السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٤ صباحاً

«حرب عالمية ثالثة»... أم حرب أميركية على العالم؟

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
يمن برس - ويليام فاف
كاتب ومحلل سياسي أميركي


خلال المحاضرة التي ألقاها الجنرال جون أبي زيد، قائد القيادة المركزية الأميركية، المسؤولة عن العمليات العسكرية في العراق، وذلك في جامعة هارفارد الأسبوع الماضي، قال أبي زيد إنه ما لم يتم التوصل بطريقة ما لوضع حد لتصاعد نزعة العنف و"القتالية الإسلامية" المتشددة، فإن حرباً عالمية ثالثة ستقع لا محالة. وإنه ليشق عليَّ فهم من أي متاهة من متاهات "البنتاجون" ومؤسسات البحث العلمي في واشنطن، نشأت هذه الفكرة الانطباعية الغريبة، في أذهان أفراد يتولون مناصب ومسؤوليات رفيعة، سواء داخل الحكومة الأميركية أم خارجها؟ يذكر أن وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، كان قد توصل إلى تكهنات شبيهة بهذه، حين ذهب إلى أنه ليس في وسع الولايات المتحدة تحقيق نصر في حربها الحالية على العراق، غير أن استمرار هذه الحرب أضحى ضرورة لا مناص منها، على حد قوله! والسؤال الواجب توجيهه إلى الجنرال أبي زيد هو: من الذي سيخوض هذه الحرب العالمية الثالثة؟ والإجابة: ربما تكون الجماعات الإسلامية المتطرفة، ضد الولايات المتحدة الأميركية، والتي لم يعد لها من حليف يذكر، إثر اقتراب مغادرة بريطانيا للتحالف الدولي المزعوم الذي أنشأته معها. فهل يصح أن نطلق على حرب كهذه اصطلاح "حرب عالمية ثالثة"؟ لعل الصحيح هو تسميتها بـ"حرب التدخلات الأميركية" الغليظة الفظة في شؤون الدول الأجنبية، بغية القضاء على حركات سياسية مناوئة لسياسات واشنطن، رغم أن تلك الحركات، تحظى بتأييد قسم من جماهير البلدان المذكورة. وها نحن نفعل ذلك اليوم في العراق ونرى إخفاقه واقعاً متجسداً أمام عيوننا مباشرة، تماماً مثلما رأينا إخفاقاته المريرة من قبل، في كل من فيتنام والصومال. فلم نستمر في تكرار هذه التجارب الفاشلة إذن؟ ليس في وسع أي من الحركات والبلدان المذكورة، غزو الولايات المتحدة الأميركية، ولا الإطاحة بحكومة واشنطن. ولن يفضي اختطاف الطائرات ونسف برجي مركز التجارة العالمي، ولا الهجوم علينا بوباء الجمرة الخبيثة، ولا الهجوم علينا بغاز الأعصاب في قطار أنفاق نيويورك، بل ولا حتى هجوم دولة مارقة علينا بمتفجرات نووية... لن يهز كل ذلك شعرة واحدة في البيت الأبيض، ولن يسفر عن الإطاحة بحكومته. ومهما فعل المتطرفون والمتشددون الإسلاميون، فإنهم لن يقسروا الشعب الأميركي ويدفعوه عنوة إلى اعتناق الإسلام، كما لن تفلح كل تلك الأفعال في إحلال الشريعة الإسلامية محل الدستور الأميركي الراسخ عبر القرون. ولا ريب أن أسامة بن لادن ورفاقه، هم من الذكاء بما يكفي، لإدراك حقيقة استحالة فوزهم بالنصر في حرب عالمية ثالثة يشعلون أوارها.

ولكن حذار من المضي بعيداً في هذا المنحى الواقعي في النظر للأمور. فهاهم دعاة نظرية "الحرب العالمية الثالثة"، يعترضونك بالقول: انظرْ فدونك الإرهابيون وهم يشددون قبضتهم الآن على العراق وإيران، بهدف تأسيس خلافتهم الإسلامية هناك، ثم ينطلقون منها لتوسيع نطاق هذه الخلافة بعون الجماهير وتأييدها لهم، على النطاق الإقليمي كله، وصولاً إلى الأردن وسوريا فتركيا، ثم إلى المملكة العربية السعودية، ومنها إلى مصر والسودان، بلوغاً إلى دول المغرب العربي في أقصى الشمال الإفريقي! إن حدود هذه الخلافة الإسلامية الجديدة لن تقتصر على النطاق الشرق أوسطي وحده، بل هناك دول أوروبا الغربية الرخوة الضعيفة بسبب "بحبوحة" العيش ودعة نظام الرعاية الاجتماعية السائد فيها، والخائفة على تأمين حاجتها من إمدادات النفط. ثم إنها، حكومات وأنظمة، تظل تنهشها من الداخل الأقليات المسلمة المهاجرة إليها، إلى أن يجيء اليوم الذي ترضخ فيه أو تمالئ أسامة بن لادن، فيتحول الأوروبيون بذلك إلى أورو- عربيين والقارة بأسرها إلى قارة أورو- عربية. ذلك هو السيناريو "العبقري" الذي جادت به قريحة أحد منظري واشنطن مؤخراً. وبذلك تكون أميركا قد تركت وحيدة في العراء المكشوف، لتواجه بعزلتها هذه خطر "الإرهاب الإسلامي"!

وتحت تأثير هذه "الفانتازيا" الخيالية الغريبة، قال الجنرال أبي زيد لمستمعيه خلال تلك المحاضرة في جامعة هارفارد، إن عليكم أن تتدبروا أمركم اليوم، وتغتنموا هذه الفرصة السانحة، للاستعداد، مثلما استعد غيركم لمواجهة الفاشية عام 1920. وهذه "فانتازيا" أخرى وتضليل وترويج غير مسؤول للمعلومات المغلوطة. فما من شيء كان على المجتمع الدولي مواجهته أصلاً في عام 1920. ذلك أن الحزب الفاشي نفسه لم ينشأ إلا في عام 1921، بينما لم يتمكن موسوليني من تشكيل حكومته إلا في عام 1923، وما تبع ذلك من إطراء أميركي بريطاني على روحها وكفاءتها، كما قيل! ولابد لنا من القول لمنظري ودعاة أوهام "الحرب العالمية الثالثة"، سواء كانوا في وزارة الدفاع أم في أروقة الإدارة أم خارجهما، كما هو حال كيسنجر: كفاكم ترهات وأوهاماً. فأنتم في ترويجكم لهذه الفكرة الخيالية الفجة، إنما تصدرون عن قراءة خاطئة، تهول من حجم الخطر الذي تنسبونه إلى أقلية إسلامية متطرفة، لا تمثل سوى قطرة في محيط إسلامي واسع، ينتمي إليه نحو مليار مسلم على نطاق العالم بأسره. ومن أزمة هذه الأقلية -داخل العالم الإسلامي نفسه- أنها تتوهم إمكان إدارتها عقارب ساعة الإسلام إلى الوراء، وإرجاعها للقرون الوسطى، حيث يتم هناك في تلك اللحظة وحدها، تطهير المسلمين من الرذائل والأدران التي لحقت بهم، جراء مفارقتهم لمجدهم الماضي المأثور. فإذا كانت هذه رؤية الأقلية الإسلامية المتشددة، فلماذا يتماهى معها كيسنجر ومسؤولو البنتاجون؟!