الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٣ مساءً

إرتباك أمريكي ورعب إسرائيلي والسبب إيراني!

عبد الباري عطوان
الاربعاء ، ٠٥ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٤:١٦ صباحاً
من يتابع الإعلام الاسرائيلي هذه الأيام يلمس وجود حالة من الرعب تسود الاوساط الشعبية، وأخرى من الارتباك في دوائر صنّاع القرار، ونحن نتحدث هنا عن المجلس الوزاري المصغّر، صاحب الكلمة الاخيرة في مجالي الحرب والسلام.

الرعب الذي نشير اليه متشعب الأسباب، فهناك عملية التغيير التي تتسارع في مصر بعد سقوط نظام الرئيس مبارك، الصديق الصدوق لتل ابيب، وهناك غموض يتعمّق على الجبهة السورية، بعد ترجيح معظم الآراء ان الصراع المسلح فيها سيطول ربما لأشهر او حتى سنوات، اما الاستقرار في لبنان فقد بات على كف عفريت، والوضع فيه مهدد بالانفجار في اي لحظة.

التهديدات الاسرائيلية بقصف المنشآت النووية الإيرانية بدأت حدتها تخف يوما بعد آخر، وبات بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي، الذي ملأ الدنيا جعجعة طوال الاشهر الاخيرة، يبحث عن سلم للنزول من الشجرة العالية التي صعد اليها في هذا المضمار.

الجنرال ديمبسي رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية صدم الاسرائيليين الذين يقرعون طبول الحرب ضد ايران عندما قال في تصريحات ادلى بها اثناء توقفه في لندن، ان بلاده لا تريد ان تكون جزءا من اي هجوم اسرائيلي على ايران 'في الوقت الحالي'، وتزامنت هذه التصريحات مع تسريبات صحافية تتحدث عن رسالة بعثت بها إدارة اوباما الى ايران، عبر طرف ثالث، تؤكد عدم المشاركة الامريكية في الهجوم وتطلب عدم ضرب قواعدها العسكرية في منطقة الخليج العربي.

' ' '

السلم الذي يريده نتنياهو حاليا للنزول عن شجرته هو تحديد الإدارة الامريكية خطوطا حمراء واضحة لإيران: إما ان تمتنعوا عن تخصيب اليورانيوم، او تواجهوا هجوما عسكريا ساحقا، وتحديد سقف زمني لهذا الانذار.

الادارة الامريكية تدرس احتمال الرضوخ لهذا الابتزاز الاسرائيلي، وقبل اللقاء المتوقع بين نتنياهو والرئيس الامريكي باراك اوباما، على هامش دورة انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة في النصف الثاني من الشهر الحالي.

هناك نظرية رائجة في الغرب تقول ان الامريكان والاسرائيليين يتبادلون الأدوار، وانه لا خلافات بينهم، او ان هذه الخلافات هي بمثابة قنابل دخان مصطنعة، هدفها التضليل وتهيئة الأجواء لإنجاح عنصر المفاجأة في حال تقرر الهجوم.

الرئيس اوباما لا يريد حروبا جديدة، وهو الذي وجد نفسه في تركة ثقيلة تورطت فيها بلاده في كل من افغانستان والعراق، وهذا ما يفسر تردده في التدخل عسكريا في سورية استجابة لضغوط حلفائه الاتراك والعرب، ومشاركته على استحياء في قصف طائرات الناتو في ليبيا التي لعبت الدور الأكبر في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي.

من استمع بالأمس الى اقوال السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله، التي وردت في مقابلته مع قناة الميادين الفضائية، وجرى بثها امس الاول، يستطيع ان يتفهم اسباب هذا التردد الامريكي، وحالة الرعب الاسرائيلية.

السيد نصر الله قال بالحرف الواحـــــد، وهو رجل لم نعهد عنه الكذب، انه يعلم علم اليقـــين ان القيادة الايرانية اتخـــذت قرارا بضرب جمـــيع القواعد العسكرية الامريكـــية في منطقـــة الخليــج العربي في حال تعرض ايران لهجوم اسرائيل لتدمير منشآتها النووية. واضاف ان امريكا تتحمل مسؤولية مثل هذا العدوان، لأن اسرائيل لا يمكن ان تقــدم عليه دون موافقة امريكية.

وما لفت النظر ايضا في هذه المقابلة تأكيد السيد نصر الله ان صواريخ الحزب ستصل الى كل نقطة في اسرائيل، في حال شنها اي عدوان على لبنان، ولم يستبعد دخول قواته منطقة الجليل الشمالية، وهذا كلام غير مسبوق، ولم يرد على لسانه او لسان اي مسؤول عربي من قبل.

امريكا تأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، ومياه الخليج ستشهد في الايام القليلة القادمة مناورات بحرية امريكية ضخمة، تشارك فيها سفن حربية وغواصات وحاملات طائرات، تتركز حول نقطة اساسية وهي كيفية التعاطي مع اي خطوة لإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي في فم الخليج حيث يمر 17 مليون برميل من النفط الى العالم.

' ' '

ولا نعتقد ان الايرانيين لا يدركون حجم التفوق العسكري الاسرائيلي، والقدرة التدميرية الامريكية الهائلة، وقد تحدث حليفهم الأقوى في المنطقة السيد نصر الله عن هذه النقطة بوضوح عندما قال ان هناك استعدادا لامتصاص الضربة الاولى سواء في لبنان او في ايران، والرد بعد ذلك بالقدر نفسه او اكثر من القوة.

مؤسف ان يقف العرب متفرجين، وينتظرون مصيرهم المظلم مثل شهود الزور، او الزوج المخدوع. فأي حرب ستنفجر سيكونون وقودها، واي اتفاق لتجنبها سيدفعون ثمنه غاليا من أمنهم وسيادتهم وجيوبهم.

جميل ان تقلق اسرائيل، وان ترتبك واشنطن، نتيجة فقدانها لهيمنتها على المنطقة ومقدرات العالم بعد صعود نجم قوى استراتيجية عظمى توقفها عند حدها، وتلغي احتكارها لمنظمة الامم المتحدة ومجلس أمنها، وتعيش عملية إذلال اللجوء الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، تماما مثلما كان يفعل العرب والروس اثناء الحرب الباردة هربا من الفيتو الامريكي ـ الاوروبي المنحاز والحامي لاسرائيل.

مللنا من إذلال هذا التحالف الاسرائيلي ـ الامريكي المسلط سيفه على رقابنا منذ ستين عاما، ولعل الحرب لو انفجرت تكون الكي الذي هو آخر العلاج.