الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٥ مساءً

جدلية الشرعية في اليمن

عبدالوهاب العمراني
الاثنين ، ١٥ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ٠٧:٥٩ مساءً

إذا كانت رؤية الكاتب الفرنسي الذائع الصيت مونتسكيو في مؤلفه الشهير (روح القوانين) تتمحور في مدى انعكاس روح القوانين في المجتمع وليس النصوص والقواعد القانونية الجامدة. وهي نفس رمزية الصراع في اليمن غداة سقوط صنعاء في 21 سبتمبر قبل نحو عامين وتداعيات تلك التطورات التي افرزت هذه الحرب التي كانت نتاج تناقضات الداخل اليمني على مدى عقود مضت .
فالراصد ليوميات الحرب في اليمن لنحو عام ونصف يتضح جلياً بأن الورقة القوية بيد طرفي الانقلاب لا تكمن قوتهم في شعبية ما فتلك أوهام فمصدر قوتهم هو ضعف الشرعية ذاتها التي تصر بغباء على البقاء في السعودية وما يحمل ذلك من دلالات كبيرة ليس فقط باعتباره البلد الذي ينطلق منه القصف ولكنه مؤشر بأن هذه ( الشرعية) غير متواجدة في ملعبها الطبيعي وهو الوطن فمن عناصر الدولة الى جانب الاعتراف والأرض والسيادة هو البقاء داخل الوطن فهذه الشرعية التي تدعي إنها تسيطر على أكثر من 75% يوآخذ عليها عدم السيطرة كاملة بدليل تصاعد القلاقل وتدني الجانب الأمني إلى جانب تراجع وضعف الخدمات ، فضلا عن اعتبارات معنوية بإحساس الجماهير بأن قيادتهم ومؤسسات الدولة إلى جانبهم ، وهو الأمر الذي زاد من شوكة خصومهم واكتسابهم شعبية .
وبداهة فالشرعية كشعار فضفاض لا يكفي لخلق صورة إيجابية عن محاسن الشرعية المفترضة فهي لا تؤمن خائف ولا تطعم جائع ولا تكسي عاري بل إنها وعلى النحو الذي سارت طيلة الحرب قوِةّ من شوكة الطرف الآخر ، والشرعية على هذا النحو ليس مرحباً بها بأي حال من الأحوال إلا من قبل الانتهازيين والوصوليين .
وفي محاولة إيجاد مخرج قانوني بعد القفز على الإجماع وخلط الأوراق مُنذ سقوط صنعاء ، غير مدركين بأن القرار في مجلس النواب لا يتم إلا بالتوافق بين الأطراف حسب المبادرة الخليجية التي وقع عليها الرئيس السابق نفسه بتوافق جميع مكونات هذا المجلس وهو مالم يتم في تلك الجلسة .
لقد احرق “صالح” ورقته الأخيرة في “مجلس النواب” فبعد انقطاع طويل يحاولون إحياء المجلس لغرض دعائي ومحاولة إشغال الرأي العام ، في محاولة يائسة لتجميل شرعية مغتصبة باستخدام الأدوات الدستورية المتهالكة .
وبعض النظر مدى مستوى الحضور وقلة النصاب ونحو ذلك من التفاصيل فأنه حتى لو حضر 350 عضواً لم يغير من الأمر شيئا !
فالنواب الذين جاؤوا لدعم انقلاب الحوثي ، هم أنفسهم الذين دعوا للحسم العسكري لقمع ما أسموه آنذاك بالتمرد في آخر حرب مع الحوثيين في جلسة نهاية عام 2009 م
وإلا فدستوريا فالمجلس منتهي صلاحياته منذ سنوات مضت .
فالمبادرة الخليجية هي التي مددت للرئيس هادي وللبرلمان نفسه فكلاهما لا يستطيع إلغاء الآخر !
في حين كان اليوم التالي لاستئناف مجلس النواب وعلى طريقة اللصوص ومباغته ساذجة ومحاولة استباق الزمن وعلى خلفية منطق فرض الأمر الواقع تم الإعلان على (القسم المغلظة ) لرئيس وأعضاء ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” أمام مجلس النواب.. وعليه فهكذا تجاهل لمنطق العقل والقانون فأنه لا يضيف جديداً على الانقلاب.
ومن مفارقات وسخريات المشهد اليمني هو محاولة تسويغ وتبرير أفعال غير توافقية غير مدركين افتضاح الأمر عند قرأتها من زاوية أخرى وهذا يندرج ضمن الخطاب الديماغوجي الذي يظلل انصارهم ليظهر في صورة قانونية !
اللافت بأن الرئيس السابق وحلفائه الجدد كانوا قد صرحوا مراراً أنهما لا يعترفان بالمبادرة الخليجية وأنها سقطت مع أنها المبادرة التي منحت صالح وعائلته وموظفي عهده حصانة من كل جريمة ارتكبوها ومال سرقوه..
ومن هنا فلو اتى اعتى جهابذة القانون الدستوري سيصرحون بأن البرلمان اليمني وعلى خلفية المشهد السياسي اليمني غداة الربيع العربي في نسخته اليمني سيقول بأن هذا البرلمان قائم في شرعيته على المبادرة الخليجية وليس على الدستور، والمبادرة تنُص على اتخاذ القرارات بالتوافق بين يفترض بأن الثورة قامت ضده وحلفائه وبين أحزاب اللقاء المشترك التي هي عمليا قد وأدت تلك الثورة بتأمر الجانب السعودي
وفي حال افترضنا جدلاً قدرة طرفي الانقلاب جمع ثلثي أعضاء المجلس وصوتوا بالإجماع على منح الثقة لما سمى (بالمجلس السياسي ) فإن إجراءهم في هذه الحالة باطل لا محالة ، لأن البرلمان لا يمنح ثقته إلا للهيئات الدستورية وليس حتى لأحزاب فما بال بمكون لم يرقى حتى لمسمى حزب !.
محاولة شرعنة جزئيات دستورية لهذا الطرف او ذاك تندرج ضمن المكايدات السياسية المغلفة بتسويغ قانوني مفضوح لأطراف الصراع في الداخل والخارج كلً يتخندق خلف وهم الشرعية المزعومة !
وكأنهم يتمسكون بالمبادرة الخليجية بيد ويجهضونها باليد الأخرى !
فالرئيس السابق يناقض نفسه دون أن يدرك اتباعية وآلته الإعلامية بأن الحصانة التي منحت له من الملاحقة القانونية على جرائمه أثناء ثورة الشعب 2011، ستعتبر ملغية ، كون المبادرة الخليجية هي التي منحته تلك الحصانة.، وعلى ذلك سيتوجب بداهة ملاحقته قانونياً عبر محكمة الجنايات.
وفي الوقت الذي أعلنت فرنسا بأنها ستستضيف مؤتمراً يدعم عمليات الحكومة والتحالف في اليمن توالت ردود الأفعال الدولية والغربية تحديداً فوزير الخارجية البريطاني (يوريس جونسون يرى بأن أفعال الحوثيين تحديا لدستور اليمن والعملية السلمية التي ترعاها الأمم المتحدة بينما عبر سفير
بريطانيا لدى بلادنا أدموند فيتون براون: بأن دعوة طرفي الانقلاب بدعم مجلس النواب بأنها مطالب سخيفة وتظهر أيضا مدى استخفافهم بالشعب اليمني !
كما أن البرلمان العربي على سبيل المثال والذي يمثل صوت كافة الشعوب العربية أعلن في بيان له بأنه لا يعْترِفْ بطرفي الانقلاب ويجدد دعمه واعترافه للحكومة اليمنية الرسمية المعترف بها دولياً.

"رأي اليوم"
* كاتب ودبلوماسي يمني