الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٤٤ مساءً

الحوثيون.. كيف أصبحوا ذنَبَا لإيران.. أصل الحكاية وفصلها

إحسان الفقيه
السبت ، ١٥ ابريل ٢٠١٧ الساعة ١٠:٣٣ صباحاً
لما دخل سيف بن ذي يزن على كسرى يستنصره في طرد الأحباش من اليمن قال له كسرى: “ بعُدت بلادك مع قلّة خيرها، فلم أكن لأُورّط جيشًا من فارس بأرض العرب، لا حاجة لي بذلك” ثم أجازه بعشرة آلاف درهم، وكساه كسوة حسنة. فخرج “سيف” وجعل ينثر الأموال للناس، فبلغ ذلك كسرى فقال: إن لهذا لشأنا. ثم بعث إليه فقال: عمدتّ إلى حباء الملك تنثره للناس قال وما أصنع بحباك؟ ما جبال أرضي التي جئتُ منها إلا ذهب وفضة، يُرغّبه فيها. فجمع كسرى حاشيته يستشيرهم، فقالوا: أيها الملك إن في سجونك رجالا قد حبستَهم للقتل، فلو أنك بعثتهم معه فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردتّ بهم، وإن ظفروا كان مُلكاً ازددته. فبعث معه كسرى من كان في سجونه فخرجوا في ثمان سفن إلى ساحل عدن. والتاريخ يعيد نفسه: كانت هذه القصة التي ذكرها المؤرخ الإسلامي ابن كثير في البداية والنهاية، تكشف بداية التطلّعات الفارسية لأرض اليمن عام 575م. وتمر القرون تلو القرون، وتظهر الأطماع الفارسية مرة أخرى في السيطرة على بلاد “ابن ذي يزن”، متمثّلة في الأطماع الإيرانية لفرض هيمنتها على اليمن والسيطرة على مضيق باب المندب. لكنْ هذه المرة، لا تقتصر الأطماع الفارسية على الثروات والموارد، وإنما صيغت في شكل مشروع قومي متكامل الأركان يرتكز على طائفية مقيتة في إقامة هلال شيعي تُمثل اليمن رأسه الجنوبي. كما أنها تسعى عن طريق السيطرة على اليمن إلى محاصرة الأراضي السعودية التي تُعدّ معقل السنّة، لتتمكن من مواجهة الفكر السلفي أو” الوهابي ” كما يطلقون عليه. وفي نفس الوقت تسعى إيران عبر بسط نفوذها في اليمن إلى السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي، أحد أهم الممرات المائيّة لحركة التجارة العالمية. * يقول محمود حسن زاده الذي عمل سفيرًا لإيران في صنعاء: إن إيران تنطلق من التاريخ، ومعرفة الجغرافيا، وفقاً لمصالحها الأمنية، والاقتصادية، وليس وفقاً لرؤية قاصرة، لما يدور من أحداث في صعدة مثلاً،.. والقضية بالنسبة لإيران مصيرية”.

اليمن بعد ثورة الخميني:

يقول الباحث فادي شامية في معرض حديثه عن الأنماط التي يتحرك وفقها المشروع الإيراني: “نمط إيديولوجي يهدف إلى بث التشيع، ومحاولة سحب المذاهب الشيعية الأخرى، الزيدية والعلوية تحديداً، إلى المذهب الإثني عشري المتبع في إيران، ودعم الشيعة العرب وربطهم بولاية الفقيه، ومحاولة إقامة “هلال شيعي” في المنطقة العربية، يبدأ من العراق وينتهي في جنوب لبنان”. إضافة إلى تطويق المملكة العربية السعودية بحزام من الأزمات ذات الطابع المذهبي، لا سيما في العراق، واليمن، والبحرين”.

*هذا النمط هو ما تحركت من خلاله إيران لفرض مشروعها باليمن، حيث استطاعت أن تستميل الحوثيين، وتحوّلهم أيديولوجيا من المذهب الزيدي إلى الإمامي الإثنى عشري، والدخول تحت راية ولاية الفقيه، وصارت شوكة في خاصرة الخليج. *ولم تكن الإمامية لها تأثير يذكر في عهد دولة الإمامة في اليمن والتي تسير على المنهج الزيدي، وبين المذهبين بُعد المشرقين، نظرا للخلافات العقدية التاريخية بين الطائفتين، فأصحاب المذهبين يكفر بعضهم بعضا.

وبعد اندلاع ثورة الخميني عام 1979، واتجاه الجمهورية الإيرانية إلى تصدير الثورة انطلاقا من تصريح الخميني في الذكرى الأولى لثورته حيث قال: “إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم”. ولم يمنع وقوف اليمن بجانب العراق في حربها مع إيران، النشاط التبشيري الشيعي الإيراني داخل اليمن والذي برز في مطلع الثمانينيات وكانت أولى ثمراته، قيام المدعو صلاح أحمد فليتة بإنشاء اتحاد الشباب عام 1986م، والذي اعتمد مبادئ الثورة الإيرانية في مواد التدريس، وكان محمد بدر الدين الحوثي أحد القائمين على التدريس في هذا الاتحاد.

واعتنق العديد من النخب السياسية باليمن المذهب الشيعي الإمامي الإثنى عشري بعد الثورة الإيرانية، كان من بينهم العميد عبد الله العليبي عضو المكتب السياسي للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بعد أن تسلل إلى السفارة الإيرانية في اليمن عام 1983م رفسنجاني يحوّل المسار: أثَّر توجه الخميني العسكري في تصدير الثورة سلبًا على شعبيتها، إلا أن علي هاشمي رفسنجاني قد استطاع عقب توليه الحكم عام 1989م إلى تحويل المسار الثوري من التوجه العسكري إلى السياسي والفكري والثقافي، والاعتماد على القوة الناعمة، الأمر الذي سهل تعزيز مبادئ الثورة الخمينية وأفكارها داخل اليمن.

وجاء في كتاب بعنوان “تصدير الثورة كما يراها الخميني” صدر في عهد رفسنجاني: “مبدأ تصدير الثورة لا يعني الهجوم العسكري وحشد الجيوش ضد البلدان الأخرى مطلقا، لكنه يعني استخدام أساليب تنسجم ومتطلبات المرحلة الجديدة”. وخلال هذه المرحلة التي سادها الهدوء في العلاقات بين إيران ودول الجوار، كثفت إيران من إقامة المشروعات الثقافية والاستثمارية، والجمعيات الخيرية داخل اليمن، وبذل المنح الدراسية داخل إيران لليمنيين، وهو ما أسهم في ترويج مبادئ الثورة ومذهبها الإمامي الإثنى عشري بصورة قوية.

الحوثيون تحت الجناح الإيراني:

نشب نزاع حاد بين بدر الدين الحوثي أحد أبرز الشخصيات الدينية في اليمن وبين علماء الزيدية ..على خلفية تأثر الأول بالمذهب الجعفري، ترتب عليه ذهابه إلى طهران والإقامة فيها لعدة سنوات، تشبع خلالها بالمنهج الشيعي الإمامي، وعاد بعدها بروح تبشيرية للمذهب، وعمد إلى إرسال شباب الحوثيين في صعدة إلى الحوزات العلمية في إيران. *وتابع بدر الدين الحوثي – الذي يتبع المذهب الجارودي الزيدي – الإمامية في النص على الأئمة وحصرهم في نسل الحسين، وتابعهم كذلك في تكفير غالبية الصحابة. ولقد صرح بتكفير الصحابة حيث قال: “أؤمن بتكفيرهم لكونهم خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله”، وهو الأمر الذي خالف فيه عموم الزيدية.

*وتعد من أخطر الأفكار التي يعتقدها الحوثي إيمانه بالمهدي وفق العقيدة الرافضية، وبضرورة التوطئة لعودته وما يصاحب ذلك من احتلال بلاد الحرمين والقضاء على أهل السنة، والأنظمة السنية الحاكمة على رأسها الحكومة السعودية. ولئن كان بدر الدين الحوثي هو الزعيم الروحي للحوثيين، إلا أن ابنه الأكبر حسين الحوثي، يعد هو المؤسس الفعلي للجماعة، وهو الذي استغل فتح المجال للتعددية السياسية عام 1990، وأسس تنظيم الشباب المؤمن عام 1991م، والذي يعد النواة العسكرية للتنظيم، وقام كذلك بتأسيس حزب الحق، بالإضافة إلى فوزه بمقعد في مجلس النواب.

وعلى غرار ما فعله والده، اتجه حسين إلى مرجعياته في إيران، وتأثر بمبادئ ثورة الخميني وأفكارها، وسافر إلى قُم، وتولى تدريبه حزب الله اللبناني الشيعي، وربطته بالحرس الثوري الإيراني علاقات وطيدة. ولقد وصفه أحد الكتاب في أحد المواقع الشيعية بقوله: “حسب علمنا الحسي وقراءاتنا لكتبه وتتبّعنا لحركته أنه متأثر حتى النخاع بثورة الخميني في إيران، حيث أنه خضع لدورات أمنية وسياسية وغيرها في لبنان عند حزب الله، ولديه ارتباط قوي بالحرس الثوري الإيراني”.

الحوثيون والحراك العسكري :

استغل حسين الحوثي حالة الفراغ الأمني والتنموي – في ظل حكم المخلوع علي عبد الله صالح وانكماشه داخل صنعاء وإغراق البلاد في الحروب والفوضى – وحوّل مدرسته التعليمية إلى ميلشيات مسلحة. *وخلَفه على قيادة هذه الميلشيات شقيقه الأصغر عبد الملك الحوثي، والذي تزعم التيار الحوثي متجاوزًا شخصيات بارزة وأشقاء له أكبر منه سنًا، ليصبح هو القائد الفعلي لحركة التمرد الحوثية، وقام عام 2007م بتأسيس موقع المنبر الالكتروني لنقل أفكار حركته ووجهة نظرها للعالم. وفي هذا التوقيت برز التعاطف الإيراني مع متمردي الحوثي، ولعبت وسائل الإعلام الإيرانية على النعرات الطائفية، وادّعت مظلومية الشيعة في اليمن سواء كانوا الزيدية أو الإمامية.

وأما عبد الملك الحوثي فقد فتح جبهات قرب صنعاء ووسّع نطاق الصراع، معتمدا على الدعم العسكري الكبير الذي قدمته إيران أثناء حروبه التي خاضها ضد الحكومة اليمنية، التي كان لها غرض في إطالة أمد القتال. *وفي الوقت الذي دعمت إيران التمرد الحوثي، دعمت بالتوازي مع ذلك علي سالم البيض قائد الحراك الجنوبي، ووفرت لنشطاء الحراك مراكز للتدريب في طهران ولبنان ودمشق.

النفوذ الإيراني بعد الثورة اليمنية:

دعمت إيران الثورة اليمنية، حيث كانت طرفاً فيها عن طريق أذنابها الحوثيين، والذين انخرطوا في الحراك الثوري، متناسين خلافاتهم مع باقي المكونات الشعبية.

وحرص الحوثيون خلال الثورة عام 2011م، على الظهور بصورة تميزهم عن باقي المكونات، حيث أن رافعة الاحتجاجات اليمنية قد تشكّلت في بداية الثورة من طلاب التجمع اليمني للإصلاح الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين، وقامت السلطات باعتقال الناشطة وعضو مجلس الشورى “توكل كرمان”، ثم نزلت أحزاب اللقاء المشترك، ونزل كذلك الحوثيون. *وبعد المبادرة الخليجية التي أنقذت علي عبد الله صالح من حبل المشنقة، بلغ الدعم الإعلامي الإيراني ذروته في دعم الحوثيين، وبرزت الأموال الإيرانية الداعمة للحركة، لعرقلة المسيرة السياسية للبلاد.

*وبعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني وتولي عبد ربه منصور هادي منصبه كرئيس توافقي، قامت إيران باستقطاب النخب والكيانات اليمنية في مختلف المجالات: السياسية والإعلامية والثقافية، وذلك للدفاع عن التدخل الإيراني في اليمن. ووسّع الحوثيون خلال هذه الفترة نفوذهم العسكري بمباركةٍ ودعمٍ إيرانييْن، وأدخلوا البلاد في نفق مظلم، بعد أن قاموا بإضرام نيران الحرب ضد السلفيين في دمّاج وكتاف وقبائل محافظة حجة، تمكنوا خلالها من السيطرة على عمران، ووصل نفوذهم العسكري إلى احتلال صنعاء، والهيمنة على الأوضاع في اليمن، وهو ما ترتب عليه استقالة هادي، وما أعقبه من إعلان الحوثيين دستورهم الذي لا يتعدى كونه انقلابًا مسلحًا.

ولكن ماذا عن مظاهر الدعم الإيراني للحوثيين، إعلاميا وعسكريا ولوجستيا، وما مدى تأثيره؟