على أرض الواقع.
فمن واقع المتغيرات والأحداث المتوالية التي شهدتها الساحة اليمنية خلال الفترة الماضية أوفي الآونة الأخيرة والتي ألقت بظلالها على مختلف الجوانب وبالتحديد الجانب الاقتصادي نستطيع أن نوجز بعض الأسباب التي ساهمت في خلق تلك الأزمة أو كان لها أثر عليها بشكل مباشر أو غير مباشر.
بعد إسقاط حكومة باسندوة في سبتمبر 2014 عقب السيطرة على صنعاء من قبل الحوثي وصالح،واشتعال الحرب في مختلف المحافظات-توقف البنك المركزي عن تغذية أرصدة البنوك المحلية في الخارج بالعملة الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأمريكي بسبب توقف الصادارات وشحة مصادره من العملة الأجنبية -وذلك لتقوم بدورها بتغطية المدفوعات الخارجية للمستوردين عن طريق الحوالات البنكية والاعتمادات والتحاصيل المستندية اضطرت تلك البنوك إلى إيقاف الكثير من التعاملات الخارجية لعدم وجود طرق أخرى بديلة لتغذية أرصدتها فتقلص دورها بشكل كبير عن القيام بالمهام المنوط بها تجاه المستوردين فاضطروا إلى التوجه ناحية محلات الصرافة التي تصلهم حوالات خارجية بالعملة الأجنبية حيث استطاعت منذ منتصف العام 2015 وإلى الآن، وبطرق مختلفة وبالتنسيق مع شركات وأفراد خارج اليمن وبدول الجوار على وجه التحديد من تحويل مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية إلى الخارج لغرض استيراد السلع والمواد المختلفة فاجتذبت بذلك قطاع كبير من المستوردين ،وبهذه الخطوة تكون محلات الصرافة قد قامت بلعب الدور الذي كانت تقوم به البنوك المحلية تجاه المستوردين فعزلت القطاع البنكي الى حد كبير عن التجار والمستوردين - الا من بعض العمليات المرتبطة بالبنوك فقط كفتح الاعتمادات المستندية- فتقلصت حركة الإيداعات لدى البنوك ومن هنا بدأت حكاية خروج الكتلة النقدية (ريال يمني )عن خزائن البنوك المحلية.
بالتزامن مع تلك الحركة النشطة التي كانت محلات الصرافة قد اكتسبتها في تحويل الأموال أصدر البنك المركزي خلال العام الجاري قرار بغلق حسابات الصرافين الغير مجددة تراخيصهم لدى البنوك المحلية وشدد الإجراءات بخصوص التعامل معهم وفي نفس الوقت قامت سلطة الأمر الواقع بإغلاق محلاتهم ومطاردتهم واعتقال الكثير منهم ما جعلهم يضطرون إلى سحب أرصدتهم من البنوك والاحتفاظ بها في خزائنهم الخاصة نتيجة لتضييق الخناق عليهم بشكل كبير وهذا كان خطأ كبير ارتكب من قبل سلطة الأمر الواقع ،وتلاهم بذلك قطاع المستوردين الذين أصبحوا مرتبطين بهم بغرض التحويل،فتأثرت حركة الإيداعات لدى البنوك العاملة بشكل اكبر مما مضى وتراجعت سيولة القطاع البنكي بنسب عالية, فخروج النقدية من الناحية النظرية من البنوك يعني ان البنك المركزي والبنوك المحلية يكون من الصعب عليها التحكم بتك الكتلة النقدية المتداولة بايدي الجمهور فيتم تداولها في إطار ضيق،ما تتسبب بخلق أزمة سيولة لدى البنوك وهو الوضع الحاصل الآن.
سبب آخر وهو أن هناك من يريد سحب النقدية من البنك المركزي بطريقة أو بأخرى وما يدل على ذلك أن هناك مبالغ كبير بمليارات الريالات تخرج من البنك المركزي تحت مسميات مختلفة ويفترض بحسب دورتها المستندية تعود إلى البنك المركزي إلا ان ذلك لا يحصل علاوةً على ذلك فإن بعض المؤسسات الإيرادية التابعة للدولة والتي تتحصل مبالغها نقداً لم تعد تورد إلى الحسابات الخاصة بها في البنك المركزي ويقوم القائمين عليها باحتجازها في الخزائن الخاصة بتلك المؤسسات والتصرف بها حسب توجهاتهم،وهذا تصرف خطير-ليس فقط يساهم في أزمة السيولة بل يفقد البنك المركزي مهامه ويعرضه للإنهيار ،وانهيار البنك المركزي يعني انهيار الاقتصاد وذهاب ماتبقى من الدولة إلى الهاوية وضياع ممتلكات الشعب الخاصة.
ومن الأسباب كما يذهب إليه البعض هو أن السيولة تتواجد او تحتجز لدى مناطق تسيطر عليها حكومة الشرعية كمحافظة مارب وذلك لأنها ترفد السوق المحلي ببعض المشتقات النفطية والغاز المنزلي فشراء كميات كبيرة من تلك المادة أدى إلى تراكم السيولة لدى السلطات هناك وعدم عودتها إلى السوق للتداول في المحافظات الأخرى ما تتسبب في خلق أزمة السيولة لكن هذا السبب هناك من يشكك بصحته لأمر بسيط وهو ان تلك المشتقات النفطية والغاز المنزلي الذي تم شرؤها ستباع في السوق نقداً وستعود بسيولة نقدية لدى الجهات التي تبيعه سواء كانوا مستثمرين أو مؤسسات تابعة للدولة علاوةً على ذلك فإن تلك المناطق التي تسيطر عليها حكومة الشرعية عانت من فترة طويلة من أزمة السيولة كمحافظة عدن وحضرموت فكان الأحرى بحكومة الشرعية أن تبادر لحل الأزمة هناك بضخ النقد لها من السيولة المتوفرة بحوزتها في محافظة مارب خصوصاً وأن كل المحافظات المعنية بما فيها مارب تقع تحت سيطرتها الا أن ذلك لم يتم فمازالت المحافظات المذكورة تعاني من شحة الريال اليمني في السوق إلى الآن.
كما لايستبعد البعض أن البنك المركزي اليمني ربما له ترتيباته وسياسته النقدية الغير معلنة حيث برزت أزمة السيولة بشكل كبير بالتزامن مع نجاح وصول شحنة الريال السعودي والدولار المسيرة من قبل بعض البنوك المحلية إلى البحرين وقيدها في حساباتهم لدى البنوك الخارجية مع مطلع يونيو 2016 فنجاح تلك الشحنة كان سيخلق شهية لدى التجار والمستوردين بالإقبال على شراء العملة الأجنبية فقد أثرت أزمة السيولة بشكل ايجابي في توقف الطلب المتزايد على العملات الأجنبية فحدت من ارتفاع أسعار الصرف وبشكل ملحوظ حيث تراجع سعر الدولار والعملات الأجنبية الأخرى بنسب بسيطة أمام الريال قبل عيد الفطر المبارك فقد انخفض سعر الدولار إلى مادون 300 ريال بعد أن كان قد تخطى هذا الحاجز كما انخفض سعر الريال السعودي مقابل الريال اليمن إلى مادون 80 ريال بعد أن كان قد وصل الى 90 ريال،
عامل الثقة ايضاً يعتبر من الأسباب المهمة في الأزمة الحاصلة فالبعض ونتيجة الحرب الدائرة والاضطرابات الحاصلة في البلد والخوف من الانهيار الاقتصادي يفضل أن يحتفظ بمدخراته بشكل نقدي وبخزائنه الخاصة بعيداً عن القطاع المصرفي.