الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٨ مساءً

طهران وواشنطن…للغرام أسرار

محمد جميح
الأحد ، ١٦ نوفمبر ٢٠١٤ الساعة ٠١:٠٢ مساءً
الخميس الماضي كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» النقاب عن رسالة سرية بعث بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي يبحث فيها سبل التعاون في الحرب على الإرهاب، ويذكر فيها «المعركة المشتركة» بين واشنطن وطهران في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ويحث فيها طهران على تسهيل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني.


ورغم أن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين إيران والولايات المتحدة، منذ العام 1979 مع أزمة احتجاز الرهائن إثر اقتحام السفارة الأمريكية في طهران، إلا أن التــواصــل السري لم ينقطع، إلى أن توج ذلك بالتواصل الهاتفي بين أوباما وروحاني أثناء زيارة روحاني لنيويورك مشاركاً في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر ايلول/سبتمبر من العام الماضي.


وفيما يخص رسالة أوباما المذكورة، رفض المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست تأكيد أو نفي إرسالها قائلا «لست في موقع يخولني بحث رسائل خاصة بين الرئيس وأي قائد في العالم». بعد ذلك اضطر البيت الأبيض إلى تدارك الموقف، وأكد على أنه لا تغير في سياسة واشنطن تجاه طهران.


غير أن جون كيري لم يلبث أن طار بعد ذلك، وتحديداً يوم الأحد إلى مسقط ليلتقي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في جولة جديدة من المباحثات حول البرنامج النووي الإيراني، تشارك فيها كاثرين أشتون، مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، حيث تتفاوض إيران ومجموعة 5+1 على صفقة تتيح وقف البرنامج النووي الإيراني في بعده العسكري في مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران.


ولمسقط خصوصيتها بالنسبة لواشنطن وطهران على حد سواء، ففيها تمت جلسات المباحثات السرية الأولى بين الأمريكيين والإيرانيين، والتي أفضت إلى بدء التفاوض العلني على مقترح يقضي بحل الملف النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الدولية، خلال ستة أشهر بدأت في شهر اذار/مارس الماضي، وانتهت دون الاتفاق مما أدى إلى تمديد التفاوض لثلاثة أشهر أخرى تنتهي يوم 24 من الشهر الجاري. وبعد هذه الجولة من المحادثات يفترض أن ينتقل المفاوضون إلى فيينا لبدء جولة ربما تكون الأخيرة حول هذا الملف يوم 18 هذا الشهر.
وعودة إلى رسالة أوباما، ذكرت «وول ستريت جورنال» أن أوباما ذكر فيها أن إشراك إيران في الحرب على الدولة الإسلامية، سيكون مرتبطاً بتحقيق تقدم في المفاوضات حول الملف النووي لطهران، الذي من المقرر أن يتم التوصل إلى اتفاق عليه قبل موعد انتهاء مهلة التمديد للمفاوضات في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي.


ومع بداية الحديث عن تشكل حلف عسكري لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، طفت إلى السطح بعض المناكفات بين واشنطن وطهران حيال مشاركة إيران من عدمها. فقد ذكر الإيرانيون أنهم يشترطون لتعاونهم في هذا الملف تحقيق تقدم في مسار المفاوضات، وهو الأمر الذي رفضته واشنطن، التي فضلت الفصل بين الملفين حينها، ما دفع طهران إلى مهاجمة الحلف، وصدرت تصريحات إيرانية تشكك في أهداف واشنطن من هذا الحلف، الأمر الذي عده مراقبون رداً على عدم إشراك الإيرانيين فيه، حيث إن وجود طهران بشكل علني سيفجر الحلف من داخله، في ظل تمسك المملكة العربية السعودية بعدم إشراك خصمها الإقليمي في هذا الملف، وهو ما أشار إليه كيري بقوله في 11 أيلول/سبتمبر الماضي إنه «سيكون من غير الملائم أن تشترك إيران في تحالف يسعى إلى قتال مسلَّحِي تنظيم الدولة الإسلامية» بعد تصريحات إيرانية توحي بالرغبة في ذلك، ومنها تصريح للرئيس الإيراني حسن روحاني في 14 حزيران/يونيو قال فيه: «إذا رأينا أن الولايات المتحدة تتحرك ضد المجموعات الإرهابية، فعندئذ يمكننا التفكير (في تعاون)، لكن حتى الآن لم نر أي تحرك من جانبهم».


ومهما يكن من أمر التصريحات والتصريحات المضادة، فإن المؤكد وجود رغبة مشتركة لإشراك طهران فى الحرب على «الإرهاب» على المدى القريب، وإن لم يكن في الجولة الحالية، خاصة بعد تأكيدات أمريكية ان هذه الحرب ستستمر لسنوات، وهذا ما يحتم التوصل لحل لعقدة الملف النووي الإيراني لتطبيع العلاقات الأمريكية الإيرانية، وعودتها إلى سابق عهدها.


وعودة إلى المفاوضات النووية، تسعى طهران من خلالها بشكل أساسي إلى رفع العقوبات الاقتصادية التي لم يعد فرضها «حبراً على ورق» كما كان الرئيس الإيراني السابق يقول، ولكنها أضرت بشكل بنيوي بهيكل الاقتصاد الإيراني، ولمس المواطنون آثارها المدمرة على حياتهم اليومية، الأمر الذي تخشى طهران من تحوله إلى حالة من الغضب الشعبي ضد النظام بين المواطنين.


غير أن طهران وهي تحاول التخلص من سيف العقوبات المسلط على رقبتها، تحاول ان تحتفظ ببعض الأوراق التي تضمن لها بقاء الأجزاء الأساسية من برنامجها النووي قيد العمل، كما ترغب طهران بعدم اقتصار الأمر على البرنامج النووي وحسب، ولكن في أن تكون شريكاً اقتصادياً للغرب في المنطقة، في محاولة لكسب أوراق اقتصادية يكون لها مردود سياسي لاحقاً، مستغلة فترة الفتور في العلاقات بين واشنطن والرياض في الوقت الحالي. وتلمح طهران إلى أبعد من ذلك، حيث ترغب في منافسة حليفتها روسيا في الأسواق الغربية فيما يخص مادة الغاز، وهو الأمر الذي ربما يفسر الحماس الأمريكي للاتفاق في الفترة الأخيرة على العكس ربما من المواقف الروسية، التي تتخوف من إحلال الغاز الإيراني محل الروسي في أسواق أوروبا.
ومن جهة واشنطن، فإن الإدارة الحالية تسعى إلى أن تستعيد طهران دورها الطبيعي، الذي مثلته أيام شاه إيران الذي كان حليفاً قوياً لواشنطن في المنطقة، يدعم ذلك التوجه حاجة واشنطن لطهران في الجبهة التي فتحتها على الإرهاب، والفتور الذي ذكرناه في العلاقات السعودية الأمريكية، وكذا نوع من الخلاف بين واشنطن وتل أبيب في ظل إدارتي أوباما ونتنياهو حيث تمر علاقات البلدين بأسوأ مراحلها التاريخية، حسب مراقبين.


ومع اقتراب نهاية مهلة الشهور الثلاثة للتوصل إلى اتفاق نووي، يبدو أن معالم تحالفات جديدة بدأت تبرز إلى السطح، ويبدو أن كثيراً من الغرام المتبادل بين طهران وواشنطن، بدأ يبوح ببعض أسراره، التي غطت عليها شعارات إيرانية كبيرة، كانت ترفع بتواطؤ معين للتحشيد الجماهيري، لجبهة أخرى لا علاقة لها بالشيطان الأكبر، ولكن لها علاقة بتكريس مزيد من النفوذ الإيراني في المنطقة، بالتنسيق مع شياطين واشنطن، وغيرهم من الشياطين الذين يطيب لهم ولطهران لعن بعضهم خارج الغرف المغلقة، وتبادل الأحاديث الودية، وحتى العناق داخل هذه الغرف التي لا بد أن الأيام القادمة ستكشف المزيد عما يجري داخلها من أحاديث وأسرار.