الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٨ صباحاً

ثورة إيران الثانية في اليمن

ياسين التميمي
الأحد ، ٠٧ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٢:٠٢ مساءً
كما هو معلن هددت الجماعة الحوثية الشيعية المسلحة بتصعيدٍ نهائيٍ وحاسمٍ في وجه السلطة الانتقالية، بدءاً من يومي الأحد والاثنين، بذريعة تحقيق المطالب المشروعة لـ "الثورة". ومع أن الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، قد استجاب تقريباً لكل المطالب التي طرحها زعيم الجماعة المسلحة، إلاّ أن استمرار التصعيد يدل على المقاصد الحقيقية لهذه التحركات، والتي تكاد تعكس الطبيعة المعقدة للمشهد السياسي والاجتماعي والمذهبي في اليمن.

فالحوثيون هم أداة إيران القوية في اليمن، وقد استطاعوا أن ينجزوا مكاسب مهمة سياسية وجغرافية، من خلال الحروب. وبدعم من إيران تمضي هذه الجماعة الشيعية المتطرفة في حروبها المتواصلة، خصوصاً في محافظة الجوف؛ الواقعة إلى الشمال الشرقي من العاصمة والمتاخمة للحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، في محاولة لفرض السيطرة عليها كما فعلت في محافظة عمران.

أما في العاصمة صنعاء، فإن الجماعة المسلحة تتبع تكتيكاً مختلفاً صُمم في طهران، ويأخذ شكل ثورة شعبية ترفع شعار "السلمية" لكنها أحاطت نفسها والعاصمة صنعاء بسياج من المسلحين القبليين، تساندهم مجاميع دفع بها رأس النظام السابق، علي عبد الله صالح، في محاولة منه لإقصاء خصومه من المشهد السياسي، وعلى رأسهم التجمع اليمني للإصلاح، ورغبة منه في تمكين نجله من قيادة البلاد، بعد مرحلة من الفوضى خُطط لها بعناية بالتنسيق مع الحوثيين.

صنعاء اليوم شبه محاصرة بالمليشيات الحوثية والقبلية المسلحة، في مؤشر على العنجهية التي تتلبس هذه "الثورة" المناطقية والمذهبية الطابع، والتي اقتنصت فرصة قرار الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية، لتنبري الجماعة الحوثية المسلحة وقائدها في تكليف نفسها بمهمة إسقاط الحكومة، نيابة عن الشعب، وعبر ثورة بديلة عن ثورة الـ 11 من شباط/ فبراير وبمبادرة بديلة عن المبادرة الخليجية، وعلى نحو يظهر الحوثيين كما لو كانوا صوتاً لكل اليمنيين، ومقاتلين نبلاء من أجل رفع الضيم عن هم.

لا نستطيع التكهن بأن ثمة تطابقا في الأهداف بين الرئيس المخلوع والحوثيين، لكن الحليفين متفقان من حيث المبدأ على إزاحة الإصلاح؛ أقوى مكون سياسي في البلاد، ومن ثم التخلص من الرئيس هادي، وإنهاء تركة ثورة الـ 11 من شباط/ فبراير وفرض واقع جديد، لا أشك مطلقاً في حقيقة أن الرئيس السابق سيكون أول الساقطين على أعتابه.

صحيح أن التنسيق مع الوحدات العسكرية والأمنية المرابطة في صنعاء ومحيطها يتولاها صالح وأبناؤه، ويهدف إلى ضمان تحول هذه الوحدات إلى صف الثورة المضادة، لكن وكما هو معروف فإن الحوثيين يحملون مشروعاً سياسياً يقوم على فكرة الإيمان المطلق بالحق الإلهي في الحكم للسلالة الهاشمية الطالبية، وهو مشروع لا يقبل القسمة على اثنين.

الأربعاء الماضي كانت خطة التصعيد، قد وضعت سقفاً نهائياً لما يسميه الحوثيون وحلفاؤهم من بقايا النظام السابق "ثورة" أو" تصعيداً ثورياً"، حيث توزعوا كمجاميع صغيرة في التقاطعات الرئيسية وبجانب كل مجموعة تقف سيارة في منتصف الطريق، وتبث الأناشيد الحماسية.

وكان المخططون لهذه العملية يتوقعون تصرفاً من جانب القوات الأمنية أو الجيش، ليدخلوا في احتكاكٍ مسلحٍ معها، من خلال المسلحين الذين تجمعوا داخل سيارات في الأزقة الخلفية، وحينها كان سيتعين على المليشيات المحيطة بصنعاء أن تتحرك باتجاه المدينة لإنقاذ "الثوار" المفترضين.

لكن الذي حدث أن القوات الأمنية تجاهلت تماماً هذا التصعيد، فكانت النتيجة أن قُوبل الحوثيون وحلفاؤهم باستهجان شديد من قبل سكان مدينة صنعاء، الذين يتمتعون بحساسية تاريخية شديدة تجاه المظاهر المسلحة، وتجاه المجاميع القبلية التي تحاصر صنعاء، استناداً إلى إرث من عمليات الحصار والنهب التي طالت مدينتهم بقيادة الأئمة الزيود في فترات من مختلفة من التاريخ كان آخرها نهب صنعاء عام 1948، بإيعاز من الإمام أحمد حميد الدين، وذلك بعد أن فشلت الثورة الدستورية ضد والده الإمام يحيى.

من الواضح أن السقف الأعلى لـ (الثورة) الحوثية المفتعلة هذه، هو إنهاء نفوذ خصومها في الحكومة، واستبداله بنفوذ واسع لها ولحلفائها، ليس فقط في الحكومة ولكن على مستوى القرار السياسي للدولة، وهو إجراء مرحلي، سينتهي بالانقضاض على النظام الانتقالي برمته.

لكن يبدو أن ثمة أفقاً سياسياً، مع استمرار جهود الوساطة التي يبذلها أمين العاصمة صنعاء، عبد القادر هلال، وهو مقرب سلالياً ومذهبياً، من قيادة الجماعة الحوثية المسلحة، لكن يصعب التكهن ما إذا كان هلال سينجح في إقناع زعيم الجماعة الحوثية بالقبول بالمبادرة التي تقدمت بها اللجنة الرئاسية المنبثقة عن اجتماع القوى الوطنية والتي تضمنت تنفيذاً لمطالب الحوثيين بحدها الأدنى لجهة أسعار المشتقات النفطية، وبحدها المتوسط لجهة تحقيق مطلب تشكيل حكومة شراكة وطنية جديدة، مع تنفيذ حزمة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية، ما يفتح المجال ربما لأسوأ الاحتمالات.

"عربي 21"