السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٧ مساءً

كعكة اليمن والحوثيون

إلهام الحدابي
الخميس ، ٢٢ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٠٧ مساءً
يبدوا أن لعاب البعض بدأ يسيل،خصوصاً وأن اليمن ليست مجرد كعكة،وإنما قائمة من الحلويات بنفطها وثرواتها المتعددة،ولكن غالباً ما يحكي لنا التاريخ من ان تلك الأفواه الجائعة تأتي من الخارج،أما في تاريخنا الحديث فأول تلك الافواه وأغزرها لعاباً هي أفواه من الداخل!!لا يهمها كمية الدم التي ستسفك،او أبواب المشاكل التي ستفتح،فالكعكة تستحق التضحية بكل شيء…..حتى الشرف والمباديء.

لغة الدين
باسم الله،وباسم الدين،وباسم الوطن….هو شعار انتهجته مختلف الشرائح والجهات في اليمن في خطاباتها السياسية،وذلك لتكسب تأييد القاعدة الأوسع من اليمنين،والمعروفين بارتباطهم الكبير وحبهم الأكبر لهذا الدين،ولكن يبدوا ان الكثيير يسيء استخدام هذه العاطفة باستغلالها، وتوجيهها لخدمة مصالح قد تكون شخصية.

أبرز الحركات في اليمن،هي الإصلاح ،ثم السلفيين،ثم الحوثيين،هذه الأطر الثلاث تستخدم الدين بشكل أساسي في نهجها السياسي،ليس بالضرورة أن تتساوى تلك الجهات في استخدام الخطاب الديني،إذ أن الإصلاح له توجهات محمودة في هذا الجانب، ولكنه في نفس الوقت يحرص على مكاسب سياسية في هذا الجانب،ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك،غير أن حركة الإصلاح بقاعدتها العريضة لا يمكن أن تقع في تلك المثالب التي تقع فيها حركات اخرى،ربما لبنية الحزب الذي ينتهج التفكير الجماعي كإطار عام لفرض سياسته في الواقع،أيضا قد يكون السبب هو نسبة الشباب الحي والمثقف والمفكر ممن ينتمون لهذه الجهة،إذ أن بعضاً منهم حريص على ألا ينزلق في اتون حماقات سياسية باسم الدين لأنه يحترم الفكر الذي وهب له.

أما حركة السلفيين،من وجهة نظري…على قدر علمهم الديني الغزير..إلا أنهم غالباً ما يسقطون مبدأ(أفلا تتفكرون)إذ أن الشيخ هو رسول الله في الأرض ،ولا نقاش او تفكير إذا كان الحدث هو أحد الأمور المسلم بها في مذهبهم،متناسيين أن السلف الصالح بشر كانوا يخطئون ويتعلمون،وتاريخهم مليء بالأحداث السياسية التي جابهت حاكما ظالماً او قادت حركة إيجابية لتغيير واقع،ولكن للأسف سلف هذا العصر لم يتحركوا إلا بعد فوات الأوان،إذ أنهم نقلوا للجميع-بما فيهم نحن- صورة سلبية عن المسلم المتدين،حيث أنهم استيقضوا فجأة من سبات جهلهم الممجوج،بعد أن خذلهم ولي الأمر علي صالح،وذلك بعد أن سفكت دماؤهم بالمجان،بل وباسم الدين.

ويبرز وجه جديد في الساحة اليمنية وهم الحوثيون،أنا إلى اللحظة لا أرى من الحوثيين إلا أسرة يتبعها جمهور لا يعي ولا يفهم مايحدث حوله،ولكن الواجب والمحتم عليه أن يحمي سلالة الحسين،لأنهم أولياء الله في الأرض،وعلى الرغم من أن النصوص القرأنية والدينية لا تحتم ذلك الشيء إلا أن هذا الأمر صار مسلماً كعقيدة عند اولئك القوم،وكأن عبد الملك الحوثي وعائلته بيدهم صكوك الغفران ومفاتيح الجنان.

سياسة الفرص السانحة
يتذكر الكثير هذا المفهوم الذي طبقه الإصلاح في اليمن،ففي 94 شارك الإصلاح الحكومة في حرب الاشتركيين في الجنوب،طبعاً مثل هذا الحدث خلق أفكاراً متباينة،بين مؤيد باسم الدين،ومعارض باسم غير المستفيدين،وأصبحت عدن ومدن الجنوب عرضة للأطماع المختلفة، لكن الإخوان في ذلك الزمن لم تكن لهم مصالح كالوقت الحالي،حيث أن شروطهم الأساسية ارتبطت بتحسين التعليم وغيرها من الشروط المشابهة،أما اليوم ومن خلال المبادرة الخليجية فتبدى وجه أخر لهذ الحزب،وأخشى أن يفقد الكثير من شعبيته بمرور الوقت،واكتشاف الناس أن هذه المبادرة لم تكن سوى مؤامرة سوق لها البعض ممن يريدوا الحفاظ على مصالحهم باسم الشعب.

يعتقد عبد الملك الحوثي-من خلال خطابه الأخير-بأنه وإن كان الأخير زمانه لأت بما لم يستطعه الاوائل،متناسياً أن مثل هذه الخطوة مازالت طرية في تاريخ اليمن،ولكن يبدوا أن نمط التفكير الحوثي لا يسمح بتقليب الذاكرة قليلاً او الاستفادة من أخطاء الآخرين،مصراً بذالك على ان يكون شقياً وفق المثل القائل:الشقي من اتعظ بنفسه،والسعيد من اتعظ بغيره.

أقحم الحوثي نفسه في لعنة تاريخية لن تنساها ذاكرة اليمن بتاتاً،حيث طبق سياسة الفرص السانحة،ولإن كنا كشعوب متعاطفة للدين وكل ما ارتبط به قد غفرنا للإصلاح او غيره من الحركات ركوب الموجة باسم الدين في أحداث 94،لن نكررها أبداً مع الحوثي في التاريخ الحديث،لسبب بسيط وهو ان ما حدث في الماضي كان له مسوغ ديني واجتماعي وعلى رأس ذلك الوحدة،لكن أي مسوغ سنبحث عنه لنبرر للحوثي وزمرته قتل الاطفال في دماج،نحن لسنا مع ردة الفعل السلبية للسلفين،والتطبيق الخاطيء لمفهوم(لئن بسط إلي يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي إليك لأقتلك)،ولكن نتمنى ان يكون الدرس قد وصلهم بالكامل،ليدركوا حقيقة ولي الأمر الذي يستميتون في الدفاع عنه، أو على الأقل التخذيل عنه.

قد يرى البعض أن خطاب الحوثي مجرد خطاب سياسي، او دعائي،او حتى اعتباطي ..او عاطفي،ولكني أرى ان خطابه هذا يمثل محاولة لركوب الموجة،وتحسين صورة القناع الذي سقط منذ آخر محاولة لهم لتوسيع ملكهم ،مستغليين الانفلات الامني والساسي القائم في هذه المرحلة.

تحدث عبد الملك الحوثي عن الفتنة،ويحق لنا ان نتساءل أي فتنة يقصد؟!!أليس هو رأس الفتنة،أم ان كونه من آل البيت يخلصه من هذه التهمة!علينا أن ندرك أن احتواء هذا الخطاب على هذه الألفاظ ياتي في إطار قاعدة أفضل وسيلة للدفاع الهجوم،فالحوثي يدرك قبل أي شخص آخر أن الفتنة التي يتحدث عنها ،هو في الأساس متسربل بها،أما الطاقة الشبابية المهدرة من وجهة نظره هي مهدرة لأنها لم توظف في صفوفه،ولأنها بدأت تفكر بشكل جاد بأن الاحزاب الواهنة ،والحركات الانتفاعية لن تخدم قضيتهم الثورية في شيء.

أغرقنا عبد الملك الحوثي بأمريكا وأخطارها،وجميعنا يدرك أن نسبة مما يقوله صحيح،ولكن هو للأسف لا يدرك أن أفعاله تناقض اقواله بشكل فاضح،ففي دماج لا ترى غير اشلاء لأطفال ونساء وقليل من الرجال،كلهم بملامح يمنية..وإلى جوارهم ترفرف لافتة كتب عليها شعار الحوثي..الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل!!حقاً نتمنى أن يغير قليلاً من استخدام تلك الألفاظ المكررة في خطاباته حتى لا يناقض نفسه.

أكد في آخر خطابه ان اليمن ليست العراق او لبنان او غيرها،متناسياً أن لهجته الفعلية تؤكد توقه لصنع مأساة أخرى في اليمن،وقد تكون أبشع من تلك المأسي القائمة في البلدان التي ذكرها،الكثير من الألفاظ والمفاهيم التي ذكرها عبد الملك الحوثي في خطابه لا تخرج عن إطار(كلمة حق..أريد بها باطل)،والحقيقة التي لا مراء بها هي أن هذه الخطابات هي الورقة الاخيرة التي يتستر بها الحوثي ليستر بها عوراته التي تبدت من خلال الدم اليمني البريء،الذي اريق باسم الدين في دماج الكائنة في صعدة.

يبتعد الكثير عن مناقشة هذه القضايا تحت ذريعة عدم شق الصف،أو الثورة أولى،أو…،ولكني أجزم بأن مثل هذه القضايا إذا لم تحل في أتون الثورة فلن تجد طريقاً للحل إلا بتقديم تضحيات قد لا يستحملها اليمن،وسنبقى امام مشكلة جديدة شبيهة بمشكلة الجنوب مع اختلاف الموقع الجغرافي.
ونتمنى من الحوثيين ان يفكروا ولو بشكل هامشي حول حقيقة ما يقومون به،هل بالفعل هم يقتلون أمريكا او إسرائيل من خلال سفكهم لتلك الدماء البريئة؟!!

يجب ألا ينسوا اننا اولاً وأخيرا مسلمون،تجمعنا رابطة الدم اليمني الذي يسفكونه!وأننا منذ التاريخ كنا شعب واحد،وأنه لم يكن ثمة حوثي او أي لقب آخر بإمكانه أن يحل دم بعض ويحرم دم بعض،فلا يوجد دين على وجه الأرض يقر بهذه الحماقة.
اما كلمتي للشباب،علينا ان نناقش هذه القضايا وما شابهها بكل جرأة وشفافية،وثورتنا الإيجابية مستمرة حتى نصل إلى ما نريد،ولكني أخشى أن تنبت ثورة سلبية وتستمر إلا مالا نهاية طالما بقينا نلوك خوفنا الممجوج من مواجهة الحقائق.