الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٣٧ مساءً

خلطة 94م العجيبة !!

سام الغباري
السبت ، ٠٦ مايو ٢٠١٧ الساعة ٠٩:٠٢ مساءً
- ليس لدى حراك "عيدروس الزبيدي" أي خلاف مع التجمع اليمني للإصلاح في تلك البقعة الساخنة من أحياء عدن ، لم يؤيد الحزب الإسلامي أي توجه لإحتلال عاصمة الجنوب اليمني السابق من الميليشيا الحوثية كي نعطي أنفسنا مبررًا واحدًا يفسر الكراهية المتصاعدة تجاههم ، لقد قاتل الإصلاحيون بقيادة "نايف البكري" في مختلف شوارع عدن وشاركوا إخوانهم الجنوبيين كل التضحيات البطولية الممكنة في سبيل هزيمة الميليشيا بمساندة الأشقاء من الإمارات العربية المتحدة ، على عكس الحراك الذي كان راضيًا عن غزو العمائم السلالية لإسقاط الشرعية الرئاسية التي هبطت على رأس فخامة الرئيس "عبدربه منصور هادي" .
- عيدروس الزبيدي لم يشارك بطلقة واحدة في وجه الحوثيين ، كما كانت تصريحات ثلاثي الشر من القيادات الجنوبية أمثال البيض والعطاس والجفري تعزل نفسها عن أي مواجهة لصد العدوان الحوثي المتمدد بتواطئ واضح مع قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي ، في تلك الأثناء كان "صالح" يُجري حوارًا مع صحيفته "اليمن اليوم" متبرئًا مما يحدث على أراضي عدن .
- في المقابل لم يكن لـ "علي عبدالله صالح" أي خلاف يُذكر مع نائبه السابق ورئيسه الحالي "هادي" ، إتهم "صالح" الإصلاح بتدبير عملية إحراقه حيًا في مسجد النهدين بالعاصمة صنعاء ، وبعد تعافيه المفاجئ من الحادث الإجرامي غادر الرياض إلى صنعاء ليُسلّم رئاسته إلى نائبه ، ثم مضى نحو منزله لا يفكر بشيء سوى الانتقام ، في لحظة غرور طائش إعتقد الإصلاحيون أنهم سيطروا على مقاليد الحكم عبر الرئيس المنتخب ، وأن أي خسائر في سبيل إخراج صالح من السلطة يمكنهم دفعها بكل رحابة صدر . إلا أنهم لم يكونوا على قدر عالٍ من رؤية المستقبل الذي لا يبتسم لهم .
..
ما يفترض أن تمثله اقطاب هذا الصراع الدائر اليوم يُسببه الغزو الحوثي على عدن ولا شيء آخر ، وقد أدى إلى نتيجة طبيعية بتدخل التحالف العربي لإعادة إلى الأمور إلى طبيعتها قبل 21 سبتمبر 2014م .. إلا أن الحراك الذي يمثل الطرف المهزوم في حرب صيف 1994م عاد ليتذكر هزيمته المريرة على أيدي قوات صالح وحليفه التجمع اليمني للإصلاح في تلك المعركة الخاطفة التي حرمتهم السلطة والجاه ، ونفتهم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان .. وقد كان عبدربه منصور هادي رأس الحربة في هزيمتهم ، كما هو علي محسن وحسين عرب وعبدالله علي عليوه وآخرون .
في العام 1994م كانت الخارطة كالاتي : علي عبدالله صالح وعبدربه منصور هادي وعبدالكريم الإرياني وعلي محسن والشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر والتجمع اليمني للإصلاح في مواجهة علي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس وعبدالرحمن الجفري وحسين الحوثي ومحمد عبدالملك المتوكل واحزاب الإشتراكي والحق واتحاد القوى الشعبية .. خمسة من رؤوس القبائل في مواجهة خمسة آخرين من رؤوس الهاشمية الشريرة ، لم يكن أحدًا في تلك السنة الحزينة مُستعدًا لتبرير الأمر على هذا المستوى الطبقي الجريء ، غير أنها كانت الحقيقة المسكوت عنها .
بعد عشرين عام ، تمكن الذين أسميناهم بـ"الإنفصاليين" من تدمير وحدة "الشرعية" ، دب الخلاف أولاً في الحزبين العملاقين "المؤتمر الشعبي والتجمع اليمني للإصلاح" بعد سيطرة الأول على غنيمة الحرب وإزاحة الإصلاح من الحكم واضطرار الأخير إلى التحالف مع أعداء الوحدة – حسب التصنيف الرسمي لحرب 94م – في تكتل سياسي سُمي بـ "اللقاء المشترك" ضمّ المتضررين من نظام صالح مثل بقايا الإشتراكيين والقوميين والناصريين والبعثيين ، وأخيرًا الإصلاح الذي كان الضحية الأكبر لخديعة الرئيس السياسية .
لو أن قيادة تجمع الإصلاح كانت تفكر بشكل سوي قبل عام 1999م لعرفوا أن "اللقاء المشترك" لم يكن حاضنتهم السياسية الملائمة فكل المتطرفين الذين يتشكل منهم هذا اللقاء كانوا على خصومة مذهبية وعقدية وفكرية معهم ، وبتأزيم المراحل السياسية وتأجيل المواعيد الديمقراطية الثابتة وحروب صعدة الست وصل العام 2011م بإندفاعة انتحارية لأكبر حزب سياسي يمني معارض وهو "التجمع اليمني للإصلاح" إلى المذبحة الثورية ، تعرض لخديعة شركاءه في اللقاء المشترك ، وأعلن تبنيه المتسرع لعملية شواء "صالح" في جامع النهدين ما دفع الأخير إلى التحالف مع الخصوم التقليديين للإصلاح ، وتكرار المأساة الانتحارية الثورية من جانب المؤتمر الشعبي العام بالمشاركة في تمرد 21 سبتمبر 2014م مع العصابة الحوثية ، حتى صارت خارطة الأطراف المتصارعة كالتالي :علي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي "وجماعته" ومحمد عبدالملك المتوكل وحيدر العطاس وعلي سالم البيض وعبدالرحمن الجفري وبعض الكتل السياسية لأحزاب الإشتراكي والناصري والبعث والحق واتحاد القوى الشعبية والمؤتمر الشعبي العام في مواجهة عبدربه منصور هادي وحسين عرب والراحل عبدالكريم الإرياني وعلي محسن ومحمد اليدومي وأنجال الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر والتجمع اليمني للإصلاح . مع مراعاة بروز بعض الشخصيات الشابة الجديدة التي تحارب بالوكالة انتقامًا لكبرائهم من حروب سابقة لم يكن لهم فيها أي شأن أو علاقة .
الوجع الحقيقي لدى الأطراف اليمنية المتصارعة لم يكن بسبب الغزو الحوثي على عدن ، فما تكشفه خفايا الصراع اليوم تُرجح أن ذلك الغزو الوقح كان عاملاً جوهريًا لدعم السبب الأساسي المرتكز على مبدأ "الإنتقام" مما حدث في 94م ورافدًا حيويًا للإنفصاليين القدامى أمام كل دعاة العقلنة الذي شاؤوا تصحيح مسار الوحدة بالدعوة إلى صيغة جديدة لليمن الإتحادي ، الهاشميون في الشمال يريدون الإنتقام من ثورة 26 سبتمبر 1962م ، والهاشميون الجنوبيون ورفاق السوء يفكرون في الإنتقام من حرب 1994م ، وعلي عبدالله صالح يفكر في الإنتقام من مجزرة النهدين الإرهابية ، وغلاة التطرف الدموي في عدن يفكرون في حرب الهوية بين "الضالع" و "أبين" ، ذلك الصراع القديم المتوهج الذي لا يريد أن يدفن وقد بُعث "عيدروس" ليُمثل "علي عنتر" ، فيما صار "هادي" موصومًا بتبعيته لـ"علي ناصر محمد " حتى وإن صار الرئيس !.
لقد استغل "إنفصاليو" 1994م الرجل الذي رفع راية الوحدة في عدن لإسقاطها من يده ، اقتحم علي عبدالله صالح ورجاله عدن لطرد "علي سالم البيض" وأصحابه ، وبعد عشرين عامًا اجتاح حلفاء علي سالم البيض صنعاء لطرد "علي عبدالله صالح" لكنهم لم يجدوه ، فقد التحق بهم ورحل معهم إلى عدن لطرد آخر الوحدويين "عبدربه منصور هادي" وحلفاءه الإصلاحيين .. وما تزال الملاحقة مستمرة .
.. وإلى لقاء يتجدد .