الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٦ مساءً

حلول عملية لأزمة السيولة

ياسر عبد المجيد المقطري
الاثنين ، ١٤ نوفمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٩:٠٠ مساءً
عندما نتحدث عن السيولة فإننا نستحضر مباشرة البنوك وهذا الارتباط المباشر ليس ذهنياً فقط وإنما ناتج عن ارتباط بين الجانبين على أرض الواقع فالبنوك هي المقر الآمن والطبيعي للسيولة في أي دولة في العالم وإذا غادرت السيولة القطاع المصرفي بشكل عام والقطاع البنكي بشكل خاص فالدولة تدخل في صراع مع أزمة السيولة حتى تعود النقود إلى البنوك،وليس ببعيد علينا أزمة السيولة في الجزائر رغم الاستقرار فيها وأزمة السيولة في السودان وأزمة السيولة في مصر أما ليبيا فهي تعاني مما نعاني.

فالحديث على موضوع السيولة أصبح الشغل الشاغل لكل اليمنيين بمختلف شرائحهم بالرغم من أنها كانت تحدث أزمات سيولة بشكل متقطع طوال الفترة الماضية لكن لا يدركها الا التجار والعاملين في القطاع الاقتصادي فقط وليست بحجم الأزمة التي نعانيها اليوم .

السيولة لها علاقة بالثقة والثقة معدومة على الأقل في الوقت الراهن فالمودع -أياً كانت صفته تاجر أو غير تاجر-عندما يودع نقوده في البنك يثق بأنه في الوقت الذي سيحتاج لها سيحصل عليها ،وعند انعدام الثقة يتحفظ المودعين عن الإيداع كما يتدخل عامل آخر،وهو الزمن فعلى سبيل المثال إذا تجمع في بنك من البنوك عشرة من العملاء في وقت واحد وكلِ منهم يريد سحب مليون –في نفس وقت - والبنك لايملك سوى مليون واحد فقط فهنا نقول ان البنك يعاني أزمة سيولة فالزمن عامل مهم في حدوث الأزمة، والنقد المتداول عادة وفي أي دولة لا يساوي حجم الأرصدة في سجلات البنوك والبنك المركزي.

بالرغم من أزمات أخرى كثيرة تؤثر على أزمة السيولة وقد يكون الجميع من المهتمين والمختصين وذوي العلاقة بالجانب الاقتصادي تحدثوا عن هذه الأسباب لكن القلة منهم من تحدث عن الحلول.

فلو تفحصنا المشكلة الحقيقية لأزمة السيولة المحلية سنجد أنها تكمن في خروج النقد من القطاع البنكي وخروج النقد من القطاع البنكي ناتج عن أزمة سيولة أخرى لديها بالنقد الأجنبي في الخارج، فهي غير قادرة على تغطية مدفوعات التجار والمستوردين،من مصدرها الوحيد الذي تبقى وهو حوالات المغتربين أو المصدرين فقط والتي تقدر بأربعة مليارات دولار سنوياً لكن هذه الحوالات جزء بسيط منها فقط يمر عبر القطاع البنكي ولو عادت عبر البنوك ستختفي مباشرة أزمة السيولة في الداخل.كما لايسمح لها بترحيل النقود الأجنبية التي لديها إلى الخارج لتغطية أرصدتها.

إذاً جزء من المشكلة الحقيقة وهو الجزء الأهم وهو في ضرورة عودة البنوك لممارسة دورها الحقيقي ومنها ستعود السيولة لها سواء النقد المحلي أو الأجنبي ولكي تحل الأزمة يجب على الحكومة أن تعيد القطاع البنكي لممارسة عمله الحقيقي بدلاً عن السوق السوداء خارج القطاع المصرفي،ومن الخطوات التي تستطيع الحكومة القيام بها لعودة الأمور إلى نصابها هي:
الخطوة الأولى: إعطاء حوافز للتجار والمستوردين الذين يستوردون عبر فتح الاعتمادات المستندية أو التحاصيل المستندية في البنوك المحلية تكون هذه الحوافز على هيئة تخفيضات جمركية بنسب معينة مقابل البضائع التي يستوردونها من الخارج.

الخطوة الثانية: الرقابة على طريقة الدفع مقابل البضائع المستوردة من الخارج في جميع المنافذ الجمركية والتأكد منها هل هذه المدفوعات صادرة من بنوك محلية أم لا ،وهذا يتم عن طريق طلب إرفاق سويفت الدفع مع إفادة من البنك المحلي المحول للمبلغ للخارج بأن الحوالة كانت عبره،ويعتبر شرط أساسي لدخول البضائع.

الخطوة الثالثة: فرض رسوم جمركية مرتفعة للبضائع التي تدخل إلى البلد بواسطة الدفع عن طريق الحولات من خارج القطاع المصرفي المحلي بالتحديد الحولات التي تدفع عن طريق بنوك من خارج البلد وأصبحت هذه الظاهرة منتشرة وبشكل كبير لدى وكالات الصرافة واضطرار التجار لهذه الطريقة مع مخاطرها العالية.

الخطوة الرابعة: عمل حملات إعلامية واسعة لمناشدة المغتربين في الخارج بالتحويل عبر البنوك المحلية الرسمية وذلك مساهمة منهم في التخفيف عن أهليهم من أزمة السيولة الكبيرة في الداخل بدلاً من اللجوء إلى حملات للتبرع للبنك المركزي وفتح أبواب للفساد والنهب.

الخطوة الخامسة: السماح للبنوك المحلية بتسيير شحنة كل شهر على الأقل من النقود الأجنبية التي لديها إلى الخارج لغرض تغذية أرصدتها وهذه الخطوة مهمة للغاية حتى يكتب للخطوات السابقة النجاح.

الخطوة السادسة: اللجوء إلى سداد المدفوعات المحلية عبر شركات الموبايل وهناك أنظمة مجربة مثل " EVC PLUS"طبقت هذه الحلول في دول مجاورة ووضعها مشابهة تقريباً للوضع اليمني كالصومال مع أن لهذه الطريقة مخاطر عالية.

بالتأكيد أن هناك حلول أخرى وهي أسلم من هذه الحلول لكنها ليست أسهل على الأقل في الوقت القريب ،كالمنح والمساعدات من الدول الداعمة،وإعادة تصدير المشتقات النفطية والغازية من المناطق المستقرة ودعوة الشركات الأجنبية للعودة للعمل وتوفير الأمن لطواقمها وتسهيل حركة نشاطها، لكن يبدو أن هذا الحل قد يأخذ وقت أطول واشتراطات من الشركات والدول الأجنبية في الوقت الذي فيه أزمة السيولة وعدم تسليم المرتبات وتداعياتها الكارثية تستفحل وتتسع يوماً بعد يوم،والوضع ينحدر بصورة مخيفة نحو مجاعة حقيقية لن يسلم منها أحد، وهذه الخطوات السابقة مجرد حلول سريعة يمكن القيام بها في الوقت الراهن وهي في متناول السلطات القائمة في البلد.