الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٣ مساءً

كيف تحدث الثورة؟

إلهام الحدابي
السبت ، ٠٩ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
تحدث الثورة عندما يمل الناس من الانتظار إلى مالا نهاية، وتحدث عندما يصبح الفساد هو القانون المستخدم في أروقة الدولة، وتحدث عندما يفقد الإنسان كل شيء دون ذنب سوى أنه يستضعف وإن كان قوياً ، تحدث عندما يصبح الوطن مجرد كلمة نقرأها في التاريخ أو في المناسبات الوطنية...إذاً كيف تحدث الانقلابات؟ كما تخبرنا الأحداث المتكررة في اليمن وغيرها من البلدان التي حدثت فيها انقلابات عسكرية أن الأمر يبدأ بتذمر بسيط، سرعان ما يتحول إلى غضب عارم باستخدام السلاح، أي أن السلاح يكون سيد الموقف، بمعنى أن السلاح الذي استخدمه رفاق الأمس يستخدمونه اليوم ولكن في اتجاه غير متوقع، وما حدث في اليمن مؤخراً أشبه بالأولى وليس بالثانية..

لنعد لبداية السطر، كيف بدأت الثورة اليمنية؟

فقراء يلتحفون أرصفة العاصمة، ومواطنون من الدرجة العاشرة يمارسون مهنة طبيب أو محامٍ أو معلم بمعاملات عنصرية كونهم ينتمون لمحافظة معينة، وفساد يتصدر عناوين الصحف العالمية كجزء من الأخبار اليومية، وبطالة يغرق في أتونها آلاف الخريجين، وهموم تبدأ من ميلاد المرء في مستشفيات غارقة بالإهمال، وتنتهي بمحاكم شكلية ينتصر فيها القوي ويهضم فيها الضعيف، بدأ الأمر لبعض الأصوات المنادية بإصلاحات، ثم تطور لاحتجاجات منظمة، ثم تحول إلى خيمة، فخيام، فجموع تبحث عن ضالتها وحقوقها، انضمت لها كل الأطياف، بألوانها، بأشكالها، وباختلافاتها.

وبدأ العنف كروتين وجزء من الاحتجاجات السلمية، وتكاثر العدد حتى صار يضم الغث والسمين على حد سواء، وصار شعار(أنا أعلن انضمامي للثورة الشعبية) عنواناً مستهلكاً للكثير من الأفواه الصادقة والمتمصلحة على حد سواء، واحتقن المشهد بكثير من الغضب والدم، والسياسة والصمت، والخوف والانتظار، وعشنا بألم فصول مختلف الانتهاكات، من جمعة الكرامة، إلى تفجير أبين، إلى محرقة تعز، إلى مجزرة بنك الدم والملعب الرياضي وجولة كنتاكي، غير أن المشهد الأكثر إذهالاً لنا هو صفقة (المبادرة الخليجية)! وكشباب غير مؤهلين لنمسك بزمام الأمور في زمن مليء بالكهول, آثرنا أن نلوك حزننا بصمت ونحن نرى أن الأمور خرجت تماماً عن مفهوم الثورة، وصارت حرب مصالح بمعنى أدق.

عندما بدأت الانضمامات الواسعة من قطاع الشرطة، أو من قطاع الجيش، أو المعلمين، أو الأطباء، أو حتى الطلاب أو السياسيين، كان هنالك ثمة رائحة غريبة لخيوط أخرى تسعى لاحتواء المشهد، ورأينا الحب بأصنافه يتقاطر علينا من كل حدب وصوب، فأمريكا تريد مصلحتنا ولكن على طريقتها، وفرنسا وتركيا وإيطاليا...إلخ، كلها تريد أيضاً مصلحتنا في إطار التعاون الثنائي، غير أن الحب الأكبر كان من جارة قريبة تصل رائحة نواياها قبل اسمها، حيث ثمنت محبتها بالجهود المبذولة للتخفيف من مناورات صالح وإلزامه بالتوقيع على المبادرة الخليجية، أعتقد أن الأمر لم يخرج عن كونه مهزلة بنفس طريق(بشره بالموت يقنع بالحمى) يعني علي سيتهرب من التوقيع حتى نرجوه كشعب مظلوم أن يوقع فحسب ولو على حساب كل ما نملك!

كثرت خيوط اللعبة في المشهد اليمني، وكثر لصوصها، وصار ثوار الأمس بياعي اليوم، وصار الشهداء مجرد مزارات وأسماؤهم عناوين لمهرجانات تدر الدعم من الخارج، أما الجرحى فمادة دسمة لتبادل المنافع والقبلات والعلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، أما الشعب فمجرد مشاهد لنشرة أخبار التاسعة، ومتابع لسلسة القتل المستمر، تارة في تفجير إرهابي، تارة في استهداف للقاعدة ، وكأن تلك الأرقام للقتلى لا تنتمي لليمن وإنما لبلد خارج إطار الزمن.

لا نستطيع أن نجزم أن ثمة أربعين حرامياً فحسب هم من يديرون المشهد اللحظة، لأن المتمترسين خلف الألقاب، وخلف الحصانات، أو حتى الثورة أكثر من أن نكتشفهم في المرحلة الحالية، ومن ينكر هذه الحقيقة فهو إما أعمى، أو يتعامى، وإما غبياً، أو يتغابى، وإما إنساناً يعيش خارج الواقع تماماً.

إلى فترة قريبة ونحن نستنكر فكرة رفع الخيام، غير أن جهوداً تضم لرصيد جهة معينة بدأت بتنفيذ هذه الخطوة في بادرة غير متوقعة، فاللجنة المالية لم تعد تصرف المواد الغذائية للمعتصمين، والسؤال لماذا تتخذ هذه الخطوة في هذه المرحلة بالذات! سيقول قائل: انتهى الدعم! لماذا لم ينته في فترة سابقة، مثلاً قبل صفقة المبادرة الخليجية! هي خطوات خفية من أجل فض الاعتصامات بطريقة مهذبة، وأعتقد أن الخطوة القادمة ستكون منع أي اعتصام حتى تعود الدراسة! ومن أجل سكان الحي!..إلخ.

ندائي الأخير لأولئك الذين يؤمنون بأنهم خرجوا في (ثورة) وليس في(لعب عيال)أبقوا أعينكم مفتوحة، فالانقلابات ليس بالضرورة أن تكون مسلحة ، وإنما قد تكون أساليب أكثر عنفاً بطريقة مهذبة، ومن تعود على الصمت لن ينبت له لسان بين عشية وضحاها، أما أولئك الذين باعوا الوطن والمواطن من أجل مصلحة وطن، أتمنى أن تسألوا أنفسكم: عن أي وطن يتحدثون؟! أم أن أوطانهم صارت مجرد منصب حكومي!

من أجل الوطن الذي لا يعرفونه هم، ومن أجل الدم الذي افترش في أعيننا ولازالت قضاياه مختبئة لتورط مختلف الأطراف فيها، ومن أجل الجريح الذي قد لا يسافر إلا وفق سياسات معينة، ومن أجل الفقر والموت ، والدم الذي لا زال يسفك حتى اللحظة..

أبقوا أعينكم مفتوحة.