الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٠ صباحاً

وباء كورونا وأجندات الأنظمة الخاصة !

منذر فؤاد
الاثنين ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٠ الساعة ١٢:٠٠ صباحاً

قبل عام، فرضت حكومات عربية قيودا على الشعائر التعبدية في رمضان، لكن هذه القيود أضحت أكثر تشددا بشكل غير مسبوق، في ظل أزمة تفشي وباء كورونا، ومع أن المبررات التي تسوّغ هذه القيود تبدو معقولة عند العامة كونها ترتبط بتفشي الفيروس، إلا إن هذا لا ينافي قول أن الحكومات وظفت أزمة الفيروس خدمة لأجندة معادية للدين والحريات.   لماذا نجحت الحكومات في غلق المساجد كلية أمام الصلاة، وفشل بعضها في ضبط التجمعات والأسواق؟ هل انتشار الفيروس يكون حصرا في دور العبادة دون الأماكن الأخرى، أم أن هناك استغلال رسمي لأجندة لا علاقة لها بمكافحة الفيروس؟ لماذا ضيقت الحكومات على إقامة الجماعة في المساجد ولو بعدد ثلاثة أشخاص فقط أو مسافات متباعدة، وضيّقت على الفقراء مزاولة أعمالهم لتوفير لقمة العيش بينما سمحت لشركات الإنتاج بمواصلة أعمالها الدرامية تحت ذريعة حفظ أموال شركات الإنتاج؟ أيعقل أن تكون شركات الإنتاج أحوج للمال من الفقراء الذين خسروا أعمالهم بسبب الحظر ولم تهتم لأمرهم الحكومات؟   إنني هنا أطرح أسئلة تحتاج إلى إجابات مقنعة، لكنني شخصيا كلما تعمقت في رسم إجاباتي، أجد استغلالا كبيرا من جانب الحكومات والأنظمة لهذه الأزمة، لفرض المزيد من القيود على إقامة شعائر الإسلام، والمزيد من القيود على حريات الناس، وربما سنلمس أثر ذلك جليا في الأيام والسنين التي ستعقب انتهاء أزمة كورونا.   أحيانا، أحاول أن أتفهّم للأنظمة إجراءاتها بإغلاق دور العبادة، مثلما يفعل آخرون، لكنني أجد أن هذا الإغلاق لم يشمل دور عبادة غير المسلمين، كما أنه في الوقت الذي تغشى فيه العاطفة الدينية أوروبا والولايات المتحدة، نجد خطابا بعيدا عن الدين في المنطقة العربية، فيما يخص أزمة كورونا، وأغلب التناول يكرر على الإجراءات المادية في مكافحة الوباء، ولا يتطرق لأي دور تعبدّي يربط الناس بخالقهم، في الدعاء ورفع البلاء.   لقد بررت الحكومات العربية إجراءتها التي اتخذتها لمواجهة الفيروس، بأنها تهدف للحد من انتشار المرض والحفاظ على حياة شعوبها، مع أن معظم هذه الحكومات غرقت في بحور من دماء الشعوب، ولاتزال تهرق الدماء في أكثر من بلد ومدينة، وبالتالي فإن هذه التبريرات يمكن تصديقها في دول تحترم مواطنيها وتحترم حقهم في الحياة، وهذا أبعد مايكون عن أنظمة الحكم في المنطقة العربية.   وحتى لا أكون متهما عند المثقفين والمتنورين الجدد، الذين أوسعوا الناس شتما ووصفوهم بالتخلف لمجرد أن صلوا الجماعة في شوارع بعض المدن بعد محاصرة المساجد، سأورد مقارنة بسيطة لحدثين تزامنا في أسبوع واحد تقريبا، تعكس التوجه الرسمي العربي، في استغلال الوباء لأجندات خاصة.   في هذا الشهر، شهدت مصر جنازة عسكرية فيها من الحشود ما ينافي إجراءات التباعد الاجتماعي، وتزامنت الجنازة  مع تحقيق لسلطات السيسي مع داعية أقام الجمعة في بيته، ومشاهد لصلوات في عدد من كنائس أم الدنيا. وإذا لم يكن هذا استغلالا لأزمة صحية في فرض أجندة معادية للدين، ماذا يمكن أن نسميه؟ ثم منذ متى كان السيسي حريصا على حياة المصريين، وهو الذي أباد منهم الآلاف في يوم واحد؟   لقد كشفت أزمة كورونا، عن نوايا استغلالية للأنظمة الوظيفية، لموجة تفشي المرض، في سبيل المزيد من الضبط والسيطرة والمصادرة لحريات الشعوب، والتضييق على المساجد، والإجراءات التي بررها انتشار الفيروس، ستتكرر مستقبلا بمبررات جديدة، وبحسب حاجة الأنظمة والحكومات إليها.