الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٢ مساءً

في حضرة البردوني الشاعر المتمرد

أنور الحذيفي
الاثنين ، ٠٥ سبتمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٧:٤١ مساءً


إن الكتابة عن قامة فارعة بحجم عبد الله البردوني امرا ليس سهلا اذ كيف لكاتب مثلي ان يفي هذا المحيط المترامي الاطراف حقه .

واذا قدر لي ان اكتب فمن اين ابدا الغوص في بحر البردوني العميق ذو المعارف والمواهب المتعددة الذي لم يمنعه فقدان البصر من ان يكون رائد التجديد في الشعر العربي الحديث وامام هذا العجز الحقيقي الذي ينتابني وانا احاول الكتابة عن واحدا من عمالقة الادب العربي فهل لي ان استعير من الدكتور عبد العزيز المقالح مقولته الشهيرة عن الشاعر عبدالله البردوني وهو يحاول ان يقدم لكتابه رحلة في الشعر اليمني قديمة وحديثه "ان الكتابة للتعريف بعبد الله البردوني تبقي محاولة صغيرة ومتعثرة لإنصاف الشاعر"

واذا كانت الذكرى السابعة عشر لرحيل البردوني قد مرت دون ان نتمكن من الاحتفاء به كما اردنا واراد محبوه وعشاقه وفق قانون ومراسيم العظماء بسبب الظروف التي تمر بها اليمن الا انها تمثل فرصة قد تجعلنا نطيل الوقوف امام شخصية البردوني الثائرة و المتمردة على كل قيود عصره فلم يشكل له فقدان البصر عائقا كما كان ينضر الاخرون اليه ككفيف يحسن به ان يشغل مؤذن في جامع في احسن الاحوال كما هو حال كثير من اقرانه الا انه رفض ذلك فقد كان يرى انه خلق لشيء اكبر من هذا...

ولعل الاوضاع التي كانت تعيشها اليمن في ظل حكم بيت حميد الدين وما تلاه من حصد للرؤوس المستنيرة على يد ولي العهد الامام احمد اثر فشل انقلاب 48 قد شكلت الى ابعد مدى وعي البردوني وفكره فجاء شعره مثقلا بهموم بلاده متطلعا الى الخلاص من نير حكم الطغاة والافاكين .
وفي ظل الحراب المشتبكة بين الشعب وحكامة المستبدين لمعت حروف البردوني ورنت قصائده حيث استطاع من خلال عبقريته الشعرية ان يسجل في وجدانه الشاعر الاحداث والوقائع التي مرت بها اليمن في مختلف المراحل على مدى اكثر من نصف قرن من الزمن .

حيث اعتقل بسبب شعره في عهد الإمام أحمد حميد الدين عام 1948 وسجن لمدة تسعة اشهر فصور ذلك في إحدى قصائده رابع أربعة في واحد حسب تعبيره، العمى والقيد والجرح والسجن.
ولعل البردوني الكفيف الذي انحدر من قرية كانت غارقة في ظلام الجهل والمرض قد استطاع بإنتاجه الفكري والادبي الغزير ان يمثل حالة استثنائية في تاريخ الادب العربي وظاهرة تستحق الدراسة والتنقيب لسبر اغوارها.

واذا كان الادب العربي قد رزا في الثلاثين من اغسطس عام 1999بفقدان احد ابرز رجالته في العصر الحديث الا ان البردوني لم يترجل من على صهوة الشعر الا بعد ان قدم افضل ما عنده في مجال الادب والنقد والفكر فأثرى الحياة الفكرية والادبية بالكثير من الاعمال التي لا غنى للدارسين والباحثين عنها
ومن اهم القول هنا ان نشير الي اعمال البردوني التي ما زالت حبيسة لم ترى النور ووحدها الاجهزة الامنية التي تعلم مصيرها ولعل أهمها سيرته الذاتية، والجديد والمتجدد في الثقافة اليمنية (ادب ونقد وفكر) حيث يقع في الف وثمانمائة صفحة وكان البردوني اشار في اخر مقابلاته الصحفية الى انه انتهى من كتابته وعدا عمله هذا ثمرة العمر كله حيث استغرق منه خمس سنوات .
ومن المؤكد ان حرمان اليمنيين من الاستفادة من الارث الادبي للبردوني طيلة هذه الفترة امرا قد يستدعي التحقيق مع مسولي الجهات المعنية في ذلك الوقت باعتبار هذا الموروث حقا وملكا للامة وان حجبه او التفريط فيه او تعريضه للخطر يعد جرما وخيانة عظمى للوطن وهو حقا لا يسقط بالتقادم.
وختاما هل كان البردوني شاعر العصر؟
كما يورد ذلك البعض ...ربما هو كذلك لكنني لن اكون قادرا على الجزم حتى يقرر النقاد العرب ذلك وحتى لا انفي عن نفسي تهمة موجوده بتطرفي المطلق لشاعرية البردوني التي تفوق بها على شعراء عصره.