الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٤ صباحاً

جُنُونُ الأسْعَار وأوْهَامُ الرَّفَاه الموْعُود عَلَى أيْدِي الأشِقَّاء والأصْدِقَا

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً

مُنذُ وَضَعَتْ الحكومة في أحد اجتماعاتها الرمضانية مُشكلة الأسعار على بساط البحث الرسمي، والأسعار تتصاعد بصُورةٍ جُنونيةٍ غير مسبوقةٍ، وكأنَّما كان ذلك الاجتماع وما تبعهُ مِنْ مُناقشاتٍ جادَّةٍ، دعوةٌ لهذا التصاعد وتحفيزاً للمزيد منه، فالبيضة التي كانت بعشرة ريالات، قفز سعرها إلى خمسة عشر ريالاً، ورغيف الخُبز الذي كان بعشرة ريالات، صار بخمسة عشر ريالاً، بحجَّة أنَّ سعر القمح ارتفع، وهكذا شأن بقيَّة السلع الضرورية، التي مِنْ شأنها أنْ تُبقي المُواطن على قيد الحياة.

والمُثير للقلق أنَّهُ على كثرة ما نسمع ونقرأ عَنْ مُتابعة الأسواق ورصد المُخالفات، فإنَّ كُلَّ شيءٍ في التسعيرة - إنْ كان هُناك تسعيرةٌ - يمضي نحو التصاعد، وَلَمْ يتراجع سعر سلعةٍ واحدةٍ مِنَ السلع التي شهدت ارتفاعَيْن مُتتابعَيْن، أحدهما في رمضان المُبارك، والآخر في أيَّام العيد السعيد!!

والشائع، بَلْ المعلوم، أنَّ الغالبية الساحقة مِنْ مُوظَّفي الدولة هُم الأكثر تضرُّراً مِنْ ارتفاع الأسعار، وأنَّ الزيادة المحدودة جدَّاً، التي حصلوا عليها في رواتبهم، لا تتناسب مع هذا التصاعد الجُنوني في الأسعار، وقبل هؤلاء هُناك شرائح أُخرى في قلب المُجتمع أشدُّ تضرُّراً، وهي التي لا تمتلك أيّ دخولٍ ثابتةٍ تعيش على الهامش، يأكل أفرادها رغيف الخُبز الحاف مُغمَّساً بالمياه أو بمرق العظام المُلقاة في المسالخ، وهي حالةٌ لا ينبغي - تحت كُلَّ الظروف - السكوت عَنْهَا، وَلَنْ يُخفِّف مِنْ وطأتها ما يتمُّ تداولهُ مِنْ أحاديث الوعود التي يُطلقها الأشقَّاء الذين عاشوا فترةً مِنَ الزمن وهُم لا يشعرون بخطورة حزام الفقر الذي يُطوِّق حدودهم.

لا أُريدُ التجنّي على الحكومة، فأقول أنَّها تغضُّ الطرف عمَّا يفعلهُ تُجَّار الجُملة، ولا أُريدُ أنْ أُبرِّئ ساحتها - أيضاً - مِنْ كثرة إطلاق الوعود المُعلَّقة على الأشقَّاء والأصدقاء، فَقَدْ طال الانتظار، وَلَمْ يطرأ أيُّ تغيُّرٍ إيجابيٍّ على الموقف الاقتصادي، علماً بأنَّ الأخ والصديق الذي يرى أخاهُ أو صديقهُ يتضوَّر جوعاً ثُمَّ يشترط لمُساعدته شروطاً تعجيزيةً، فَمَا هو بالأخ ولا بالصديق، وَقَدْ كان الشاعر الجاهلي، الذي ظهر قبل الإسلام بعشرات السنين، صادقاً مع نفسه ومع أهله عندما قال :
«وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبَخَلْ بِفَضْلِهِ
عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ»
إنَّ ضيق الحال يستبدُّ بالغالبية مِنَ الناس، وانتظار المجهول يُضاعف مِنْ هذا الضيق، وفي البرنامج الانتخابي الرئاسي، الذي التزمت به الحكومة والمُؤتمر الشعبي العام، مِنَ الحلول العاجلة - إذا ما وُضع موضع التنفيذ - ما يُخفِّف مِنَ الضغوط ويُقلِّل أو يُنهي الاعتماد على الغير، علماً بأنَّ الأرض اليمنية كانت ولا تزال مصدر الخير والرخاء لكُلِّ أبنائها، فهُناك ملايين الفدادين مِنَ الأرض الخصبة المُهملة في غرب البلاد وشرقها، وهُناك البحر الكفيل بخيراته الواسعة، وبقدرٍ مِنَ التنظيم والاستراتيجية الاقتصادية الواضحة يُمكن لبلادنا أنْ تكون مِنْ أغنى بُلدان العالم، وأنْ يتحقَّق لشعبنا ما يطمح إليه ويتمناهُ مِنَ الرفاه والاستقرار الاجتماعي، وَلَمْ يحدث عبر التاريخ الطويل أنْ مدَّ اليمنيون أيديهم ليأخذوا، وإنَّما كانت أيديهم تمتدُّ لتُعطي، وَمَنْ لا يُصدِّق، فَمَا عليه إلاَّ أنْ يُراجع صفحات التاريخ، وفيها ما يُدهش ويُقنع

مع «هواجس» الشاعر صلاح الشامي
{ في عام 4002م صدر ديوانه الأوَّل «على شفق البرتقال»، وفي هذا العام يصدر ديوانه الثاني «هواجس»، والشاعر صلاح الشامي واحدٌ مِنَ الشُّعراء الشُّبَّان المُبدعين، والذين تجدر المُراهنة على مُستقبلهم الشعري.
في ديوانه الجديد شاهدٌ على براعته في استدعاء عشرات الهواجس الشعرية تجاه العواطف والأشياء، ابتداءً مِنْ هاجس القلب والشعر والحُزن والخوف، إلى هاجس الماء والرمل والنار والحرب . الديوان صادر عَنْ سلسلة «إبداعات» مركز عُبادي للدراسات والنشر.
تأمُّلات شعرية :
لَيْسَ فِيْ الأَرْض - بالقَطْع -
مَنْ يَسْمَع البُؤسَاء
وَيُصْغِي لأَنَّاتهِم
لَكنِ اللَّه يَسْمَعُهُم
والمَلائِكَة الطَّيِّبُونْ.
آهٍ مَا أَوْحَش الكَوْن
حِيْنَ يَنَام الحُفَاة العُرَاة
عَلَى جُوعهِم ومرارتهم
ويموت - من التُّخْمة - الموسرون.

*الثورة