الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٠ مساءً

من رائحة الياسمين إلى رائحة الدم

عبدالعزيز المقالح
الاربعاء ، ٢٠ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥٠ صباحاً
هل نقول أن أعداء الأمة قد نجحوا في تحويل الربيع العربي، ربيع الورد والياسمين، إلى موسم للقتل واستنـزاف ما تبقى في أوردة الأمة من دم حي؟ هذا ما يقوله الواقع وما تطرحه بوضوح لا لبس فيه الأسئلة التالية:

لماذا رائحة الدم في الوطن العربي هي الرائحة السائدة؟ ولماذا أحاديث القتل والقتل المضاد هي كل ما يدور ويروج في هذا الوطن الكبير؟ ثم ما حصيلة ذلك حاضراً ومستقبلاً؟ أسئلة أتمنى أن يضعها كل عربي رشيد نصب عينيه لا لكي يرد عليها وإنما ليتأملها على مهل وروّية، وليستعيدها مرات ومرات ثم يسأل نفسه: لماذا وصلت الأمور بنا إلى هذه الحال؟ وهل في بعض هذا الذي يجري ما يعد انعكاساً طبيعياً لمرحلة من الوعي السديد أم الوعي الزائف؟ وما يضاعف الحيرة أن المجتمعات العربية قد انقسمت على نفسها كما لم يحدث في أي وقت مضى وصار الدم الذي يجري في هذه البقعة من الأرض يبهج البعض وكأن ما يجري من دم هو من الأحجار لا من الأجساد الآدمية.

ولنتذكر بحزن شديد أنه في ثوان قليلة استطاع شاب من هذا الوطن أن يفجّر نفسه في المئات من أبناء وطنه وأن يرديهم بين قتيل وجريح، مع أنه كان يدرك أن هؤلاء الأبرياء الذين سالت دماؤهم وتمزقت أشلاؤهم على وجه الساحة لم يسبق لهم أن أساؤوا إلى هذا الشاب أو اختلفوا معه حول قضية من القضايا أو أنهم ارتكبوا جرماً في حق أحد يستحقون عليه ذلك العقاب المرعب.
فقد كانوا يقومون بعملهم الرسمي، وفي أذهانهم أن يعودوا إلى أطفالهم وأهلهم بعد الانتهاء من ذلك العمل الموكل إليهم، وإذا بهم يواجهون بالموت الجماعي دون ذنب وبلا وداع للأهل والأطفال. وفي ثوان معدودة ينطفئ بريق الحياة في أعينهم وتتلاشى أحلام المستقبل الذي ينتظرونه وينتظرهم، كيف يمكن تفسير هذا الجرم؟ وكيف يمكن تصوره أو قراءة المقدمات المؤدية إليه؟! حدث هذا في صنعاء وبتاريخ 21مايو 2012م. كانت الشمس لحظتها في وسط السماء، والسحب البيضاء القليلة تقترب من قمم الجبال المحيطة بالمدينة، والنساء بمن فيهن أمهات الضحايا ونساؤهم وأخواتهم يبدأن في إعداد طعام الغداء قبل أن يتوقفن ليسألن عن سر الانفجار الذي هز المدينة وأيقظ الموتى في المقابر. وقبل أن يبدأ العالم في التساؤل: من أرسل ذلك الشاب الملغوم بالنار ليقوم بتلك المهمة المريعة المجانّية وسط ذلك الحشد من شباب في عمره وفي مثل ظروفه؟ وما الهدف الكبير أو الصغير الذي هدف مرسلو ذلك الشاب الملغوم لتحقيقه من خلال تلك المجزرة، هل سيغير من مستوى الفقر في البلاد ويحل مشكلة الرغيف والماء؟ وهل سيخفف من وطأة التوترات السياسية والاجتماعية التي تسود الشارع وتنشر حالة من القلق غير المسبوق؟! والمحزن أكثر أن رائحة الدم لا تفوح من بلادنا وحدها. وإنما تكاد تكون هى الرائحة السائدة والمنتشرة في أجواء الوطن العربي، من سوريا إلى العراق، ومن لبنان إلى مصر، والسودان، ثم إلى ليبيا والجزائر والصومال.

ولا يكاد يخلو قطر عربي من هذه الرائحة الكريهة على تفاوت في حجم الكوارث المترتبة على هذه الأفعال المرعبة والتي يبدو مع اختلاف أهداف (أبطالها) أنهم يخضعون جميعاً لتعليمات مخرج واحد أجاد التخفي ونجح في وضع السيناريوهات المقلقة المتضاربة لإغراق الوطن العربي في بحار من الدم لتتسنى له الهيمنة. وما أظن أن عاقلاً واحداً في هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المتصارعة لا يشعر بيد المخرج العالمي وهي تضع أكف المتقاتلين على الزناد بغض النظر عن القاتل والمقتول، ومن يسقط أولاً أو من يسقط أخيراً.

تأملات شعرية:
أسوأ ما في الأرض مكانٌ يبحث
فيه الإنسان عن الموت المجاني.
والأسوأ في الباحث عن هذا النوع من الموت
أن لا يرحل منتحراً ووحيداً
بل في مجزرةٍ ظالمةٍ يأباها العقل، ويرفض أن يشهدها في كون الله القاصي والداني!