الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٩ مساءً

ما دام (نحن) غائباً فهادي ليس السبب !

منتصر منصور
الخميس ، ٢٤ اكتوبر ٢٠١٩ الساعة ٠٩:٤٣ مساءً

قد يبدو العنوان سخيفاً_بالنسبة للبعض _ وقد يصنفه الكثيرون تطبيلاً ،وربما تعرّقَ قلمٍ مُزجَ بحبرهِ الحُمق والجهل والتبعية ، ولكن هذه هي الحقيقة التي يتجاهلها الكثير من أبناء هذا الوطن، لاسيما أولئك الذين يبحثون عن سرابيلَ وطنيةٍ تقيهم حر غيابها وبرد المتاجرة بها ، أو أولئك الذيـن يتشبث بأصواتهم الغضب وتتشبثُ به ويصبون كل سخطهم ولعناتهم الحارة على هــادي ..

أن يكون هادي ليس السبب في كل ما يحدث ، لا يعني أنه ليس مذنبا ولا لوم عليه وإنمـا تصنيف هادي كونه سبب الأزمة الرئيس والأول ليس من المنطق بمكان ، وإذا كان ذلك صحيحا فهذا يعني أن دولتنا هشةٌ للغاية ومن الحماقة تسميتها دولــةً ذات شعب وسيادة ؛ بل يمكن القول أنها جرةٌ مملؤة بالفراغ وضعت _ حمقاً_ على رأس شخصٍ يُقال له (هادي ) وإذا ما غفا واستلقى على سرير غفلته سقطت تلك الجرة وانكسرت..

إن الدولة التي أمر بقائها وزوالها يتوقف على موقف رجلٍ واحد أو مجموعة نفر قُلّدوا مناصبها العُليا ومسكوا زمام أمرها هي دولةٌ لا يستحق شعبُها بقاءها واستقرارها ..
الدولة التي تتأثــر بحالة رئيسها المزاجية واتجاه تيارات مسؤوليها السياسية والاقتصادية والولائية والبراجماتية هي دولةٌ تستند على الفراغ واللاشيء وذوبانهـا مسألة وقت وارتفاع بسيط في درجة حرارة الاختلاف والمصالح ، ومَن ينسب تشظي دولتنا وضعفها وانهيارها وتمزقها لهكذا أسباب وعوامل فهو يحاول إثبات ذلك وبرهنته وتأكيده وإثبات غيـاب الوجود الشعبي وضعف قوته وقلة حيلته وتكبيل أيادي فاعليته بسلاسل الغياب والعدم ..

إن جُبن هادي وإذعانه وخضوعه الذي نتحدث عنه ونُرجع إليه حالة هذا الوطن ومصائبه هو جبن هذا الشعب وذله وخوفه وإذعانه في المقام الأول ؛
فالشعب إنما هو ريحٌ صرصرٌ إذا ما تجبرت لوطُ الواقع وهو الصيحة لو أن ثمود حكومته عمدت على نحر ناقة ثقته خوفاً أو خيانة ، ولا يمكن لدارٍ أن يُباع أو يُهدم وربُّهُ يقطن فيه ولديه ما يمكن به حماية داره والحفاظ عليه ..
كيف تذهب اليمن أدراج الانقسام والتشظي والضياع واليمنيون يفترشون تربها ويتنفسون هواءها وما زال النور يدب في أعينهم وحضورهم تشهده مواطنها والساحات ؟!

حضور الشعب الذي أتحدث عنه
ليس حضور أجسادهم وآهاتهم
واستيائهم الذي تغرق به وسائل الإعلام والتواصل ،
الحضور الحق للشعب هو ذلك الذي يحول دون غياب الوطن ويمنع عقد صفقات بيعه كلما حاول تجار الحروب والمصالح إبرامها ،
هو ذلك الحضور المرتدي معاطف الوعي والمتسلح بالحب والولاء للوطن والممتلء بالمنطق والعقلانية ، لا بالمناطقية والعدوانية .
هو ذلك الذي يتوارى عن ميــدان النزاع والقتل كلما تعكّرت مزاجية القائد أو المسؤول وأمر بما يرغب لا بما ينبغي ويجب ؛
إنه آلاف الجنود وعشرات الآلاف الذين يتواجدون في معسكر أو معسكرات يقودهم أحدهم لضبط إعدادات عملهم وخفض حدة أصواتهم ورفع مستوى وطنيتهم وهمتهم وليس امتلاكا لولائهم ودفعهم حيثما تتجه رياح أهوائه ومصالحه ، وإذا ما كانوا كذلك وتحولوا إلى أدوات تنفيذ وبندقية قتل تعمل كما شاءت سبابة من يقود ويأمر _ كما يحدث الآن في وطننا _ فقد غاب وجود الشعب العسكري الذي يُعوّل عليه منع غياب الوطن ويُناط به مهمة الدفاع عنه ومنع سقوطه وانهياره وتحول إلى ما فيه دمار الوطن وزعزعته وغيابه ؛ والسبب ليس ذلك القائد أو تلك القيادة ؛ لأن القائد يمتلك عقلا واحدا ورأسا واحدا وأهواء عدة وشياطين كثيرة وقد ينحرف في أي اتجاه بفعل عوامل مناخية أو غيرها وعدم صوابه لا يمكن أن يراه آلاف المبصرين صوابا إلا إذا كان هو _ بالنسبة لهم _ الوطن والشعب والأهل والمحطة التي تزودهم بوقود الأفكار والمعتقدات والقيم..

وجود جزء الشعب في أي مكان من أجل بقية الشعب وبقية أجزاء الوطن يمنع سقوط ذلك المكان وبقية الأجزاء ، أما إذا كان وجوده متعلقا بشخصٍ ما ومربوطاً إلى ذيله ، يتحرك بتحركه ويهتز باهتزازه ويدور بدورانه فلا يمكن له أن يبقى ليبقى المكان والوطن والشعب ..

فهل نحن مربوطون إلى ذيلٍ يمتد من مؤخرة هادي وحبل يخرج من جمجمته لنهدأ كلما هدأ ونهتز كلما اهتز ونتحدث كلما تحدث وننام كلما فعل ؟!

إذا كنا كذلك فلماذا نلوم قليل هادي وحكومته وكثيرنا لا معنى له ولا قوة ولا تأثير ؟!

أليس بإمكاننا التوقف كلما تحرك هادي عكسيا ومنع حركته ؟!
أليس بإمكاننا التحرك كلما توقف وكانت الحركة ضرورية وواجبة ؟!
أليس بإمكاننا الصراخ بصوت عالٍ موحد كلما غفا هادي وغفت أعضاؤه لينتفض من على غفلته وغفوته ؟!
أليس بإمكاننا رؤية عارضَ الخطر وهو مستقبِلُ دولتنا
واتخاذ ما يقينا شره وعذاب ريحه الأليم ؟!
ألم نصدر أصواتاً متباينةَ الحدة والنوع والاتجاه والقصد والمعنى وكنا سببا في خلق الضوضاء والفوضى التي حجبت عنا رؤية ملامح الوطن وقراءة تعابير وجهه وسماع نداءاته ؟!

ألم يغرد كل منا في سرب انتمائه وتعصبه ومصالح حزبه وتركنا الوطن والشعب جانبا ؟!
ألم نتخذ من بعضنا أنداداً وأعداءً وانشغلنا بما يشغلنا عن الوطن ومصالحه ومكتسباته ؟!

لماذا إذاً هادي هو السبب ونحن من أبدينا قبولنا صمتاً وقهقهةً حيال ما يجري على مرأى ومسمع منا ومنه ؟!