الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٨ مساءً

العودة إلى البديهيات في اليمن

خير الله خير الله
الجمعة ، ٠٣ فبراير ٢٠١٧ الساعة ١٢:٠٢ مساءً
أي معنى للهجوم الذي تعرّضت له حديثا فرقاطة سعودية قبالة ساحل ميناء الحديدة اليمني؟ هناك معنيان، في أقلّ تقدير، للهجوم. الأول أنّ المملكة وحلفاءها كانوا على حقّ عندما بدأوا “عاصفة الحزم” في آذار – مارس 2015. لم يكن لديهم خيار آخر. لم يكن مسموحا تحوّل اليمن إلى قاعدة إيرانية تستخدم في كلّ الاتجاهات.

ما يكشفه هذا الهجوم هو أنّ الحوثيين يمتلكون أسلحة، إن مصدرها إيراني وغير إيراني، وأن الهدف كان دائما بسط السيطرة على اليمن وجعله شوكة في خاصرة دول الخليج العربي كلّها، وليس السعودية وحدها. هناك خطر إيراني مصدره اليمن، وهناك روح عدائية لكلّ دولة عربية انطلاقا من اليمن، وهناك فوق ذلك كلّه تمدد إيراني، أمكن وضع حدّ له، في كل هذا البلد ذي الأهمّية الاستراتيجية الكبيرة.

تعود هذه الأهمّية إلى الموقع الجغرافي لليمن وساحله الطويل وسيطرته على باب المندب، وإلى الكتلة السكانية اليمنية، وإلى وجود حاضنة للإرهاب في أنحاء مختلفة منه يغذيها الفقر والجهل.

أمّا المعنى الآخر للهجوم على الفرقاطة بواسطة انتحاريين، فيتمثل في أنّ الضربة التي تلقّاها الحوثيون في المخا كانت ضربة مؤلمة. لا يمكن الاستهانة بما حصل في المخا بأي شكل وذلك لأسباب عدة في مقدمتها طرد الحوثيين من منطقة يهددون فيها الملاحة عبر باب المندب المؤدي من الخليج إلى البحر الأحمر وصولا إلى قناة السويس. لحقت خسارة كبيرة بالحوثيين الذين يطلقون على نفسهم تسمية أنصار الله”. كان عليهم تعويض هذه الخسارة بعمل دعائي من نوع مهاجمة فرقاطة سعودية يعيد المعنويات المفقودة. حسنا، لحقت أضرار بالفرقاطة، ولكن هل ذلك يؤخر أو يقدّم أو يجعل السعودية والتحالف العربي يعيدان النظر في حساباتهما اليمنية؟

لن يقدّم ضرب الفرقاطة أو يؤخر. هناك عزم على منع اليمن من التحول إلى قاعدة إيرانية، أيّا يكن ثمن ذلك. أما بالنسبة إلى الحسابات، فلا بدّ من إعادة النظر في بعضها، خصوصا لجهة كيفية البناء على ما تحقّق منذ انطلاق “عاصفة الحزم”، التي هي أيضا عاصفة العزم والإرادة الصلبة.

منذ انطلاق العمليات العسكرية، تحققت نتائج كثيرة. أُخرج الحوثيون الذين صاروا متحالفين مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح من عدن. تلا ذلك تحرير مناطق أخرى عدّة، من بينها شبوه وحضرموت. لكن تعز بقيت منقسمة على نفسها وبقيت للحوثيين وأنصار الرئيس السابق مواقع أساسية فيها. ولكن ما يلفت النظر، أنه على الرغم من الهزائم العسكرية التي لحقت بـ”أنصار الله”، بقيت سيطرتهم على صنعاء ومحيطها شبه كاملة. لم يحصل تطور مهمّ على جبهة نهم منذ فترة طويلة، تماما كما عليه الحال على جبهة تعز.


خلاصة الأمر أنّه لا يمكن الاعتماد على الأدوات التي تمثّل “الشرعية” الآن. تبيّن أن هذه “الشرعية” عاجزة عن الاستفادة من الإنجازات العسكرية التي تتحقّق. أكثر من ذلك، لا تستطيع هذه “الشرعية” توفير قناعات للمواطن العادي بأنّه في مأمن عندما يكون في ظلها.

هناك أرقام مخيفة تعكس المدى الذي وصلت إليه المأساة اليمنية. جاء في تقرير صادر عن “يونيسيف”، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة، أن اليمن خسر مكاسب حققها على مدى عقود في مجال الصحّة العامة نتيجة الحرب والأزمة الاقتصادية. هذا إلى جانب عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.

من بين الأرقام التي أوردها التقرير أن ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف شخص في اليمن من بينهم نحو مليونين ومئتي ألف طفل يعانون من سوء حاد في التغذية. كذلك، يعاني 460 ألف طفل دون الخامسة من سوء التغذية بطريقة أكثر حدّة.

ورد في التقرير أيضا أن 63 من كلّ ألف طفل يموتون قبل بلوغ سنّ الخامسة، في مقابل 53 كانوا يموتون في 2014. يعطي هذا الرقم فكرة عن السرعة التي تتدهور فيها الأوضاع في اليمن.

هذا غيض من فيض الأرقام المتوافرة والتي تدعو إلى وقف المأساة اليمنية على وجه السرعة بعيدا عن أيّ نوع من المصالح الشخصية وأيّ عقد من أيّ نوع كان تتعلّق بالأشخاص وغير الأشخاص.

نجحت “عاصفة الحزم” حيث كان يجب أن تنجح. كان في الإمكان تحقيق نتائج أفضل لو كانت هناك شرعية حقيقية ولم يكن الإخوان المسلمون يتصدرون المشهد في مناطق كانوا يعتقدون أنّ لديهم شعبية كبيرة فيها مثل تعز.

الثابت أن الحوثيين لا يمتلكون أي مشروع من أي نوع كان لا لبناء دولة ولا لبناء مزرعة. لا يمتلكون مشروعا لا اقتصاديا ولا سياسيا ولا تربويا. ليس لديهم ما يقدمونه غير الشعارات الفضفاضة التي تكشف إفلاسهم على كلّ صعيد. ولكن ما لا بدّ من الاعتراف به أنّهم موجودون ولا يمكن إزالتهم من المعادلة اليمنية، مثلما لا يمكن إزالة “المؤتمر الشعبي العام” الذي يتزعمه الرئيس السابق.

هذا واقع لا مفرّ منه، تماما مثل الواقع الآخر الذي يحول دون دور فعال لـ”الشرعية” في المناطق التي خرج منها “أنصار الله” وآخرها المخا.

الخوف كلّ الخوف من أن تستغلّ العصابات الإرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” الوضع القائم في محافظات الجنوب والوسط والمناطق التي تحت سيطرة “الشرعية” للتوسع والانتشار. قد يكون هذا السبب الذي دفع دولة مثل سلطنة عُمان إلى اعتماد دور أكثر نشاطا وتوازنا في مجال البحث عن تسوية. هناك خوف من أن تؤثر حال الفوضى والفلتان في الجنوب اليمني على الداخل العُماني الذي لا يبدو محصّنا تجاه انتشار عناصر إرهابية من “داعش”. ما لا يمكن تجاهله في أي وقت وجود حدود مشتركة بين اليمن وسلطنة عمان، وأن اليمن الجنوبي، الذي كان قاعدة سوفياتية، شكل تهديدا للسلطنة في مطلع السبعينات من القرن الماضي.

في غياب المسؤولين اليمنيين القادرين على لعب دور قيادي، إنْ في الشمال أو الجنوب أو الوسط، ليس أمام التحالف العربي سوى تحمّل مسؤولياته. كيف ذلك؟ ليس عيبا، في انتظار بلورة حلّ على مستوى اليمن كله، العمل على تنظيم أوضاع عدن والمكلا والمخا وكل كيان صغير يمكن تنظيمه في انتظار ذلك اليوم الذي يصحو فيه الزعماء اليمنيون ويكتشف “أنصار الله” أنّهم ليسوا سوى أدوات استخدمتها إيران في لعبة أكبر منهم… وتكتشف “الشرعية” أنّها لا تمتلك شخصا قادرا على المكوث في صنعاء ولو لأربع وعشرين ساعة.

لا بد من العودة إلى البديهيات في اليمن. هذا يعني البحث عن الممكن في غياب القدرة على اجتراح المعجزات في بلد يموت أطفاله يوميا بسبب الجوع وغياب الحد الأدنى من الرعاية الصحيّة.


"العرب اللندنية"