الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٥٥ مساءً

القاضي العمراني والحوار الوطني

عبد الخالق عطشان
الاثنين ، ٠٧ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
شموس أضاءت هذا الكون وأقمار أنارت ليله ونجوم يهتدي بها الناس في ظلمات البر والبحر، هذه نعم امتنها الله على خلقه لعلهم يتذكرون ، يؤمنون ، يوقنون ، يشكرون....ولكن حين يجتمع في إنسان ضوء الشمس ونور القمر ومنفعة النجم فتا الله إنها لمنحة إلهية وكرامة سماوية واصطفاء الهي لعلم شامخ وطود راسخ آتاه الله العلم صبيا فنهل منه بكرة وعشيا فحاز الرتبة العالية والمكانة السامية بجهد عظيم وقلب سليم وخلق قويم على طريق مستقيم ما لان ولا هان وصل الليل بالنهار فنال وطره وأنال غيره من نيل الأوطار وركب السيل الجرار وطاف با الأزهار وأبحر في البحر الزخار ، لواؤه معقود ورايته خفاقة ، يفوح منه العود والعنبر ما بين القبلة والمنبر ويقطر شهدا وعسل حيثما حل وارتحل ،كأنه شمس والطلاب كواكب فهم به (مجموعة شمسية) تُسَبِحُ للواحد العلام وتَسبَح في فضاء العلم والأعلام.. كيف لا ؟؟وذلك تقدير العزيز العليم!!، جعل ما بين السُّنة والبدعة سداً مما مكنه ربه فلم يتّخِذ زبر الحديد وإنما اتخذ العلم والرأي السديد ، استعان بالباري فصاحب مسلم والبخاري واتكل على المقصود فرافق النسائي وابن حبان وأبي داوود واتخذ أيسر المسالك فأسرى مع الشافعي وأبي حنيفة وأحمد ومالك والإمام الجلي زيد ابن علي ،فَهِم المتن وكالتنقيب عن الماس والذهب نقّب عن السند فكان وسطي المذهب صحيح المعتقد ، ولو بعث الله أئمته مِن تحت الترابكابن الوزير و الشوكاني وابن الأمير والصنعاني لأمّهُمالقاضي العمراني في المحراب ..
إنه العالم الرباني والداعية الإنساني الفقيه المحدث القاضي العلامة / محمد بن اسماعيل العمراني.. عملاق الفقه وبحر الحديث ومتصدر الفتوى وأمير القضاء والآخِذُ من كل فن حسن والحائز على المجد من أطرافه ، يدخل الى منتصف العقد المائة من عمره - واثق الخطوة يمشي ملكا - ليُكمل قرناً من الزمان بإذن الله قضاها في بحبوحة العلم سليم الحواس طاهر الجنان مستنيرالفكر ، أراد اللهُ سبحانه وتعالى أن يلقاه شيخنا وقد أتم على يديه ما ستودعه من علم عنده فما زال لسانه وعقله وفؤاده يعبقُ بالعلم والفُتيا رغم أن شخصه توارى عن إلقاء الدروس المنتظمة في مسجده المبارك ( مسجد الزبيري) بسبب بلاء الله له فقد تعرض لأكثر من جلطة قلبية ولأنه من [ورثة الأنبياء علما وبلاءً] فقد كان أكثر صبر وأعظم احتسابا ، ولأنه رجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد ورغم نصح الأطباء له بالمكوث في البيت لحالته الصحية المتعبة إلا أن لفؤاده حنينا للمسجد وإلى مقامه في الصف الأول فما زال يسعى إلى المسجد ظهر كل يوم يصلي على كرسي و قلبه يقطر دما شوقا لأن يُمرغ أنفه وجبهته ساجدا بين يدي ربه مع علمه وفقهه بأنه (ليس على المريض حرج) يجول بفكره وببصره في أرجاء المسجد الذي غدا كونه الرحب والفسيح والروض النضير يدخل ويخرج منه وحوله محبيه وطلاب علمه وطالبي فتواه من العامة والخاصة والكبار والصغار حتى النساء ممن لم تتمكن من دخول المسجد تنتظره عند بابه ولسان حالهم جميعا (( طلع البدر علينا ))..وكاتب هذه السطور كان ممن تشرف بحضور مجالس علم ( القاضي ) وممن نهل من علمه الصافي الرقراق فكنت آتيه في بعض الأيام قبل حضور بقية طلابه وبيدي مجوعة من الأسئلة مكتوبة قد يصل عددها فوق العشرين سؤالا فقال لي ذات مرة مداعبا بلهجته ((الصنعانيه)): (عادك بترقد يابني...) وأردف قائلا : (سألوه عند من أنت مفتي قال عند ابن عطشان)وعاتبته ذات مرة لأنه لم يجبني على احد الأسئلة إجابة مفصلة فكان رده حانيا متواضعا مبررامعتذرا قائلا : ( صدرت الأجوبة حررتها وأنا على ظهري من كثرة التعب لأني مشغول بأعمال أخرى مثل الإطلاع على أوراق السائلين في الإذاعة وخارج الإذاعة والأطروحات والأبحاث التي يحررها طلبة المعهد العالي للقضاء لينالوا (الدبلوم) فعفوا)

هذا هو القاضي العمراني والذي يعتبر آية في سفر التاريخ وشامة في جبين الدهر ورائد من رواد التجديد لهذا الدين في زمن التقليد فالله أسأله ان يبارك فيما تبقى من عمره وان يحسن خاتمته ويعلي مقامه ويرفع ذكره ويجمعه مع حبيبنا محمد ...آمين والذي غيبته الأحداث المتلاحقه والمتسارعة وشغلنا عنه الحوار الوطني والذي نتمنى نجاحه..