الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٢ مساءً

عن شوارع اليمن التعيسة أكتب لكم

منى صفوان
الجمعة ، ٢٠ يناير ٢٠١٧ الساعة ٠٧:٥٥ مساءً
لغالبية الشوارع اسم شعبي، يحتفظ به الناس، واخر رسمي تطلقه البلديات كاسم رسمي يجب ان يوثق في السجلات، فتكون العناوين بالاسماء الرسمية للشوراع خريطة مبهمة المعالم، يجري تعريفها بالاسم الشعبي الذي يتداوله الناس
الناس هم اصحاب الشوراع وسادتها، لايمكن لاي حكومة ان تنافس الناس على سيادتهم، يبقى لها الاسم الرسمي الذي يفقد قيمته وتداوله ، حدث ذلك في شارع “هايل” في قلب العاصمة صنعاء.
“هايل” هو الاسم الشعبي او القديم لواحد من اهم الشوراع الحيوية في المدينة، نسخ الناس الاسم في وقت لم تكن الحكومة تهتم باسماء الشوراع الهامشية، حين كان “هايل” هامشيا، اتذكر وقتها كانت المباني متواضعة، والشوراع مهملة، والمجاري تطفح دون اهتمام، رائحة شارع “هايل” كانت عار على جبين الحكومة التي لا تهتم.
وبقي هايل يشكو لسنوات ، كشارع متواضع ببضع محال تجارية، يسكنه ابناء الطبقة المتوسطة، من كل المحافظات وخاصة “تعز″
في طرف الشارع او في بدايته، يقع جامع ابيض انيق صغير ومتواضع ، اسمه جامع “هايل سعيد انعم”، وهايل هو الاب المؤسس للصورة الشعبية للتاجر اليمني الخير.
واحد من اهم رؤوس الاموال في البلد، ان لم يكن اهمها على الاطلاق، ترك تركة من النماذج الاصيلة، ومن المصانع التي اقفلتها الحرب، ومن الورثة غير المعروفين، ومن الكثير جدا من السمعة الطيبة والناس الذي يدعون له بالرحمة.
هو ببساطة لم يكن يمثل صورة الراسمالية الجشعة، قدم نفسه كمثال التاجر اليمني البسيط الودود، السمح، والمتسامح، كما هي طبيعة اليمني البسيط، الرجل الذي ابقى على كل مصانعه في اليمن داخل مدينة تعز، وبرغم توسعه العالمي في مدن اسيوية وافريقية وعربية، بقي وفيا لمدينة الام، لدرجة ان غالب بيوت “تعز″ كان فيها عامل او موظف يعمل في احدى مصانعه او شركاته، لم تكن كل ثروته مكدسة في اليمن، كان كأي تاجر عليه ان يتجنب الصراع مع السلطات السياسية بفسادها وجشعها، لكنه لم يتخلى عن ابناء مدينة، ولم يهرب كل امواله خارج اليمن، فكان بالنسبة للسلطات السياسية مثال “الرسمال الوطني” الذي يبقي عجلة الاقتصاد تدور.
في الحقيقة كان “هايل” التاجر يغطي عجز الحكومة في تعز، الحكومة التي كانت تهمل كل المدن من صعده ومارب الى اب وذمار مروروا بالعاصمة صنعاء. حيث شارع “هايل” الطافح بالمجاري
وتعز مدنية صغيرة لكن مكتضة، بل اكثر المدن اكتضاضا واهمالا من قبل الحكومة، اي مثل باقي المدن مكتضة بالبطالة.
الاهمال الحكومي كان دائما يمتد عبر الشوراع ومدنها، فشارع “هايل” وقتها كان عنوان الاهمال الحكومي، لسنوات بقيت الصحف المعارضة والمستقلة تتحدث عن مأساة شارع هايل، في تسينعيات اليمن، كانت الامور تسير بهدوء وببطء، وباحتقان لا يرى.
شارع الرياض
بعد عدة وعود واصلاحات لم تتم، خرج “هايل من عزلته ، وهنا اطلق عليه رسميا اسم شارع “الرياض”، كانت الحكومة قد بدأت باطلاق اسماء المدن العربية والاسلامية على الشوراع، ربما هي صفقة بين الحكومات العربية، صقة مجاملات، فنحن نرى شارع صنعاء وعدن في بعض الشوراع العربية، ونعلم ان مامن احد من قاطني هذه الشوراع يعرف ان هذا شارع ” صنعاء” يوجد في العاصمة الاردنية مثلا.
“الرياض” كان هو الاسم الرسمي لشارع “هايل” كتب رسميا على الحافلات العامة، وطبعا على العناوين الرسمية، ولافتات الشوراع وكتب بالقرب منه “هايل” سابقا
“هايل سابقا” ، بقي هو المسيطر، تندر الناس لفترة على الاسم، وحاولوا الاحتفاظ به، عانوا كثيرا وقتها من “التوهان” وعدم دقة الوصف، في هذه الاثناء كان “هايل سابقا” قد بدا يتعافى، كشارع حيوي.
بدا الشارع ينبض بالحياة بعد اصلاح شبكة المجاري فيه، والاهتمام بالنظافة، قبل ذلك كانت سيارات الاجرة ترفض المرور فيه.
وبدات الحياة تدب في اوصاله، فهو شارع كبير مكتظ، وكل العوامل التجارية متوفره فيه، ويمكن لبيوت المال الكبيرة الاستمشار هناك، وحدث.
شارع “جمال” من هو جمال ؟
وبدا الشارع المتواضع باخذ مكانه على خارطة الشوراع اليمنية، منافسا شارع “جمال” او الذي كان بمثابة مركز صنعاء التجاري. وشارع جمال من اقدم الشوراع الصنعانية على اطرافه تقع اذاعة صنعاء العتيقة، المبنى التاريخي الذي يحكي قصة الثورة ، بل الذي اذاع بيان الثورة صبيحة 26 سبتمر 1962 وهو المبنى الذي عاصر حكم ما قبل الثورة ايضا ، كمبنى للاذاعة التي تبث اخبار الامام
الاذاعة وبجوارها شارع “جمال” عاصرا التحول التاريخي لصنعاء، التي تضرب الان وتصقف من قبل ” الرياض”
كل الاحداث السياسية بعد ذلك، كانت هي اخبار اذاعة صنعاء، “جمال” المجاور لشارع الاذاعة ، ايضا شارع سياسي بامتياز، خاصة اسمه الكامل هو “شارع جمال عبد الناصر” وفيه تقع السفارة المصرية.
شارع “جمال” هو الاسم الرسمي والشعبي للشارع، و هو اسم موجود في معظم المدن اليمنية، كمدينة تعز، حيث زار الرئيس “جمال عبد الناصر” تعز بعد الثورة، وخطب خطبته الشهيرة حين قال :”على بريطانيا ان تحمل عصاها وترحل من اليمن” في تلك الفترة حين كان يصارع الرياض على باب المندب، تلك الفترة التي نراها على اليوتوب، ونسمع خطب “جمال”
كان “جمال” متواجد عسكريا في اليمن، متحديا السعودية، لكنه بعد ان تجرع هزيمة حزيران، واضطر ان ينسحب من اليمن ، عرفت اليد السعودية طريقها الى شوارع البلد المجاور بعد ذلك ، ومنها شارع “جمال”.
اليمن وقتها ، كان البلد حديث العهد بالثورة والجمهورية، في هذه الاثناء بدات الشوراع اليمنية في صنعاء على الخصوص تاخذ طابعها المدني، وهي الخارجة للتو من مرحلة الحكم الامامي الترابي الذي حكم بعقلية “عزل اليمن”
بدات الشوراع تنفتح على الاجواء المدنية، فكان شارع “جمال” هو سوق المدينة، بعد ان كان السوق الشعبي في صنعاء القديمة هو السوق الوحيد في صنعاء ، مازالت هذه الاسواق الشعبية موجودة، في حواري المدينة العتيقة، المدينة التاريخية التي تقصفها ايضا “الرياض” اليوم.
وبين كل الشوراع الصنعانية، شارع “جمال” له خصوصية ، بما يحفل به من رمز سياسي للمرحلة الجديدة مرحلة ما بعد الثورة والجمهورية “الستينية” التي اخرجت اليمن الى مرحلة مختلفة تماما ، وتاثير جمهورية مصر العربية او “مصر جمال عبد الناصر” عليها ، فقد كان هذا الشارع قبلة اليمنيين الجدد.
بدا سوق شارع “جمال” ياخذ مكانه الحداثي كشارع بديل عن شوارع ما قبل الثورة، في وقت كانت فيه صنعاء تقلد القاهرة، في هذه السبيعنيات عرفت صنعاء البث التلفزيوني، وانتاج المسلسلات اليمنية، وخرجت النساء للعمل ، والتعليم، ومن الادوار التقليدية، التي كانت مفروضة عليهن قبل سنوات قليلة من قيام ثورة 1962
فبعد ان كانت صنعاء تنام بعد الغروب، وتقفل ابوابها، و تحجز النساء بين المطبخ وجلسات “التفرطة” النسائية الخاصة، بدان يخرجن الى سوق العمل ، وسوق التعليم، وسوق شارع جمال.
تغير شكل صنعاء، لكن “الرياض” فعليا كانت على الابواب، ولا احد يشعر بهذا المد الناعم، المد المصري العسكري والسياسي ، بدا ينحصر تدريجيا، مصر نفسها كانت على موعد مع سطوة “الرياض” الناعمة، في الثمانينات بدات الامور تتغير ببطء ولم يلاحظها احد، لدرجة انها في التسعنيايات ظهرت كأنها ظاهرة تحول طبيعية، بينما في الحقيقة كان المد الوهابي قد تمدد في بعض العواصم العربية وشوراعها وبيوتها واعلامها ومناهمها الدراسية.
ومن هذه العواصم ، صنعاء وشوراعها، الان يمكنك ان ترى الاسود كزي النساء الرسمي ، في كل الشورع، في “هايل” وفي “جمال”، ولكن مع اصلاح شارع هايل، بدا الشارع المتواضع ياخذ حقه وينافس شارع “جمال”
كانت النساء ماتزال في الاسواق، سوق العمل وسوق التعليم، وسوق شارع جمال وشارع هايل، قبل ان تعرف صنعاء “المولات” الضخمة.
اول مول تجاري كان في شارع برجوازي، وتبعا له بدات الشوراع البرجواية بالتوسع، وكانت دليل على توسع هذه الطبقة، طبقة اغنياء صنعاء، برغم تفشي الفقر.
وبقيت النساء والرجال على حد سواء في الاسواق الشعبية في حواري صنعاء القديمة والعتيقة، وفي شارع “جمال” شارع الثورة الستينية، وشارع “هايل” حيث الطبقة المتوسطة ، واصلاحات التسعنيات وفي مولات شارع حدة والحي السياسي، شارع البروجزايين.
بقيت النساء والرجال في كل الشوراع ، بكل الطبقات وفي كل الاسواق، يحيون فكرة الحراك الاجتماعي – الاقتصادي، ويقامون فكرة اعادة النساء للبيوت، وفكرة اغلاق ابواب مدينة صنعاء، وفكرة عدم الاختلاط، وفكرة العزل الثقافي والاقتصادي، ويؤكدون فكرة ان الناس هم اصحاب الشوراع وسادتها، مهما اشتعلت فيها الازمات، وقصفتها الطائرات، واكتضت بالنازحين.
ومهما تغير الزمن والالوان والاسماء، والدول ، والحكومات، فان للناس طرقهم بالنجاة.

"رأي اليوم"