الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٨ صباحاً

ثقافة الدولة

فؤاد الحميري
السبت ، ٢٨ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٠٢:٢٨ صباحاً
الدولة ثقافة وفكر قبل أن تكون أنظمة وقوة . وهي روح ومعنى قبل أن تكون هيكلا ومبنى . ولنا - نحن اليمنيين - في هذه الثقافة باع طويل ، وموروث عريق ، يعود إلى قرون غابرة قبل الميلاد .
فقد كنا شعباً ودولة يوم كان الناس عشائر متناثرة ، وقبائل متناحرة . وان عدنا - للأسف - عشائر وقبائل في وقت أصبح الناس فيه شعوباً ودولا .
وحين تسمع المواطن البسيط يردد المثل الشهير " شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي " تدرك عمق هذه الثقافة في وجداننا الجمعي وهو أساس متين يُبنى عليه ويُستند إليه إذا صحّت الإرادة ، وصلحت ( الإدارة ).
ومن ثقافة الدولة في الوجدان اليمني تأتي كلمة ( الديولة ) معبرة عن مظاهر الافتئات الفردي والجماعي على السلطة الرسمية ومؤسساتها فيما يشبه الاستنكار والاستهجان لتلك المظاهر مصبوباً في قالب من الاحترام والتوقير لمفهوم الدولة ورمزيتها .
إذاً لا يوجد مشكل وجداني أو ثقافي بين اليمني والدولة . بل المشكل الحقيقي قائم بين اليمني و( اللا دولة ) . الأمر الذي استثمره المستبدون عبر العصور في تدعيم استبدادهم وديكتاتوريتهم بمزيد من المركزية المتسلطة حدّ الاستعباد . متذرعين بالحرص على الدولة محبوبة المواطن ومرهوبته معاً .
ومن عجبٍ أن تجد البعض - وبحجة ضعف الدولة - يوغل في إضعافها . متناسياً أنه يُضعف نفسه ، ويَهدم ركنه . ولعله يُصبح قائلاً : ( أنا الدولة ) . ويمسي متسائلاً : ( أين الدولة ؟ ) .
وبين ( أنا ) و ( أين ) تكمن الملهاة ، وتُختزل المأساة .
واليوم يكشف اليمنيون ( بإيمانهم وحكمتهم ) زيف الدعاوى الاستبدادية وقد علموا علم اليقين أن مكوناتهم الاجتماعية، والاقتصادية والثقافية على اختلافها وتعددها لا يمكن أن تبقى فضلا عن أن تنمو وتتطور بعيداً عن بقاء ونمو وتطور مكونهم السياسي الأرقى .
كما قادهم وعيهم التراكمي إلى الهروب بهذا المُكوّن الأرقى من مضيق الأُحادية إلى فضاء ( الاتحادية ) . رافضين البقاء تحت نير الديكتاتورية الفردية أو الحزبية أو السلالية أو المناطقية أو الجهوية باعتبارها جميعاً منطوقات متعددة لمفهوم واحد هو ( اللا دولة ).
مستلهمين من ماضيهم الوطني ما يشيدون به مستقبلهم المدني . مدركين أن الدولة لا يصح أن تُؤسس على العصبيات . ولا يمكن أن تُساس بالعصابات .